الزواج في الإسلام : حكمه – أهميته ، ودعوته إليه - لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي
الزواج في الإسلام : حكمه – أهميته ، ودعوته إليه -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
مقدمة
أيها الإخوة المؤمنون ، مع الدرس الأول من سلسلة دروسٍ تعالج موضوع الزواج ، ذلك أن مشكلةً كبيرةً يعاني منها المسلمون ، ألا وهي انصراف الشباب عن الزواج لأسبابٍ كثيرة .
من هذه الأسباب أسباب مادية ، وهناك أسبابٌ أخرى ، وما من بيتٍ من بيوتات المسلمين إلا وفيه فتياتٌ طاهراتٌ مؤمناتٌ عفيفات ينتظرن ما كتب الله لهن من زواج ، فهناك مشكلة لا يخلو بيت من بيوت المسلمين منها ، صعوبات وعقبات ، تفلُّت أحياناً ، وإرجاء تأخير في سن الزواج أحياناً أخرى ، هذه كلها تقلق الآباء والأمهات ، نريد أن نرى هدي القرآن الكريم ، وهدي السنة المطهرة في هذا الموضوع .
دعوة الإسلام إلى الزواج
وصيةٌ قالتها امرأةٌ ، تقول في هذه الوصية : " يا بنيتي ، لو أن الوصية تركت لفضل أدبٍ تركت لذلك منك ، ولكنها تذكرةٌ للغافل ومعونةٌ للعاقل ، ولو أن المرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها ، أو لشدة حاجتهما إليها ، لكنت أغنى الناس عنها ، ولكن النساء للرجال خلقن ، ولهن خُلق الرجال " .
هذه سنه الله في خلقه ، المرأة خلقت للرجل ، والرجل خلق للمرأة ، وكما قال الله عزَّ وجل :
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)
( سورة الشورى )
وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
( سورة فصلت : آية " 37 " )
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
( سورة الروم : آية " 21 " )
ما من شابٍ من دون استثناء إلا ويتطلع إلى زوجةٍ مؤمنةٍ ، تسره إن نظر إليها وتحفظه إن غاب عنها ، وتطيعه إن أمرها .
وما من فتاةٍ طاهرةٍ عفيفةٍ مؤمنةٍ إلا وترجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل زوجها زوجاً مؤمناً ، رجلاً كريماً عفيفاً ، هذه حاجةٌ أساسية عند الرجال وعند النساء ، فلماذا نجد الطرق المؤدية إلى الزواج مغلقة أو ضيقة ؟
أيها الإخوة الكرام ، الإنسان خلقه الله عزَّ وجل ، وزوَّده بتعليمات ، هذه التعليمات هي الشرع الحكيم .
حكم الشرع في الزواج
قبل كل شيء نريد أن نرى حكم الشرع في الزواج ، وحكم الشرع في التبتُّل ( الانقطاع عن الزواج ) ، ولعل هذين الموضوعين تعرفون أكثر تفاصيلهما من دروسٍ وخطبٍ سابقة ، ولكن لا بدَّ من هذين الموضوعين كتمهيدٍ لموضوعٍ دقيقٍ جداً ربما نضع فيه اليد على موطن الجُرح .
ما العقبات التي تقف أمام زواج الشباب بالفتيات ؟ وهل هذه العقبات يمكن أن تذلل أو لا يمكن ؟ وكيف تذلل ؟ فلا يخلو رواد المساجد من أن يكون أحدهم شاباً يتطلع إلى زوجةٍ مؤمنة ، أو أن يكون أباً يتمنى على الله عزَّ وجل ، أن يهبه زوجاً لابنته مؤمناً ، يحفظها ويرعاها ، ويكرمها ويحفظ لها دينها .
لذلك الزواج من سنة النبي عليه الصلاة والسلام ، وأريد أن يكون هذا واضحاً أمامكم جميعاً ، فأنا أعجب أشد العجب من شابٍ في سن الزواج ، وبإمكانه أن يتزوج ، وعنده البيت ، ويتأخَّر ، قال الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم :
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
( سورة النساء : آية " 3 " )
حينما بوَّب صحيحه الإمام البخاري جعل هذه الآية في صدر باب النكاح ، أو باب الترغيب في النكاح ، وقال ابن حجر العسقلاني الذي شرح صحيح الإمام البخاري : " إنها صيغة الأمر " ، وأقل درجات الأمر ، يقتضي الندب ، أقل درجات الأمر الندب ، فثبت الترغيب في الزواج :
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
كلكم يعلم أن الأمر الشرعي يقتضي الوجوب ، والأمر يقتضي الإباحة ، والأمر يقتضي الندب ، وهناك أمرٌ ينصرف إلى التهديد .
فأما أمر التهديد فنحو قوله تعالى :
فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ
( سورة الكهف : آية " 29 " )
وأمر الإباحة :
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ
( سورة البقرة : آية " 187 " )
وأمر الندب :
فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ
( سورة النساء : آية " 3 " )
وأمر الوجوب :
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)
( سورة البقرة )
ويقول عليه الصلاة والسلام كما يروي عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال لنا النبي صلى الله عليه وسلَّم :
(( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )) .
( صحيح البخاري : رقم " 4677 " )
أي أن من بلغ سن الزواج فعليه أن يتزوج ، هذا توجيه النبي عليه الصلاة والسلام ، وإني أرجو الله سبحانه وتعالى أن يفكر كل أبٍ تفكيراً جدياً بتزويج أولاده وبناته ، وأن يفكر كل شابٍ تفكيراً جاداً في البحث عن زوجةٍ ، وعن مستلزمات هذا الزواج .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|