(( النسـاء شـقائق الرجـال ))
من أجمل ماقيل في المرأة للدكتور عائض القرني
لا أسأل الله تغييرا لما فعلت / نامت وقد اسهرت عيني عيناها
فالليل أطول شيء حين أفقدها / والليل أقصر شيء حين ألقاها
رفقًا بالقوارير ، فإنهن مثل العصافير ،
لكل روض ريحان ، وريحان روض الدنيا النسوان ،
هن شقائق الرجال ، وأمهات الأجيال ،
هن الجنس اللطيف، والنوع الظريف ،
يلدن العظماء ، وينجبن العلماء ،
ويربين الحلماء ، وينتجن الحكماء ،
المرأة عطف ، ولطف وظرف ، سبابها سراب ،
وغضبها عتاب ، من وخطه المشيب،
فليس له من ودهنّ نصيب ،
لو جعلت لها الكنوز مهرا،
وقمت على رأسها بالخدمة شهرا ،
ثم رأت منك ذنبا قليلا ، قالت ما رأيت منك جميلا ،
القنطار من غيرها دينار ، والدينار منها قنطار ،
هي في الدنيا المتاع ، والحسن والإبداع ،
وهي للرجل لباس ، وفي الحياة إيناس .
وهي الأم الحنون ، صاحبة الشجون ،
خير من رثى وبكى ،
وأفجع من تألم وشكى، لبنها أصدق طعام ،
وحصنها أكرم مقام ، ثديها مورد الحنان ،
وحشاها مهبط الإنسان ، في عينها أسرار ،
وفي جفنها أخبار ، في رضاعها معاني الجود ،
وفي ضمها الود المحمود ، قُبَلاتها لطفلها صلوات القلب ،
وبرّ طفلها لها مرضاة الرب ، شبعها أن لا يجوع وليدها ،
وجوعها أن لا يشبع وحيدها ،
غياب المرأة من الحياة وأْد للسرور،
واختفاؤها في مهرجان الدنيا قتل للحبور.
هي بيت الحسب والنسب ، وجامعة المثل والأدب ،
ذهبٌ بلا امرأة لهب ، وجوهر بلا امرأة خشب ،
تقرأ في نظراتها لغة القلوب ،
وتعلم الحب من هجرها المحبوب ،
وبالمرأة عرف الهجر والوصال ،
والاتصال والانفصال ، والغرام والهيام ، والبراءة والاتهام ،
تقتل بالنظرات ، وتخطب بالعبرات ،
كلامها السحر الحلال ، ولفظها العسل السيَّال ،
بسمتها ألذ من العنب والتوت ،
وهي أسحر من هاروت وماروت ،
وقال نسوة في المدينة ، كل مهجة فهي لنا مَدينة ،
وأفضل النسوان ، الحصان الرزان ،
ألفاظها أوزان ، وعقلها ميزان ،
إذا تحجّبت فشمس في غمام ،
وظبي في خزام ، هي رواية تترجمها الأرواح ،
وهي مِسْك تذروه الرياح ، في شفتيها ألف قِصَّة ،
وفي أعماقها سبعون غصَّة ،
ليلى جعلت نهار المجنون ليلاً ،
وصيرت عَزَّةُ دموع كثيِّرٍ سيلاً .
ليلي وليلـى نفى نومي اختلافـهما / في الطُّول والطَّول طوبى لي لو اعتدلا
يجود بالطُّول ليلـي كلـما بخـلت / بالطـّول ليـلى وإن جادت به بخـلا
على شفتيها المطبقات سؤال ،
وفي جفنيها مقال ،
أحرف الحب صامتة على محيّاها،
وقصائد الغرام حائرة على ريّاها ،
حسن الشمس من حسنها ينهار ،
والليل من شعرها يغار . من النساء خديجة رمز الأدب ،
لها قصر في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب ،
ومن النساء عائشة بنت الصديق ،
صاحبة العلم والإتقان والتحقيق ،
المطهرة الطاهرة ، صاحبة السجايا الباهرة ،
والمحامد الظاهرة ، ومن النساء فاطمة البتول ،
بنت الرسول ، أم السِبْطين ، الحسن والحسين ،
سيدة نساء العالمين ، المقبولة عند رب العالمين .
