رد: الزواج في الإسلام : حكمه – أهميته ، ودعوته إليه - لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابل
أهمية السعي والتوسط للتزويج
فأول شيء ممكن أن نذكره ، أن إذا كان الله عزَّ وجل على يدك أجرى زواج هذا عمل عظيم ، فأذكر أتي قرأت في الأثر : " أن من مشى بتزويج رجلٍ بامرأةٍ ، كان له بكل خطوةٍ خطاها ، وبكل كلمةٍ قالها ، عبادة سنةٍ قام ليلها وصام نهارها " .
أما الكلام الذي يقال : " أمشي بجنازة ولا تمشي في زواج " ، فهذا كلام الشيطان ، فأحد أبواب التسهيل ، أنك إن كنت تعرف أسرة محافظة ومسلمة ، وعندها فتيات طاهرات عفيفات ، وتعرف كذلك شاباً يبحث عن زوجة ، فلا مانع أبداً أن تكون وسيطاً بينهما ، فتدلَّه على هؤلاء ، سيدنا شعيب ماذا قال لسيدنا موسى ؟
إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ
( سورة القصص : آية " 27 " )
هذا هو القرآن ، فلا يوجد مانع أبداً إذا كان للإنسان فتاة مناسبة ، يثق بدينها وورعها ، وبصلاتها ، وفِقهها ، ورأى شابًا فقال له : يا بني ، عندي فتاة تناسبك فأخبر أهلك ، وأنا لا ألزمك ، لكن لعل هذا الشاب يكون مناسبًا لهذه الفتاة .
إنّ أول شيء أطلبه منكم أن يكون الإنسان واسطة خير ، بيوتات المسلمين ملآنة بالفتيات في سن الزواج ، وطلاب الزواج قلّة ، فقد يمضى شهر أو شهران وثلاثة أو أربعة أشهر ، ولا يقول لي واحد : أريد أن أتزوج ، وذلك بسبب وجود عقبات كثيرة ، والبيوت ملآنة بالفتيات ، وبالطبع من عنده بنت قد ربَّاها تربية عالية فمن غير المعقول أن يفرط فيها فيزوجها شابًا جاهلا ، أو شابًا ليس عنده دين ، أو شابًا بالتعبير الحديث ( اسبور ) مثلاً ، هذا غير معقول ، هو تعب في تربيتها التربية الدينية ، وعلمها الصلاة والاستقامة ، وعلّمها تلاوة القرآن ، وبعد ذلك لا يليق بفتاة مؤمنة أن يتزوّجها شاب متفلِّت ، فتاة تحفظ القرآن ، تصلي قيام الليل ، محجبة حجابًا كاملا ، يأخذها شاب فيضيِّعها ، فالأب معه حق ، يقول لك : لا أستطيع تزويجها ، وقد حضر أول خاطب ، والثاني ، والثالث ، والرابع ، فهذه الفتاة رُبِّيَت على الدين من أجل أن يأتيها خاطب مؤمن ، فهذا المؤمن لماذا يعزف عن الفتاة المؤمنة ، ويبحث عن شيءٍ زائفٍ ؟!! من تزوج المرأة لجمالها ، المقصود فقط ، لا ، الجمال مطلوب ، لكن ، من تزوجها لجمالها فقط أذله الله ، ومن تزوجها لمالها أفقره الله ، ومن تزوجها لحسبها زاده الله دناءةً ، فعليك بذات الدين تربت يداك .
أيها الإخوة الكرام ، والله الذي لا إله إلا هو إخواننا الكرام أقرب الناس ، ونحن أسرة واحدة ، فحينما أعلم أن هذه الفتاة خطبت من شاب مؤمن ، والله أشعر بشعور لا يقدَّر ، فأشعر أن فتاة التقت بفتى ، وهذه الفتى مؤمن وهي مؤمنة ، وأسّسا مشروع بيت إسلامي ، وأقول لكم كلمة : هناك آية قرآنية هي للجهاد ، ليس لها علاقة بالزواج أبداً ، لكن لا أشعر ولا أدري أنني كلما ذكرت موضوع الزواج أذكر هذه الآية :
إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ
( سورة النساء : آية " 104 " )
فعندما يبحث الزوج المؤمن عن زوجة ، والبحث عن بيت هو صعب جدًّا ، بل شبه مستحيل ، حتى لو كان بيت أجرة ، أو ملك ، أو بعيد ، أو قريب ، وتأسيس البيت أصعب ، وتأمين ثمن الحلي أصعب وأصعب ، فالشيء صعب ، والمؤمن يجد هذه الصعوبات ، وغير المؤمن يجد هذه الصعوبات ، لكن شتَّان بين زواج المؤمن وزواج غير المؤمن ، فالمؤمن يرجو من زواجه أن يؤسس أسرة إسلامية ، هذه الأسرة تكون نموذجًا للبيت المسلم .
