الحَر والبرد آية من آيات الله تعالى إن كلا من شدة الحر وشدة البرد آية من آيات الله تعالى. وقد جعل الله سبحانه وتعالى في المكان والزمان موضعا للتفكر والاعتبار، فبعض الأماكن حار مما يذكر بلهيب النار، وبعضها رطب مما يذكر بنعيم الجنة، كما أن "الزمان منه حار الطقس كالصيف، مما يذكر بحر جهنم، أو البارد كالشتاء، مما يذكر بزمهريرها، أو المعتدل كفصل الربيع، مما يذكر بنعيم أهل الجنة، وما أعده الله تعالى لأهلها من متاع‘‘. وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذِنَ لها بنَفَسَيْن، نَفَس في الشتاء ونَفَس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سَموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم". وفي الحديث الصحيح: "إذا اشتد الحر فأبرِدوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم"(2). ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "فأبردوا عن الصلاة" أي: أخروا صلاة الظهر إلى حين يبرد النهار وتنكسر شدة الحر. ولأن حر الدنيا لا يساوي شيئا بجانب حر جهنم، فينبغي لمن لا صبر له على حر الشمس في الدنيا أن يجتنب من الأعمال ما يتوجب صاحبه به دخول النار، فإنه لا قوة لأحد عليها ولا صبر. "الحَر" في القرآن ورد ذِكر الحَر في القرآن ثلاث مرات، الأولى في قوله عز وجل في سورة النحل، ممتنا على خلقه: "وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم". كما ورد مرتين في آية واحدة من سورة التوبة، إذ قال تعالى: "فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون". هكذا قال تعالى ذاما للمنافقين المتخلفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وتعللهم بشدة الحر، وفرحهم بقعودهم بعد خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الغزوة. لقد كان الخروج في تبوك في شدة الحر، وعند طيب الظلال والثمار، فلهذا قالوا: "لا تنفروا في الحر"، فقال الله تعالى لرسوله: "قل" لهم: "نار جهنم" التي تصيرون إليها بمخالفتكم "أشد حرا" مما فررتم منه من الحر بل أشد حرا من نار الدنيا "لو كانوا يفقهون" أي أنهم لو كانوا يفقهون ويفهمون لنفروا مع الرسول في سبيل الله في الحر ليتقوا به حر جهنم الذي هو أضعاف هذا"(3)، لكنهم كانوا كمن قال الشاعر فيهم:" كالمستجير من الرمضاء بالنار". ويكفي لتِبيان مدى شدة حرارة جهنم تقريب الإنسان إصبعه من نار ضعيفة، ولو مجرد لهب عود ثقاب، ليتبين مدى حجم عذاب جهنم -أعاذنا الله تعالى منه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءا من جهنم".. ففزع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وقالوا: "والله إنْ كانت لكافية يا رسول الله".. فقال:" فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءا، كلها مثل حرها".. رواه البخاري ومسلم. وقال تعالى واصفا النار: "كلا إنها لظى نزاعة للشوَى". قال الضحاك: "تنزع الجلد واللحم عن العظم"! نسأل الله العافيةمن كل شر