من قربات العشر الأواخر
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
كَانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُعَظِّم هذِهِ العَشْرَ، ويَخصُّهَا بِعبَادَاتٍ دُونَ سَائرِ أيَّامِ وَلَيالي هَذَا الشَّهْرِ، لِمَا تحمِلُهُ مِنْ خَيراتٍ وفَضَائِلَ.
كما رَوَى مسلِمٌ في صَحِيحهِ عَنْ عائِشَةَ -رَضيَ الله عَنهَا- قَالتْ: )كَانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يجتَهِدُ في العَشْرِ الأوَاخِرِ مَا لَا يجتَهِدُ في غَيرِها(.
فكَانَتْ لَيالي العشْرين الأُوَل مِن رَمضانَ يُفَرِّقُها -صلى الله عليه وسلم- بينَ الصَّلاةِ وَالنَّوم، فَإذا دَخلَتِ العَشْرُ فَهيَ للصَّلاةِ وَعبَادَةِ اللهِ وَذِكْرِهِ، تقُولُ عَائِشةُ -رضي الله عنها-: )كَانَ -صلى الله عليه وسلم- يَخلِطُ العِشرينَ بِصَلاةٍ ونَومٍ، فَإذَا كَانَ العَشْرُ شَمَّرَ وشَدَّ المئزَرَ(.
وَفي الصَّحِيحَينِ أنَّها -رضي الله عنها- قالتْ: )كَانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذَا دخلَتِ العَشْرُ شَدَّ مِئزَرَهُ، وَأحيَا لَيلَهُ، وأيقَظَ أهلَهُ(.
وقد تضمن حديث عائشة -رضي الله عنها- السابق ثلاثة أشياء، كان يخص بها رسول الله من العشر الأواخر.
أولها: شد المئزر:
قالوا: هو كناية عن اعتزال النساء، أو عن الجد والاجتهاد في العمل.
وذكر ابن كثير في تفسيره التأويلين، ثم قال: ويحتمل أن يكون كناية عن الأمرين، ثم علل ذلك بما رواه الإمام أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: )كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا بقي عَشْرٌ من رَمَضَانَ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَاعْتَزَلَ أَهْلَهُ(.
ثانيها: إحياء الليل:
وهذا يحتمل إحياء الليل كله، ويحتمل أن المراد إحياء غالبه لا كله، ويؤيده ما جاء عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: )ما أعلمه قام ليله حتى الصباح (.
السُّنَّة في هذِهِ العَشْرِ طُولُ القِيامِ والرُّكُوعِ والسُّجودِ، كمَا كَانَ فِعلُهُ -صلى الله عليه وسلم- يُؤخِّرُ النَّاسُ الصَّلاةَ في هذهِ الليالي لِيُدْرِكُوا الثُّلثَ الأَخيرَ مِنَ الليلِ، الذي يَقَولُ عَنهُ -صلى الله عليه وسلم-: )يَنزِلُ رَبُّنَا إلى السَّماءِ الدُّنيا كُلَّ لَيلَةٍ، حينَ يبقَى ثُلُثُ الليلِ الآخِرِ، فَيقُولُ: مَنْ يَدعُوني فَأسْتَجيبَ لَهُ، مَنْ يَسألُنِي فَأعْطِيهُ، مَنْ يَستَغفِرنِي فَأغْفِرَ لَهُ(.
إيقاظ الأهل للقيام:
وقولها -رضي الله عنها-: )وأيقظ أهله( يدل على أن النبي كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيرها من الليالي.
وقد أخرج الطبراني من حديث عليّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: )كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ فِي الْعَشْرِ الأَخِيرِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكُلَّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ يُطِيقُ الصَّلاَةَ(.
وكَانَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ يُصلِّي مِنَ الليلِ مَا شاءَ الله أن يُصَلِّي، حتَّى إذَا كانَ نِصفُ اللَّيلِ، أيقظَ أهلَهُ للصَّلاةِ، وقرأ: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عليها لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه:132].
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
---------
للفايدة