عرض مشاركة واحدة
قديم 01-11-2013, 12:42 AM   #4505
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم .. وشعرة في المصحف
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما كنت أدرس تلاميذي قصة إبراهيم وولده إسماعيل - عليهما السلام -، في الآيات الكريمة " يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين"... وكنت أسألهم عن الدرس المستفاد من القصة، كان جوابهم السريع: "طاعة الوالدين".. وعندها أسارع إلى سؤالهم ماذا لو قال لك أبوك: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك؟
كانت إجابات الطلبة تبدو مرتبكة، تتراوح بين ضرورة الالتزام ب"طاعة الوالدين"، كما هو مقتضى استنتاجهم، وبين رفض الأمر تفضيلاً للحياة على الموت، وكان لا بد بعد ذلك من إزالة اللبس من أذهان الطلبة وعلاج الاختلاط المفاهيمي لديهم.
ولعل من أبرز المفاهيم الواجب التركيز عليها أن الطاعة لا تكون إلا بالمعروف، سواء كانت للوالد أو المعلم أو الحاكم، والمفهوم الآخر المتعلق بالمنامات وأنها ليست مصدراً للتشريع، إلا للأنبياء، وبالتالي فالأحلام ليست أحكاماً شرعية واجبة الالتزام، وليس للمسلم سوى القرآن والسنة مصدراً للأمر والنهي.
لكن اللافت للنظر أن هذا الخلط المفاهيمي لا ينحصر لدى التلاميذ الصغار، بل إنه ليتعداهم إلى جمهور الكبار، وبكفي مثالاً على ذلك المنشور الذي يوزع منذ عشرات السنين بعنوان "وصية من الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول - صلى الله عليه وسلم -"، والذي يزعم فيه "الشيخ أحمد" الذي ليس له وجود على أرض الواقع، أنه رأى الرسول - عليه السلام - في المنام، وأخبره عن فساد الناس وقرب قيام الساعة،
وطلب إليه نشر الوصية والدعوة إلى نشرها، واعداً من يوزعها بالرزق الكثير، ومهددا من يغفلها بالموت وخسارة المال والولد.
لقد حذر غير واحد من العلماء من هذه النشرة، وأكدوا عدم وجود شخصية بهذا الاسم أو الوصف، مما حدا بالجهة المروجة للنشرة إلى التأكيد بأن ما فيها "صدق وليس هواجس ووساوس... كما أن الشيخ أحمد حامل مفاتيح حرم الرسول موجود لمن يريد الاستفسار"!!، كما جاء في نسخة وصلت لكاتب هذه السطور، عبر الإنترنت في بداية ذي الحجة / شباط الجاريين.
لكن هذه النشرة لا تزال توزع في أرجاء العالم الإسلامي عدة مرات سنوياً، وخصوصاً في مواسم الحج والعمرة، إلى الحد الذي دعا أستاذنا الدكتور أحمد نوفل، في كتاب الإشاعة، إلى اعتبار ذلك مؤشراً"إلى أن وراءها تخطيطاً وتنظيماً يديم حياتها ويوقد من تحتها كلما خبت نارها"... كونها تهدف إلى" إبقاء المسلمين خرافيين ينتظرون المنامات ويستلهمونها في مواقفهم، وتقصد كذلك إلى إشاعة روح الهزيمة في الناس إذ تقول لهم أن الناس قد انحرفت وابتعدت عن دينها دون أن تذكر الأمل في عودتهم ".
ولعل من المناسب لفت الأنظار إلى ورود "الروبية" و"الدينار البحريني" في النشرة، مما يشير إلى احتمال أن تكون قد صدرت "الطبعة الأولى" منها في الهند أيام الاستعمار البريطاني، ثم انطلقت من هناك إلى منطقة الخليج العربي.
ومثل هذه النشرة، تلك التي توزع على لسان فتاة عمرها سبعة عشر عاماً عجز الأطباء عن علاجها وأنها رأت السيدة زينب وأعطتها شربة ماء شفيت على أثرها، ولما استيقظت وجدت قطعة قماش تدعوها إلى نشرها وتوزيع اثنتي عشرة نسخة منها وهي كذلك ترغّب وترهّب..
شعرة في المصحف:
وفي السياق ذاته، فقد انتشرت بين الفلسطينيين بعد شهور قليلة من بداية انتفاضة الأقصى الحالية، حكاية مفادها أن والدة الشهيد محمد الدرة قد رأته في المنام، أو رأت الرسول - عليه السلام - حسب رواية أخرى، فبشرها بالفرج القريب والنصر العاجل وتحرير الأقصى، وعندما طلبت منه أمارة أو علامة على ذلك قال"افتحوا المصاحف، وبعض الروايات ذكرت سورة البقرة تحديداً، وعندها سيجد كل من يفتح مصحفه شعرة من شعري".
