* دخل يوماً أبو حنيفة على المنصور فقال له أحد الجالسين: هذا عالِم الدنيا اليوم.
فقال له المنصور: يا نعمان من أين أخذتَ علمك؟ قال: من أصحاب عبد الله ابن عمر عن عبد الله ابن عمر , و من أصحاب عبد الله ابن عباس عن عبد الله ابن عباس و من أصحاب عبد الله ابن مسعود عن عبد الله ابن مسعود .فقال المنصور احتطت لنفسك !
أرأيتم ! من أصحاب الصحابة عن الصحابة عن الحبيب العدنان عليه الصلاة و السلام ! مبلغا عن رب العزة سبحانه ... مما علمه الروح الأمين جبريل ..
ورد العلا أهدى لنا وردة
يا حبذا الورد من الورد
*** انتفض أهل الموصل على المنصور وكان المنصور قد اشترط عليهم أنهم إن انتفضوا حلَّت دماؤهم، فجمع الفقهاء و قال لهم: أليس صح أنَّ رسول الله قال المؤمنون عند شروطهم يلتزمون بها , وأهل الموصل قد اشترطوا ألا يخرجوا عليّ وها هم قد خرجوا وانتفضوا ولقد حلَّت دماؤهم فماذا ترون؟ قال أحد الحاضرين: يا أمير المؤمنين، يدك مبسوطة عليهم وقولك مقبول فيهم فإن عفوتَ فأنت أهل العفو وإن عاقبتَ فبما يستحقون. التفت المنصور إلى أبي حنيفة يسأله و يستنطقه !
فقال أبو حنيفة: إنهم شرطوا لك ما لا يملكونه وشرطتَ عليهم ما ليس لك لأنَّ دم المسلم لا يحِلُّ إلا بإحدى ثلاث فإن أخذتهم أخذتَ بما لا يحلُّ وشرط الله أحق أن يوفى به. عندئذ أمر المنصور الجميع أن ينصرفوا ما عدا أبي حنيفة و قال له: إنَّ الحق ما قلتَ، انصرِف إلى بلادك.
رجل حساس يحيا بقلب شهيد , ففى حسبانه أنه قد يفارق الأرض بسبب كلمته , لكنه لا ينسى حياة الخلود و سعادة الأبد
فلا يتناثر ضميره خوفا من المواجع ،
أقوال العلماء فيه:
قال الذهبي رحمه الله : " برع في الرأي، وساد أهل زمانه في التفقه ،وتفريع المسائل، وتصدر للاشتغال ، وتخرج به الأصحاب " ثمَّ قال : " وكان معدوداً في الأجواد الأسخياء ، والأولياء الأذكياء ، مع الدين والعبادة والتهجد وكثرة التلاوة و قيام الليل , رضي الله عنه !!!!!!"
....
أرأيتم لم يكن غصنا يتلوى مع الريح ...
و لم يكن مكتبة متنقلة فحسب ..
و قال ابن كثير رحمه الله : " الإمام أبو حنيفة... فقيه العراق ، وأحد أئمة الإسلام، والسادة الأعلام ، وأحد أركان العلماء ، وأحد الأئمة الأربعة ؛ أصحاب المذاهب المتبوعة، وهو أقدمهم وفاة "
وقال ابن العمادفي " شذرات الذهب": " وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه والعبادة، والورع والسخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة؛بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صنَّاع وأجراء رحمه الله تعالى .
عالجوا الحكمة ، واستشفوا بها
وانشدوا ما ضل منها فى السِّير
واقرؤوا آداب من قبلكم
ربما علَّم حيا من غبر
أرأيتم إشراقة الرجل فى سيرته ! رجل المواقف الحرة .. رافض المساومات دوما .... عبد شكور ليلا ,
و عالم نحرير نهارا ..
رجل يدرك أن مال الدنيا و وظائفها لا يساويان الحفاظ على التقوى
وقال سفيان الثوري وابن المبارك : " كان أبو حنيفة أفقه أهل الأرض في زمانه" .
الفضيل بن عياض قال فيه :
كان أبو حنيفة رجلاً فقيهاً معروفاً بالفقه، واسع المال معروفاً بالأفضال على كل من يطوف به، صبوراً على تعلُّم العلم بالليل والنهار، ، يقوم الليل ، كثير الصمت، قليل الكلام حتى يرد مسألة في حلال أو حرام.
فكان يحسن أن يدل على الحق، رهاباً من مال السلطان.كان رحمه اللّه واحد زمانه، لو انشقت عنه الأرض لانشقت عن جبل من الجبال في العلم والكرم والمواساة والورع والإيثار للّه تعالى.
طائر وسط أسراب العلماء , يحلق بجناحين هما الحب و الخشية لله المتعال ...لا يستسلم لأقفاص الدنيا الدنية و أسوارها ...
- عبد الله بن المبارك العالِم الكبير والتابعي الجليل يقول : كان أبو حنيفة مخ العِلم ....!
- مالك بن أنس و هو رجل من رواد خليج الأمل ممن نشروا النور الربانى قال عنه :
- هذا النعمان لو قال هذه الإسطوانة من ذهب لكانت كما قال !
يعنى لو قال عمود المسجد من ذهب لصدق و لأقنع..
- و فى رواية : لو جاء إلى أساطينكم فقايسكم على أنها خشب لظننتم إنها خشب.
أرأيتم رزق الله للعبد و بركة السعى
نحسبه و الله حسيبه كان على خير ....
وإنَّ علومي باسقاتٌ وطلعُها
نضيدٌ ورزقٌ للعباد ورحمةِ
- الإمام زُفَرقال: جالستُ أبا حنيفة أكثر من عشرين سنة فلم أر أحداً أنصح للناس منه و لا أشفق عليهم منه، بذل نفسه لله تعالى، أمّا عامة النهار فهو مشتغل في العلم و في المسائل وتعليمها , و فيما يُسأل من النوازل وجواباتها , و إذا قام من المجلس عاد مريضاً أو شيَّع جنازة أو واسى فقيراً أو وصل أخاً أو سعى في حاجة، فإذا كان الليل خلى للعبادة و الصلاة و قراءة القرآن، فكان هذا سبيله حتى توفي رضي الله تعالى عنه.
أرأيتم ..كيف يحيا شخص و يبقى رحيقه مثل شذا الزهر ، و يترك علما مثل النور له سناء فى كل صفحة و مجلد ... و تقرأ الصدق فيه قبل الحرف ...حيث عاشت نفسه المعنى المقصود , و صدقت حاله المبنى المسطور ...
تلك ذكريات الأئمة عنه , قمة الصفاء و سلسبيل الفكر النقى , يبيت يسبح الله و يصبح يجتهد لغايته الكبرى على ثقة بيوم الميعاد , شوق يحدوه للقيا الحبيب صلى الله عليه وسلم , فيملك كيانه كله ...
يخالف طلاسم ،المبتدعة و قسوة قلوب المحترفين , و لا زال هو الذكى الأريب ....
-------
للفايدة للموضوع بقية في مابعد