فأيها الإخوة ، إن شاء الله في دروس قادمة سوف أصل إلى تفاصيل كثيرة عن العقبات ، وهذا درس واقعي يعاني المسلمون منه ، لأن طرق الزواج أكثرها مغلق .
إنّ الطبقة الغنية جداً لا مشكلة عندها ، لكن نحن نعاني ، شاب ناشئ في طاعة الله ، مثقف ، عنده قوت يومه ، ولكن ليس عنده بيت ، البيت عقبة كبيرة ، والله مَرة دُعيتُ ، شهد الله ، فما شعرت بسعادة تفوق هذه الدعوة ، أحد الأطباء الكرام ، ممَّن يعمل في الأمراض التناسلية والبولية ، فقد رأى تفاقم الأمراض التناسلية بشكل مريع ، له في مهنة الطب مثلاً أربعين أو خمسين سنة ، يأتيه في الشهر مريض معه مرض تناسلي ، يقول : الآن في اليوم الواحد يأتيه عشرة مرضى ، كل يوم أمراض تناسلية مخيفة ، كلها من الفاحشة والزنا ، فدعانا إلى بيته ، ودعا بعض الإخوة الدعاة إلى الله عزَّ وجل ، ودعا بعض كبار التجار ، وقد سمعت أنهم أسسوا بناء ، ولتوفير الأبنية لهؤلاء المتزوجين ، فهذا عمل طيب جداً ، الآن نحن بحاجة إلى مشاريع خيرية .
سمعت عن أحدهم ببعض قرى دمشق أنه قد أسس أربعة أبنية سكنية ، كل بناء مؤلَّف من ستة طوابق ، وكل طابق به ثماني شقق ، ولم يبع هذه البيوت إطلاقاً ، ولكنه أجّرها للشباب بأجرة معقولة ، فقد حل مشكلة مثلاً مئة أسرة بهذه الطريقة ، الآن القضية قضية وكمثل باللَّغة الإنجليزية ، " نكون أو لا نكون "، فالآن زواج أو سفاح .
طبعاً المؤمن موضوع آخر ، أما هؤلاء الشباب الضائعون الشاردون ضعاف الإيمان ، تكون أمامهم عقبات كثيرة في طريق الزواج ، ومغريات كثيرة ، وفتن يقظة ، الحل هو الزواج ، وبالزواج يحصَّن الإنسان ، كما قال النبي الكريم :
(( فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ )) .
[متفق عليه عن ابن مسعود]
أرجو الله سبحانه وتعالى بدءاً من أن تكون وسيطاً بين زواج إسلامي ، أو تيسير بيت مثلاً ، وإذا كنت أبًا فيسِّر الأمر ، فكلما طلب الأب طلباً معقداً يكون بذلك قد سدّ باب الزواج ، وهناك آية قرآنية دقيقة جداً :
وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ
( سورة النور : أية " 33 " )
هل تتصور أن على وجه الأرض إنساناً عنده ذرة من الإيمان يكره فتاته على البغاء ؟ مستحيل ، لكن ما معنى الآية ، وهي تخاطب المؤمنين ؟ معناها أن الذي يضع العراقيل أمام خطَّاب ابنته ، ويطلب شروط معينة ، وأشياء معينة ، كأنه يقوِّي في ابنته الشهوة ، كأنه يقوي في ابنته التفكير بالانحراف ، هذا العضل من الكبائر.
فالموضوع إن شاء الله لم نبدأ فيه ، فهذا الدرس مقدمة ، ففي الدرس القادم إن شاء الله نبحث في العقبات التي يمكن أن تكون عقباتٍ كؤود أمام الزواج ، فعندنا عقبة الفقر ، وعندنا عقبة الفقر المصطنع ، الفقر المصطنع أي المغالاة بالمهور ، والشروط الصعبة ، وكل إنسان يمكنه أن يتزوج زواج بسيط ، أما الزواج الذي يفتخر به فيحتاج إلى ملايين ، فحينما نضع هذه الشروط نكون أفقرنا طلاَّب الزواج إفقاراً مصطنعاً .
وإن شاء الله تعالى في درسٍ قادم نزيد هذا الموضوع دراسةً وبحثاً ، لكن أرجو أن يفكر كل شاب في الزواج ، وأختم هذا الدرس بهذا الحديث الذي في الجامع الصغير ، أين يوجد طائفة أحاديث تبدأ بكلمة حق ، حق الأبِ ، حق الابن على أبيه ، حق الزوجة على زوجها ، حق المسلم على المسلم ، لكن هناك حديث واحد أنا لا أشك أن واحداً منكم لو قرأه يقشعر جلده :
(( حق المسلم على الله أن يعينه إذا طلب العفاف )) .
[الجامع الصغير]
<< ما شكا أحدٌ إلى النبي e ضيق ذات يده إلاّ قال له : اذهب وتزوَّج >> .
هذا الكلام عميق جداً ، فكل شاب يبتغي الإحصان ، يبتغي العفاف ، يبتغي أن يبقى في طاعة الله ، يبتغي رضوان الله ، الله عزَّ وجل يعينه بآيةٍ دالةٍ على عظمته ، ووالله عندي عشرات ولا أبالغ ، بل بضع عشرات القصص التي لا تكاد تصدق لغرابتها ، فعندما يعلم ربنا عزَّ وجل من شاب صدقه في الطاعة ، وخوفه من المعصية ، ورغبته في الإحصان والعفاف ييسّر له الأمور بشكل عجيب ، وقد تقولون : لمَ اخترت هذا الموضوع ؟ طبعاً مع شيوع الفساد ، ومع إثارة الفتن ، ومع النساء الكاسيات العاريات ، ومع المجلات الخليعة ، ومع الأجهزة الإعلامية التي لا ترضي الله عزَّ وجل ، مع هذه الصحون التي زرعت على أسطح دمشق ، وكل صحن ينبئ بما في هذا البيت من معاصٍ ومخالفات ، مع انتشار هذا الفساد ، الحل الوحيد هو الزواج والإحصان ، هذا هو البديل ، البديل ينبغي أن يكون ميسراً ، كل واحد يساهم ، إذا كان في مقدور الأب أن ييسر لابنه بيتًا في أطراف المدينة فقد ساهم وزوج ابنًا ، وعندما زوج ابنه ستر فتاة مع ابنه ، وأمَّن هذه الفتاة المسلمة وأدخل على قلب أبيها السرور ، وأدخل على قلب ابنه السرور ، فهذا عمل عظيم .
وأنا أقول لكم : الذي حج مرة ومرتين ، الذي أدى حجة الفرض ، والله الذي لا إله إلا هو أولى له ألف مرة أن يزوج ابنه من أن يحج حجة النفل ، ألف مرة ، ولا سيما في هذا الزمن ، زمن الفجور .
إذاً ، حق المسلم على الله أن يعينه إذا طلب العفاف ، هذا الكلام لكل الآباء ، آباء الفتيان ، وآباء الفتيات ، والفتيان ، والفتيات ، والحديث يقول :
(( من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا )) .
من كثرة التفكير بالمصاريف والنفقات لا يتزوَّج ، لا بد من الاتكال على الله عزَّ وجل ، والله ييسّر ، لا بد من خطوة جريئة ، أما أن تقول : أنا لا شغل لي بهذا ، فهذا كلام مرفوض ، فطعام الواحد يكفي الاثنين ، وأنت حينما تنوي الزواج الله عزَّ وجل يعينك .
وشيء آخر ، لا يليق بمؤمن له منهج ديني ، ويثقِّف نفسه ثقافة إسلامية ، ويلتزم شرع الله ، أن يبحث في بيوتات غير بيوتات المؤمنين عن زوجة ، هذا البيت بيتٌ يُتلى فيه القرآن ، والفتيات محجبات ، والأب مسلم ، والأم طاهرة ، مثل هذه البيوت التي تقام فيه شعائر الدين هي أولى بيت أن تطرق بابه .
والحمد لله رب العالمين
لفضيلة الأستاذ / محمد راتب النابلسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|