وغني عن البيان أنه يمكن سماع عدة روايات لهذه القصة بتفاصيل مختلفة، لكنها جميعاً تلتقي في الرؤيا والبشرى والشعر في المصاحف، وأجد من المناسب التوقف عند الملحوظات الآتية:
تكررت مثل هذه الرؤيا أكثر من مرة في التاريخ الفلسطيني والعربي الحديث وكانت أبرزها بعد نكبة 1967م، إذ زعمت الشائعة بأن هناك من رأى الرسول - عليه السلام - في المنام وبشره بالنصر القريب.. والأمارة أيضاً شعرة من شعره في المصاحف، والحالة الثانية بعد مجزرة الخليل، حيث إنه لما تأخر رد المجاهدين على المجزرة وكاد الناس يفقدون الأمل، شاع أن أم احد الشهداء رأته في المنام وطلب إليها أن تكف عن البكاء لأنه وإخوانه شهداء عند ربهم يرزقون، والعلامة أن يجد الفلسطينيون تراباً يضيء إذا حفروا تحت أشجار الزيتون أو العنب.
جاء اختيار الشهيد الدرة في الحلم السابق لأنه أولاً أشهر شهداء انتفاضة الأقصى الجارية وبالتالي فلا يحتاج راوي الشائعة أن يعرف بالشهيد، وثانياً لأنه طفل ومعروف مقدار تعلق الأمهات بأبنائهن وعظمة الشعور بالفقدان لديهن..
وكذلك فإن الفلسطينيين يرون أنفسهم وواقعهم في استشهاد محمد الدرة الذي قتل بدم بارد ولم يستطع أبوه أن يحميه أو أن يحمي نفسه، حيث إن الفلسطينيين كذلك يقتلون بدم بارد دون أن يقدر أولياء أمورهم السلطة وعمقهم العربي الإسلامي - المكلفون بحمايتهم على رد العدوان عنهم.
مثل هذه الشائعات تأتي في ظروف لا ترى فيها الجماهير أي بصيص من نور أو بارقة أمل، ولا يكادون يرون نهاية للنفق المظلم الذي يسيرون فيه، وبالتالي فهم يعيشون في حصار مطبق وكابوس يلاحقهم في يقظتهم ومنامهم، وما داموا لم يجدوا مخرجاً من هذا المأزق في الواقع واليقظة فليبحثوا عنه في المنام.. ولذلك يتجهون إلى حلم جماعي، وحيث يستحيل أن يحلموا نفس الحلم بشكل جماعي فإنهم يسقطون حلمهم على واحد منهم وينسبونه في حالتنا هذه إلى أم الشهيد محمد الدرة،
ويبحثون عن النصر والفرج من خلال شعرة قد تكون سقطت من رأس أحدهم وهو يحكه أثناء تلاوته القرآن.. ومن الطريف أن نذكر أن والدة الشهيد الدرة قد ظهرت في مقابلة على إحدى الفضائيات عشية عيد الفطر، بعيد الشائعة، وقالت إنها دعت الله - تعالى - بتلهف أن ترى ابنها في المنام ولكن ذلك، للأسف، لم يحدث حتى ذلك اليوم!!.
هذه الشائعة وأمثالها تظهر أن الجماهير في أجواء الشدة تتجه إلى الهرب من الواقع إلى الأحلام لحل مشاكلها.. إن الحركة الباحثة التي تطلبها الأحلام السابقة، سواء في تقليب المصاحف أو في حفر التراب تعكس مقدار الحيرة والبلبلة وانعدام الرؤية،
واللهفة إلى الحل والتطلع إلى المخرج … وحين نسأل الشهيد أو الرسول في المنام عن النصر والتحرير، ونطلب أمارة على قرب النصر، فهذا يعني أننا نتشكك في إمكانية النصر ولا نرى في الواقع ما يدل عليه، وكذلك عندما نطلب أمارة على أن شهداء مجزرة الخليل "شهداء حقاً " فالسبب أن النفس الإنسانية التي تستعجل النتائج تريد ثمرة سريعة للثمن والضحايا التي قدمت، وحين لا ترى هذه النتائج فإنها تبدأ بالتشكك والارتياب في نضالها وجدواه، وتنسى، في جو الأزمة، ما نصت عليه آيات القرآن المبشرة بنصر الله وما وعده - تعالى - الذين قتلوا في سبيل الله وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون..
وكذلك تعكس تلك الشائعات مقدار شحنات الحزن والغضب والغيظ التي تملأ قلوب الفلسطينيين.. حيث يتم تفريغ هذه الشحنات والتنفيس عنها بالحفر في الأرض وتقليب المصاحف، بدلاً من تفريغها في الأعداء.
تعكس هذه الشائعات أيضاً، ضعفاً في فهم بعض أساسيات الدين لدى قطاعات عريضة من الشارع، حيث ننسى أن الدين والتكاليف الشرعية لا يؤخذان من الأحلام والرؤى، ولكن يؤخذان فقط من القرآن والسنة الصحيحة.. وبدلاً من البحث عن شعرة في الكتاب الكريم.. فقد كان من الأولى النظر في آيات القرآن والتفكر فيها وفي الواقع بحثاً عن الحل.. إن مثل هذه الشائعات تكشف، كذلك، عن أن العقل الباطن الفلسطيني، والعربي والمسلم بعامة، يختزن في داخله أن الحل في القرآن لكنه ينتكس حين يترك الآيات البينات ويبحث عن شعرة في المصحف.
--------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس