عرض مشاركة واحدة
قديم 19-10-2013, 10:40 PM   #4354
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب



سورة ( ق ) جامعة لأصول الإيمان
وقد جمعت هذه السورة من أصول الإيمان ما يكفى ويشفى ,

ويغني عن كلام أهل الكلام , ومعقول أهل المعقول ,

فإنها تضمّنت تقرير المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوّة والإيمان بالملائكة ,

وانقسام الناس إلى هالك شقي , وفائز سعيد , وأوصاف هؤلاء وهؤلاء .

وتضمّنت إثبات صفات الكمال لله ,

وتنزيهه عما يضاد كماله من النقائص و العيوب .

وذكر فيها القيامتان الكبر والصغرى , والعالمين : الأكبر ,

وهو عالم الآخرة , والأصغر وهو عالم الدنيا .

وذكر فيها خلق الإنسان ووفاته وإعادته , وإحاطته سبحان به من كل وجه ,

حتى علم بوساوس نفسه , وإقامة الحفظة عليه ,

يحصون عليه كل لفظة يتكلم بها , وأنه يوافيه يوم القيامة ,

ومعه سائق يسوقه إليه , وشاهد يشهد عليه ,

فإذا أحضره الشاهد قال :

{ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ }

[ ق : 23 ]

أي : هذا الذي أمرت بإحضاره قد أحضرته ,

فيقال عند إحضاره :

{ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ }

[ ق : 24 ]

كما يحضر الجاني إلى حضرة السلطان فيقال : هذا فلان قد أحضرته ,

فيقول : اذهبوا به إلى السجن وعاقبوه بما يستحقّه .

وتأمّل كيف دلّت السورة صريحا

على أن الله سبحانه وتعالى يعيد هذا الجسد بعينه الذي أطاع وعصى ,

فينعمه ويعذّبه , كما ينعم الروح التي آمنت بعينها ,

ويعذّب التي كفرت بعينها, لا أنه سبحانه يخلق روحا أخرى غير هذه

فينعمها ويعذبها كما قال من لم يعرف المعاد الذي أخبرت به الرسل ,

حيث زعم أن الله سبحانه يخلق بدنا غير هذا البدن من كل وجه ,

عليه يقع النعيم والعذاب , والروح عندهم عرض من أعراض البدن ,

فيخلق روحا غير هذه الروح ,

وبدنا غير هذا البدن وهذا غير ما اتفقت عليه الرسل

ودلك عليه القرآن والسنّة وسائر كتب الله تعالى .

وهذا في الحقيقة إنكار للمعاد وموافقة لقول من أنكره من المكذبين ,

فإنهم لم ينكروا قدرة الله على خلق أجسام غير هذه الأجسام يعذبها وينعمها

كيف وهم يشهدون النوع الإنساني يخلق شيئا بعد شيء !

فكل وقت يخلق الله سبحانه أرواحا و أجساما غير الأجسام التي فنيت .

فكيف يتعجّبون من شيء يشاهدونه عيانا ؟

وإنما تعجّبوا بعودتهم بأعيانهم بعد أن مزّقهم البلى و صاروا عظاما ورفاتاً

فتعجّبوا أن يكونوا هم بأعيانهم مبعوثين للجزاء ,

لهذا قالوا :

{ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ }

[ الصافت : 16 ]

و قالوا :

{ ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ }

[ ق : 3 ]

ولو كان الجزاء إنما هو لأجسام غير هذه , لم يكن ذلك بعثا ولا رجعا ,

بل يكون ابتداء ,

ولم يكن لقوله :

{ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ }

[ ق : 4 ]

كبير معنى . فانه سبحانه جعل هذا جوابا لسؤال مقدّر ,

وهو : انّه يميز تلك الأجزاء التي اختلطت بالأرض

واستحالت إلى العناصر بحيث لا تتميّز , فأخبر سبحانه

بأنه قد علم ما تنقصه الأرض من لحومهم وعظامهم وأشعارهم ,

وأنه كما هو عالم بتلك الأجزاء ,

فهو قادر على تحصيلها وجمعها بعد تفرّقها وتأليفها خلقا جديدا ,

وهو سبحانه يقرر المعاد بذكر كمال علمه , وكمال قدرته , وكمال حكمته .

فان شبه المنكرين له كلها تعود إلى ثلاثة أنواع :

( أحدها ) : اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض

على وجه لا يتميّز ولا يحصل معه تميز شخص عن شخص آخر .

( الثاني ) : أن القدرة لا تتعلّق بذلك .

( الثالث ) : أن ذلك أمر لا فائدة فيه ,

أو أن الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الإنساني شيئا بعد شيء ,

هكذا أبدأ , كلما مات جيل خلفه جيل آخر .
فأمّا أن يميت النوع الإنساني كله ثم يحييه فلا حكمة في ذلك
--------

الفوائد ( للإمام الجليل شمس الدين

أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب )

الزرعي المعروف بابن القيّم [2]

---------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي

التعديل الأخير تم بواسطة الفقير الي ربه ; 19-10-2013 الساعة 10:48 PM.
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس