| 
				 رد: الزواج في الإسلام : حكمه – أهميته ، ودعوته إليه - لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابل 
 لبعض العلماء رأيٌ دقيق ، هو أن الزواج واجب ، والواجب يقترب من الفرض ذلك  أن التحرُّز من الزنا فرض ، وما لا يتوصل إلى الفرض إلا بشيءٍ فهو فرض ، أي  أن هذا الشيء الثاني يرتقي إلى مرتبة الفرض ، وهذا رأي بعض العلماء ، وعلى  كلٍ ، الرأي الفقهي المعتمد الذي عليه أكثر الفقهاء أن من تاقت نفسه إلى  الزواج ، وخشي على نفسه العنت ، فالزواج في حقه فرض عين ، وهذا الزواج  مقدمٌ على فريضة الحج .
 والإسلام في الآيات الكريمة أيضاً ، رغب في الزواج ، قال تعالى :
 
 وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ( سورة الرعد : " 38 " )
 
 يقول الإمام القرطبي في هذه الآية : " هذه الآية تدل على الترغيب في النكاح  والحضِّ عليه ، وتنهى عن التبتُّل ، وهو ترك النكاح ، وهذه سنة المرسلين  ".
 
 ليس هذا فيه خلاف إطلاقاً ، لكن الحديث عن العقبات التي سوف نأتي عليها إن شاء الله تعالى .
 
 وقد روى الإمام الترمذي ، عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال :
 
 (( أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ : الْحَيَاءُ ، وَالتَّعَطُّرُ ، وَالسِّوَاكُ ، وَالنِّكَاحُ )) .
 
 ( سنن الترمذي : رقم " 1000 " )
 
 وروى الإمام ابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال عليه الصلاة  والسلام :   (( النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي ، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ  بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي ، وَتَزَوَّجُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ  الأُمَمَ ، وَمَنْ كَانَ ذَا طَوْلٍ فَلْيَنْكِحْ ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ  فَعَلَيْهِ بِالصِّيَامِ ، فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ )) .
 
 ( سنن ابن ماجة : رقم " 1836 " )
 
 فضل النكاح
 
 
 
 
 
 أيها الإخوة ، مهما بلغ الإنسان من العلم فلا يستطيع أن يرقى إلى التشريع  الإلهي ، هذا التشريع هو الكمال في حقِّ الإنسان ، إذًا على الإنسان أن  يتطلع إلى هذه السنة التي سنها النبي عليه الصلاة والسلام .
 
 أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال :
 
 (( الدُّنْيَا مَتَاعٌ ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ )) .
 
 ( صحيح مسلم : رقم " 2668 " )
 
 أي أن أثمن شيءٍ في الدنيا امرأةٌ صالحة ، كما قال النبي :
 
 (( تسرك إن نظرت إليها ، وتحفظك إن غبت عنها ، وتطيعك إن أمرتها )) .
 
 ( أبو داود عن ابن عباس )
 
 وأخرج الإمام الطبراني عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي e قال :
 
 (( أربعٌ من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة : قلباً شاكراً ، ولساناً  ذاكراً ، وبدناً على البلاء صابراً ، وزوجةً لا تبغيه حوباً في نفسها وماله  )) .
 
 لا تظلمه ، لا تخونه لا في نفسها ، ولا في ماله ، أي أنها حافظةٌ للغيب ، حافظةٌ لمال زوجها .
 
 وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يهتمَّ الآباء اهتماماً شديداً بتربية بناتهم ،  لأن النبي صلى الله عليه وسلَّم ، في أحاديث كثيرة يقول :
 
 (( من جاءته بنتان فأحسن تربيتهما ، حتى يزوجهما أو يموت عنهما ، فأنا كفيله في الجنة )) .
 
 ( ورد في الأثر )
 
 البنت التي تأتيك لعلها سببٌ لك لدخول الجنة ، لكن الشرط أن تحسن تربيتهما ، وأن تختار لها الزوج الصالح .
 
 وروى الإمام الترمذي عن ثوبان رضي الله عنه قال : لَمَّا نَزَلَتْ : ]   وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ) قَالَ : كُنَّا مَعَ  النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ  فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ : أُنْزِلَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَا  أُنْزِلَ لَوْ عَلِمْنَا أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ فَنَتَّخِذَهُ فَقَالَ :
 
 (( أَفْضَلُهُ لِسَانٌ ذَاكِرٌ ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ ، وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ )) .
 
 ( سنن الترمذي : رقم " 3019 " )
 
 أي أنّ هذا هو أفضلُ كنزٍ تتخذونه ، وهو أفضلُ من الذهب والفضة .
 
 الحقيقة أن هناك زوجة تعين زوجها على دينه ، توقظه في صلاة الفجر ، وقد  كانت الصحابية الجليلة تقول لزوجها قبل أن يغادر البيت : << يا فلان ،  نحن بك أي نحن نسعد بسعادتك ، ونشقى بشقائك ، إنما نحن بك نصبر على الجوع  ولا نصبر على الحرام ، فاتق الله فينا >> ، أيْ إياك أن تكسب مالاً  حراماً ، لو عدت إلى البيت بيدين خاليتين نقبل ذلك ، أما إذا عدت بمالٍ  حرام فهذا يوردنا المهالك .
 
 ومما يدل على فضل النكاح أيضاً ، ما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال :
 
 (( من رزقه الله امرأةً صالحةً فقد أعانه على شطر دينه )) .
 
 ( الجامع الصغير عن أنس بسند ضعيف )
 
 أحياناً تكون الزوجة عبئاً على زوجها من حيث دينه ، فخروجها لا يرضي الله  ،  له منها أولاد ، إن فارقها ضيَّع الأولاد ، وإن بقيت معه أتعبته ، وأحرجته  وأربكته ، وهو دائماً قلقٌ في علاقته مع الله عزَّ وجل ، ماذا يفعل ؟  أيطلقها أم أيبقيها ؟ ينصحها فلا تنتصح ، يأمرها فلا تأتمر ، يرشدها فلا  ترشد ، ماذا يفعل ؟ هذه امرأةٌ لا تعين زوجها على دينه ، لكن المرأة التي  تعين زوجها على دينه هذه امرأةٌ قديسة ، ولها عند الله عزَّ وجل مقامٌ كبير  .
 
 وفي روايةٍ للبيهقي ، قال عليه الصلاة والسلام :
 
 (( إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين ، فليتق الله في النصف الباقي )) .
 
 ( الجامع الصغير عن أنس بسند صحيح)
 
 معصية الزنا لها مقدمات
 
 
 
 
 
 الحقيقة أننا لو درسنا دراسة علمية حالات تفلُّت الإنسان من الدين ، ولا  أظن أنني أبالغ إنْ قلت : إن معظم هذه الحالات بسبب النساء ، لذلك وردت  أحاديثٍ كثيرة تحذِّر المؤمنين من فتنة النساء ، وقضية النساء قضية لها  جانب دقيق جداً ، فهي قضية تتطوَّر ، فالإنسان إن لم يقف عند الحدود في  البدايات ، لا يستطيع أن يقف في النهايات ، هذا يؤكِّده قول الله عزَّ وجل :
 
 وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا
 ( سورة الإسراء : آية " 32 )
 
 الزنا له مقدّمات ، فالذي يتورَّط في المقدمات في الأعم الأغلب يصل إلى  النتائج المخزية ، لكن المؤمن يطيع الله عزَّ وجل ، ويبقى بعيداً عن هذه  المقدمات .
 
 لذلك هناك معاص لها قوة جذب ، لذلك أمرك الله جلَّ جلاله ألاّ تقترب منها .
 
 كنت ضربت على هذا مثلاً دقيقاً : أن خطاً للتوتر العالي شدّته ستة آلاف  فولط ، هذا الخط إذا أراد وزير الكهرباء أن يحذِّر الناس منه يضع لوحة  بعيدة عنه تقول : " لا تقترب " ، لا تقول : لا تمسَّ التيار ، لو اقترب من  التيار أقلّ من ستة أمتار يصبح قطعةً من الفحم التيار ، لأن ستة آلاف فولط  تجذب ، مثل هذا التيار الشديد يحذر منه بالعبارة التالية : " لا تقترب من  التيار " ، أما إذا قلنا : لا تمس هذا التيار فإنه قبل أن يمسه يحرقه ، فكل  معصيةٍ لها قوة جذبٍ ، لذلك جاء التحذير منها بهذه العبارة : ] لاَ  تَقْرَبُوا [ .
 وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا
 
 ( سورة الإسراء )
 
 تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا
 ( سورة البقرة : آية " 187 " )
 
 أي لا بد لك من أن تدع بينك وبين حدود الله هامش أمان ، فالخلوة تَخرِقُ  هذا الهامش ، وصحبة الأراذل تَخرِقُ هذا الهامش ، وقراءة الأدب الهابط  تَخرِقُ هذا الهامش ، والنظر إلى شيءٍ هابط تَخرِقُ هذا الهامش ، فخرق  الهامش أصبحت به معرضاً للوقوع في المعصية .
 
 إن هذا تماماً كنهرٍ عميقٍ مخيف له شاطئٌ مائل ، عليه حشائش زلقة ، ثم هناك  أرض مستوية جافة ، فالمشي على الأرض المستوية الجافة فيه كل الأمان ، أما  المشي على الأرض المائلة الزلقة التي تنتهي بالنهر ، هذا المكان خطر ، لذلك  : (( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه )) ، هذا معنى :
 
 وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا
 
 ( سورة الإسراء : آية " 32 )
 
 وهذا معنى :
 
 تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا
 
 ( سورة البقرة : آية " 187 " )
 
 وهذا معنى أن كل معصيةٍ لها قوة جذب ، جاء النهي عنها بعبارة : أن لا نقترب منها .
 
 يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
 
 ((... مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّةَ : مَا  بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا  بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ )) .
 
 ( موطأ مالك : رقم " 1566 " )
 
 فاللسان بين اللحيين .
 
 عقد الإمام الغزالي في الإحياء فصولاً مطولةً حول آفات اللسان ، ففي الحديث  الطويل عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ :  يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا  لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ :
 
 (( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ  عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلا حَصَائِدُ  أَلْسِنَتِهِمْ )) .
 
 ( سنن الترمذي : رقم " 2541 " )
 
 وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
 
 (( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لا  يُلْقِي لَهَا بَالا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ  الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لا يُلْقِي  لَهَا بَالا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ )) .
 
 ( صحيح البخاري : رقم " 5997 " )
 
 الغيبة والنميمة والسخرية ، والبذاءة والسب واللعن ، وما إلى ذلك هذه كلها من آفات اللسان ، فاللسان مهلك ، وما بين الرجلين مهلك .
 
 فيقول عليه الصلاة والسلام :
 
 ((... مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ اثْنَيْنِ وَلَجَ الْجَنَّةَ : مَا  بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا  بَيْنَ رِجْلَيْهِ ، مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ )) .
 
 ( موطأ مالك : رقم " 1566 " )
 
 والترغيب الأخير ، ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه ، أنه قال :
 
 (( وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ  أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ ، وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ ؟ ـ كأنهم  عجبوا من هذا ـ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ  عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ  لَهُ أَجْرًا )) .
 
 ( صحيح مسلم : رقم " 1674 " )
 
 هذا حكم الشرع في موضوع الزواج ، فالزواج جزءٌ من الدين ، النبي عليه الصلاة والسلام قال :
 
 (( تناكحوا تناسلوا ، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة )) .
 
 ( ورد في الأثر )
 
 لكن أيها الإخوة ، إياكم أن تظنوا أن النبي عليه الصلاة والسلام يباهي بقية  الأمم بالكمِّ مِن أمته ، إطلاقاً ، لا يتباهى إلا بالنوع ، فأمةٌ شاردةٌ  ضائعةٌ ، أولادها في الأزقة ، ليسوا متعلمين ، وليسوا مهذبين ، بعيدون عن  الدين ، هؤلاء الأولاد لا يُتباهى بهم يوم القيامة ، الأمة التي يتباهى بها  النبي يوم القيامة هي أمة الاستجابة التي آمنت ، وأقبلت ، وارتقت .
 
 
 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
			 
 |