عرض مشاركة واحدة
قديم 14-09-2013, 07:34 AM   #3920
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

أغنيات طائر الحسون



كانت الساعة السادسة صباحًا عندما اخبرني والدي بأن نحزم حقائبنا استعددَا للسفر , كانت عاصفة الفرح على بعد خطوات من قلبي , وقتها لم اكن اعلم من ذلك الذي يركض أمامي قدمي أم قلبي ؟
ركضت أخبر والدتي , جهزنا حقائبنا كنا نغني إنها طقوس يأديها المسافرون عادة , ركبا السيارة , الطريق صوب القرية تحيطه الصحراء عن يمنيه وشماله لا أتذكر منه - الآن - سوى انه كان طويلا جدا .
هبط المساء أو كاد , وقفنا أمام منزل جدي الكبير وكأن أقدامنا قد قيدت , شيء ما شل الحركة وقفنا نتأمل البيت , البيت الذي يزورنا في مناماتنا يغني أمنياتنا غناء طائر الحسون , يقص علينا حكايات ما قبل النوم , البيت الذي ينبت في قلوبنا كالسرو , يكبر وتكبر معه أحلامنا , هذا البيت كان شيخ ساط ٍ يشكل قلوبنا كما لو انها قطعة صلصال , أذا رحلنا بعيد عنه تغدو قلوبنا صغيرة ضيقة حرجة وإذا دونا منه تصبح باحة تشبه مصلى العيد الكبير في القرية العظيمة !
كان مساء القرية مختلف , حتى لون السماء ليس بأزرق أنه يميل إلى البنفسج هكذا تحدثني ذاكرتي , اعتدنا أن نمضي الصيف هناك حيث جدتي تلعب دور الأب والأم معَا بعد أن قضى جدي في حادث سير أليم يرافقه الأبن الأكبر الشاب .
كان جدي وجيه في قومه , قد أخذ على عاتقه أن يقضي حوائج قومه ماستطاع ذلك , ولعل لطفولته البائسة دور في هذا , نشأ كبقية الصبية طفولة جوع وفقر لكنه فضلا عن ذلك كان بلا أم , والده رحل مبكرًا , جدي الذي لم أره إلا من خلال البصيص من الصور غادر الدنيا متفحمًا في سيارته إلى جانبه الأبن الأكبر المتهم بالفراسة – هكذا حدثتُ - !
وجدتي التي لاتنفك تقص علينا الأقاصيص حولتهم إلى أساطير تشبه تلك التي نقرأها في الكتب , لاتزال جدتي -حتى اللحظة - تحتفظ بوعاء صغير تقول انه لأبنها البكر كان يشرب به وهي ابن الثالثه " تقول دومًا إنها تجد ريحه في الوعاء " تقسم جدتي على هذا كثيرًا .
في القرية تصبح الأحلام فكرة مستساغة شيء في متناول أيدينا , الأحلام هناك تستحيل إلى سيدة خاشعة برداء أبيض , كراهبة في كاتدرائية رومانية .
هناك كان يومي أشبه بأيام الملوك لأ اعلم عن الملوك , لكني اعلم عن الأشياء التي نتمناها في المساء لنجدها قد حطت على أيدينا في الصباح .
الصباح , مالصباح ؟ قطعة من بنفسج مخملية دافئة تهزها ريح طيبة , نستيقظ بُعيد الفجر , نخرج باحة البيت جيث جدتي قد فرشت سجاد بلون داكن تتخلله بعض الخطوط الملونة أمامها غظار به ماء قليل إلى جانبه وعاء التمر وتمر أخر قد وضع هكذا على السجاد بعذوقه والقهوة ليست سيدة المكان كما الآن أنها تعمل دور الوصيفة فالملكة طاسة تنضج باللبن البارد , هذا اللبن الذي تعتني جدتي به بدء من حلب الشياه إلى ضخه وتقديمه !
وحين تبدأ جدتي عملها الدءوب أقف إلى جانبها أرقب عن كثب القدر الكبير الذي تطبخ به اللبن حتى يتكوم كالجبال , تصنع منه فيما بعد الأقط , هذا المشهد اليومي يعد أثمن ماقدمت لي القرية الصبية التي لاتشيخ ابدا !
يأتي العصر تقوم جدتي بسكب اللبن في أوعية , هذا الوعاء لفلانة الجارة القريبة , وهذا لفلان وهكذا !أحمل الأوعية إلى حيث الطيبين , إنها الأشياء التي فشلت المدن في تدويرها مرة أخرى – أقسم لكم - !
بعد صلاة العصر يبدأ طقس أخر مختلف وذو أهمية , تأخذ الشياه حيث المرعى القريب كان إلى جانبه مزرعة هي لجدي - رحمه الله - كنت أعد الساعات لأجل هذه اللحظة اللحظة التي أقف فيها تحت صنبور الري , أركض على امتداده واذا ماتعبت تمددت قريب منه , كنت أرى الجنة هناك , الجنة في مخيلتي وقتها ليست بعيدة عن هذا, أن هذه الأرض الخضراء قطعة من جنة السماء إنني اعتقدتُ هذا حينها وطويلًا!
كانت الشمس تحاول أن تفسد المشهد وذلك برحيلها , صوت جدتي يأتي إلى مسامعي مهرولا , حان وقت العودة إلى البيت – إذن- أعود بخطى ثقيلة متعبة وبنفس مرهقة تهفو إلى غدٍ جديد توقظني شمسه وتغمض عيناي إذا ماقررت الرحيل !
لكن حبات الري تعبر الطرق صوبي تهمس في اذني : " لاتقلقي – صغيرتي - غدأ سنلعب مجددا , نامي جيدا ينتظرك يوم رائع "ّ!
الناس في القرية لاينتظرون طويلاً لأجل العشاء , انه يحضر مبكرًا وكذلك النوم !
في اليوم التالي أستيقظ ليستيقظ معي يوم الأمس بكل تفاصيله الأثيرة وحدها البهجة هي من تتجدد يوما بعد يوما !
يخبرنني الصديقات مؤخرًا , بأن القرى ليست بأقل بذاءة وشراسة وفظاظة من المدن , لكني لا أصدق هذا , القرية بلدة طيبة لاتنجب إلا طيبا .
أما هذه المدن فهي تشبه الدول العظمى انها مادية – فقط – لا ترى أن عليها أن تحترم الإنسان أن تنظر بخشوع إلى إنسانيته , إنها كالعدم وأكثر مايخيف أنها تنتج العدم وتصدّر العدم .
لذا يا أصادقي الطيبين , لاتصدقوا المدن , إنها تستطيع أن تهبنا كل مانريد , إلا السلام .
----------للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس