يقيــــــــــــن
لقد انتفش الباطلُ وعربد
واستنسر وعلا وارتفع
وجلجل صوته …
ولكن الدخانَ يرتفع كذلك
حتى يعمي العيونَ ، ويحجبُ الرؤيةَ ..
والضبابُ أيضاً قد يعمّ ويمتد طولاً وعرضاً
حتى لا يكادُ السائرُ أن يرى ما بين يديه
إلا قليلاً وبصعوبة ..
ولكن لا الدخانُ يبقى سرمداً
ولا الضباب يستمر ابداً ..
الدخانُ لا يزالُ يرتفعُ حتى يتبدد ويختفي ويتلاشى
أو تكنسه الريح ..
وكأن لم يكن !
والضباب كذلك
ما إن تطل عليه الشمسُ بابتسامتها المشرقة
حتى يتوارى .!
كأنه الخفاش يعربد طالما بقي الليل منتشراً
فإذا أطل الصباح بوجهه الباسم ولولت جميع الخفافيش
وسابقت الريح فارة بجلدها
حيث لا تقوى على البقاء طويلاً في مواجهة النور !
كذلك شأن معركة الحق والباطل
في كل عصر وفي كل زمان ، وكل مكان .
قد يعربد الباطل ويستعلي ويتنمر
ويستطيل وينتفش
ويهز رأسه فوق كتفيه
في زهو وغرور وكبرياء كاذبة
ويرغي ويزبد
ولكنها جولة فحسب !!
نعم هي جولة قد تمتد وتطول
وتصعب على أصحاب الحق ..
جولة قد يضيق خناقها ، وتشتد محنتها
وتعصف بأصحاب القلوب المريضة والميتة ..!
أما أصحاب القلوب المرتبطة بالسماء
فيظلون على تمام الثقة واليقين
أن العاقبة ستستقر لهم في النهاية
بذلك وعدهم ربهم
وهو الذي لا يخلف الميعاد
وهو صاحب الكلمة الفصل في هذا الكون
والقضاء قضاؤه
والحكم حكمه ،ولا راد لحكمه ..
ويوقنون أيضا
أنه لحكمةٍ ما
إذنَ سبحانه لهذا الباطل أن يعلو ويرغي ويزيد
ويستطيل ويستعرض
ولكنها مجرد جولة على كل حال
وسينحسر هذا الباطل بكل جموعه
وكل جعجعته ، ولن يغني عنه من الله شيئا ..
وسيتذاكر الناس بعدها في مجالسهم
مجرد ذكريات عن أيام
كان للباطل فيها جولة !
ولقد أكثر القرآن الكريم من تقرير هذه الحقيقة
ليربي المسلم على تمام الثقة
ويزرع في قلبه اليقين
ويغرسه جبلاً شامخاً
في وجه طوفان هذا الباطل المنتفش
لا يعبأ به ، ولا يهتز له
ولا يتأثر بضجيجه .
بل وهو يرى ملامح نهايته
تقترب مع صباح كل يوم
ولا يزال يردد
إن موعدهم الصبح ، أليس الصبح بقريب !؟
لقد علمنا ربنا أن الأيام دول
وأنه يقلب الأحوال من حال إلى حال
إذا اتبع الناس السنن
وفي هذا يقول القائل :
ما بين غمضة عينٍ وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حالِ
فعلينا أن نثق بالله ابتداءً
وأن نصطلح معه على الوجه الذي يحب
وأن نسير في سنن التغيير
ثم لنقذفها في وجه جموع الباطل :
فانتظروا إنا منتظرون !
----------------
أبو عبد الرحمن