ولـو أن النسـاء كمـن عرفنـا / لفضِّـلت النساء على الرجالِ
فما التأنيـث لاسم الشمس عـيبٌ / ولا التـذكير فخــرٌ للهـلالِ
المرأة صحيفة بيضاء ، يكتب فيها الرجل ما يشاء ،
من حب وعتاب ، وغضب وسباب ،
وهي روضة خضراء ، وحديقة فيحاء ،
فيها من كل زوج بهيج ، ومن كل شكل فريج ،
أمضى سيوفهن الحب ، يصرعن به ذا اللُّب ،
الحازم معهن ضعيف ، والعاقل عندهن سخيف ،
ترى الرجل يصارع الأسود ، ويقارع الجنود ،
ثم تغلبه امرأة..!
وترى الرجل يزهد في الحطام ،
ويصوم عن الشراب والطعام ،
ثم تصرعه امرأة ، وترى الشجاع يطرح الكماة ،
ويهزم الرماة ، وإذا قَصْدُه امرأة .
عنترة فُتِن بعبلة ، فرأى بريق السيوف كثغرها فقاتَل ،
ورأى سواد الهول كشعرها فنازَل ،
حضر جيش فشم طيب العطارة منشم ،
فيا خسارة من شم ، فصار الجيش بطيبها في هزيمة ،
ولأعدائه غنيمة .
المرأة ولو أنها في الخصام غير مبين ،
فدمعها أفصح شيء عند المحبين، سِرّ قوّتها أنها ضعيفة ،
ولغز بأسها أنها لطيفة .
يريد الغرب من المرأة أن تتبرج ، وبالفتنة تتبهرج ،
وعلى الثلج تتزلج ، ويريد الإسلام منها العفاف والستر ،
والتقوى والطهر، لتكون آية في الحسن والقبول والأسر ،
يريد أهل الكفر منها أن تكون عالمة فيزياء ،
وعارضة أزياء ، ولو فتنت رجالها ،
وعقّت أطفالها ، وضيّعت أجيالها ،
ويريد الإسلام أن تكون أمينة حصينة ثمينة ،
الأمل من عينيها يشرق ، والظمأ في دمعها يغرق ،
والسِّحر من بهائها يُسرق ، بكاؤها صرخة احتجاج ،
وصمتها علامة الرضا بالزواج ،
كان آدم في الجنة بلا أنيس ولا جليس ، فطالت وحشته،
وصعبت عليه غربته ، فخلق الله له حواء ،
فتم بينهما الصفاء والوفاء، وحسن اللقاء ،
وجميل العِشْرة والاحتفاء ،
فرجل بلا امرأة كتاب بلا عنوان ،
ومُلْك بلا سلطان ،
وامرأة بلا رجل صحراء لا نبت فيها ولا شجر ،
وروضة لا طلع بها ولا ثمر .
شكرًا يا آمنة بنت وهب لقد أهديت للإنسانية ،
وقدمت للبشرية ، ابناً تضاءلت في عظمته الشمس في ضحاها ،
والقمر إذا تلاها ، ابنا قال للوثنية وهي تعرض تلك العروض،
وتفرض تلك الفروض ،
والذي نفسي بيده لو وضعتم الشمس في يميني ،
والقمر في يساري لن أترك ديني ، حتى يعم القرى والبراري ،
ويكفي النساء ، ما أطل صباح وكرّ مساء ،
أن محمدًا صلى الله عليه وسلم من امرأة وُلِد ،
ومن أنثى وُجِد :
بشرى من الغيب ألقت في فم الغار/ وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرارِ
بشرى النبوة طافت كالشذى سحرًا / وأعلـنت في الدنـا ميلاد أنوارِ
وشقّت الصمت والأنسـام تحمـلها / تحت السـكينة من دارٍ إلى دارِ
قدَّمت المرأة للعالم الخلفاء الراشدين ،
والأبطال المجاهدين، وعباقرة الدنيا والدين ،
المرأة إذا حسّنت آدابها ، وطهّرت جلبابها ،
ملأت القلب حنانا ، والبيت رضوانا ،
والدنيا سكنًا وعرفانا .
والبيت بلا امرأة محراب بلا إمام ،
وطريق بلا أعلام، إذا اختفت المرأة من الحياة ،
اختفت منها القبلات والبسمات ،
والنظرات والعبرات .
وإذا غابت المرأة من الوجود غاب منه الإخصاب والإنجاب ،
والكلمات العذاب ، والعيش المستطاب .
في الحديث : (( تزوجوا الودود الولود )) ،
والسر في ذلك لتكثر الحشود ، وتزداد الجنود ،
وليكاثِر بنا رسولنا صلى الله عليه وسلم يوم الوفود .
يوم تخلع المرأة الحجاب ، وتضع الجلباب ،
فقد عصت حكم الإسلام ،
وخرجت على الاحتشام ، وقُل على العفاف السلام .
كيف يُسكن بيت بلا أبواب ،
ويُحل قصر بلا حجاب ، ويُشرب ماء ولغت فيه الكلاب،
من حق الدرة أن تصان ،
ومن واجب الثمرة أن تحفظ في الأكنان ،
وكذلك المرأة بيتها أحسن مكان ،
ولكن المرأة إذا قلبت ظهر المجن ،
وعرّضت نفسها للفتن ، فهي ظالمة في ثوب مظلوم ،
عندهن من أصناف المكر علوم .
كيد الشيطان ضعيف وكيدهن عظيم ،
وقوتهن واهية لكن خطرهن جسيم ،
هن صويحبات يوسف ذوات السكاكين ،
وقاهرات الرجال المساكين ،
حتى قال الرشيد في بعض النشيد :
مالـي تطاوعني البـريـة كلهـا / وأطيعهن وهُـنَّ في عصيـاني
فاجعل بينهن وبين الشر لهبا ،
واملأ عليهن منافذ الفتنة حرسًا شديداً وشهبا ،
فلا تَعرِض اللحم على الباز ،
ولا تنشر القماش على البزّاز ،
فأنعم بحرز الستر والصيانة ،
وأكرم بحجاب العفاف والحصانة .
وإذا رزقت بنات ، فإن هن من أعظم الحسنات ،
حجاب من النار ، وحرز من غضب الجبار ،
فاحتسب النفقة ، فإنها صدقة ، ولو أنه غرفة من مرقة ،
وتعاهدهن بالبر والصلة ، فإن رحمتهن للجنة موصلة ،
وكفاك أن الرسول المشرِّع ، رزق ببنات أربع .
والمرأة هي بطلة الأمومة ،
ومنجبة الأمة المرحومة ، فضائلها معلومة ،
وهي معدن الحسب والكرم والأرومة.
وتعليمها الدين من أشرف خصال الموحدين ،
لأنها تصبح لكتاب الله تالية ، ذات أخلاق عالية ،
تتفقه في الكتاب والسنة،
لأنهما أقرب طريق للجنة .
وأما علاَّم الكفر ، الذي أعان المرأة على المكر ،
وصرفها عن الذكر والشكر ،
فهو المسؤول عن عقوقها وتضييعها لحقوقها ،
وإصرارها على معصيتها وفسوقها .
جعلوا المرأة سلعة للدعاية والإعلان ،
وخطيبة في البرلمان ، تشارك في التجارة ،
وتقاتل الجنود الجرارة ،
جعلوها جندي شرطة ،
فوقعت من الإحراج في ورطة ، تمتطي الدبابة ،
وتطارد الكتائب في الغابة ،
يُستدَر بهنّ عطف الجبابرة ،
وتبرم بهنّ الخطط الماكرة ، ويكفيك في ضلالهم ،
وسوء أعمالهم ،
أن الهدهد وهو طائر ممتهن ، أنكر على بلقيس حكم اليمن ،
وامرأة خلقها الله لمهمة ،
كيف يزج بها في أمور مدلهمّة .
ونحن الرجال أسندت إدارة الحياة إلينا ،
وكتب القتل والقتال علينا ،
وأما النساء في الإسلام فمقصورات في الخيام ، محفوظات من اللئام ،
مصونات عن الآثام .
وماذا فعل بالمرأة سقراط وبقراط وديمقراط ،
أهل الأوهام والأغلاط ، جعلوها شيطانة ،
وسموها الفتانة ، وإنما هي في بعض الأوقات قهرمانه ،
وريحانة .
أما الفُرْس ، البكم الخُرْس ،
فجعلوها خادمة للمال والنفس ،
بل قال بزر جمهور: المرأة ليست بإنسانة فلا تمول ولا تمهر ،
وهذا غاية التهور .
أما أهل الوثنية ، ودعاة الجاهلية ،
فحرموها من الميراث، حتى جعلوها أرخص من الأثاث ،
ووأدوا البنات ، وقتلوا الأخوات ،
وعقّوا الأمهات ، وليس لها عندهم قيمة ،
فهي في منزلة البهيمة ،
فهي عندهم حق مشاع ، للخدمة والمتاع .
أما الغرب فهي عندهم للمغريات ورقة رابحة ،
أبرزوها في صور فاضحة ،
أخرجوها بلا أدب ولا دين ،
وعرضوا صورتها في الميادين ،
باعوها في سوق النخاسة ، ووظفوها للرجس والخساسة ،
وأقحموها مغارات السياسة .
وما كَرَّم النساء ، مثل صاحب الشريعة السمحاء ،
والملة الغراء ، فقد بيّن بقوله ، (( خيركم خيركم لأهله )) ،
ويا معاشر الأمم هل عندكم ،
حديث (( الله الله في النساء فإنهن عوان عندكم )) .
وكان في بيته صلى الله عليه وسلم أفضل الأزواج ،
دائم السرور والابتهاج ،
يملأ البيت أنسًا ومزاحا ، وبشرا وأفراحا ، طيّب الشذى ، عديم الأذى ، لطيف المحشر ، جميل المظهر ،
طيب المخبر ، لا يعاتب ولا يغاضب ،
ولا يطالب ولا يضارب ،
يؤثر الصفح على العتاب ، والحلم على السباب .
ومن حبه للبنات ، وعطْفِه على الضعيفات ،
يحمل أُمامة ، وهو في الإمامة ، فإذا سجد وضعها ،
وإذا قام رفعها ، وكان يقوم لفاطمة الزهراء ،
والدرة الغراء ، ويجلسها مكانه ،
ويطأ لها أركانه ، فكأن سرور الحياة صب عليها ،
وكأن الدنيا وضعت بين يديها .
هي بنـت مَـنْ هـي أم مَـنْ / من ذا يساوي في الأنام علاهـا
أمـا أبوهـا فهو أشرف مرسلٍ / جبريل بالتوحيـد قد ربـّاهـا
وعليُّ زوجٌ لا تسلْ عنه سـوى / سيـفٌ غدا بيـمينـه تيَّـاها
وكان يجلس صلى الله عليه وسلم للنساء من أيامه ،
فيفيض عليهن من بره وإكرامه، وجوده وإنعامه ،
فكأنه الغيث أصاب أرضًا قاحلة ،
والماء غمر تربة ماحلة، فإذا هو يملأ القلوب حبّا ،
والنفوس أنساً وقُربا ،
يبشر من مات لها ولد بالنعيم المقيم ،
فتتمنى كل امرأة أنها ذهب لها فطيم ،
لِما سمعت من الأجر العظيم .
ويُخبر من تطيع بعلها ، وتُحسِن فِعْلها ،
بأن الجنة مأواها ، والفردوس مثواها ،
يقف مع المرأة الشاكية ،
ويتفجع للأنثى الباكية ،
فلو كانت الرحمة في هيكل لكانت في مثاله ،
ولو الرفق في صورة لكان في سرباله ،
تأتيه المرأة المصابة في خوف وهول ،
وفي دهش وذهول ، فما هو إلا أن ترى إشراق جبينه ،
ويُسْر دينه ، ولطفه المتناهي ، وخلقه الباهي،
حتى تعود عامرة الفؤاد ، حسنة الفأل والاعتقاد .
الشيخ عائض بن عبدالله القرني
--------
همس الذكريات/بلخزمر