المؤمن الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات
أيها الإخوة الكرام:
الحمد لله سبحانه وتعالى على نعمه الجزيلة وآلائه الجسيمة، وأعظمها نعمة الإسلام، نعمة هذا الدين الذي أكرمنا الله سبحانه وتعالى به، اختارنا من بين خلقه لنكون خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونؤمن بالله سبحانه وتعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا؛ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32].
الكتاب: القرآن، الدين، الإسلام، دين محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾ الذين اختارهم الله سبحانه وتعالى؛ هم هذه الأمة، أورثهم الكتاب، ادَّخر لهم كلامه في قرآنه سبحانه وتعالى، فاحمدوا الله على هذه النعمة، أن اختاركم، وأنتم غير مختارين، فلم تتخيروا الإسلام من بين الأديان،
وإنما ولدتم مسلمين، فهذه نعمة عظيمة عليكم أيها المسلمون، غيرُكم ربما قرأ واطلع، فاختار من بين هذه الشرائع شريعة الإسلام، لكن اختاركم الله سبحانه وتعالى لتكونوا مسلمين.
ولكن المؤمنين الذين اختارهم الله عزَّ وجلَّ ليسوا على درجة واحدة، هم درجة واحدة في عموم الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولكنَّ بعضَهم إيمانُه قوي، وبعضهم إيمانه ضعيف، وبعضهم إيمانه متوسط.
لذلك؛ قال الله عز وجل: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾: ظالم لنفسه؛ بارتكاب بعض المخالفات والمحرمات، بارتكاب المعاصي والخطيئات والسيئات، لكنه بين الحين والحين يرجع إلى رب العالمين، يتوب ويستغفر، ويؤوب ويرجع إلى الله عز وجل، فيقبله الله عز وجل، الرحمن الرحيم، أتعرفون لماذا يقبله؟
أولاً: لأنه من هذه الأمة.
ثانياً: لأنه رجع إلى الله، وتاب إلى الله، فقبله الله، فلو -يا عبد الله!- جئت بمثل الأرض خطايا، ثم أقبلت على الله تائبا مستغفراً، لقبلك الله، وغفر لك ما قدمت من خطايا، ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ ﴾: يظلم نفسه بمعصية الله عز وجل.
﴿ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ﴾ وهو الذي يعمل الفرائض، يقوم بالواجبات، ويعمل بعض النوافل، وقد يرتكب بعض المخالفات، وسط اقتصاد، أتى بالواجب لم يقصِّر في حق الله، لكنه قد قصر في أمور أخرى من المنهيات، أو المخالفات.
﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِي ﴾،
فنسأل الله أن نكون من السابقين بالخيرات، هؤلاء هم الذين سارعوا في طاعة الله سبحانه وتعالى، سارعوا في التوجه إلى الله، فمن أسرع إلى الله، أسرع الله إليه،
ومن تقرب إلى الله شبرا تقرب الله إليه ذراعا، وما تقربت بعمل إلى الله، وهذا العمل يقربك إلى الله ذراعا إلا أقبل الله عليك بالباع، وإذا تقربت إلى الله فمشيت إليه مشياً -من الشبر إلى الذراع، إلى المشي- جاءك هرولة، كما ورد ذلك في الحديث الصحيح، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً". صحيح البخاري (7405)، ومسلم (2675).
أقبلْ على الله يقبل الله عليك، إذا أدبرت عن الله أدبر الله عنك، ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]..
لذلك؛ هذا المسابق والمسارع في الخيرات هو المؤمن المؤدي للفرائض، لكنه مكثر من النوافل ومن الطاعات، ومن أفعال البِر الخيرات، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾[فاطر: 32]
هذا الفضل: وراثة الكتاب، فضل من الله أكبر من أي فضل، فأيُّ فضل غيره (غير الكتاب، غير الإسلام) كالعدم؛ لأن هذا الفضل إذا سُلِب من أمّة كان خسارا عليها ووبالا، وأوردها المهالك، ابتعادُها عن ربها، وكفرُها بدين ربها، وكفرُها بكتاب ربها، وأي فضل أكبر من أن تكون مسلماً موحِّدا لله عز وجل، تنطق بلا إله إلا الله، وتشهد أن محمدا عبده ورسوله، في الليل وفي النهار، أطراف الليل وأطراف النهار تذكر الله عز وجل،
فأنت المؤمن إن وقعت منك بعض التقصيرات يغفرها الله إن شاء، يعفوا عمن يشاء، أما من تاب؛ فيتوب الله عليه.
لذلك؛ المؤمن الذي ظلم نفسه: ظُلمُه لنفسه لم يخرجه من إيمانه، وظلمه لنفسه لم يسلب عنه إسلامه، فهو مؤمن ظالم لنفسه، فـالذي وقع في السيئات والخطايا مؤمن ظالم لنفسه،
قد يعاقبه الله في الدنيا، وقد يعفو عنه، وقد يعاقبه في الآخرة، يوم القيامة إن شاء، وإن شاء عفا، والعفو من شيم الكرماء؛ فكيف بأكرم الأكرمين جل في علاه؟!
لكنَّ هذا الظلمَ وتلك المعصية، وذلك الذنبَ من هذا المؤمن يُنقص إيمانَه، يقللُ من إسلامه، يؤخره عن القرب عن ربه سبحانه وتعالى.
لذلك هذه الصفاتُ؛ صفاتُ المخالفات، صفاتُ الظلم للنفس؛ ارتكابُ ما حرم الله عز وجل وإن كانت لا تسلب الإيمان، فالإيمان لا يأمر بها، لا نقول: هذا مؤمن يفعل كذا من الزنا، ومن شرب الخمر، وما شابه ذلك، فهل هذه الأفعال من الإيمان! لا والله!. قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ» صحيح البخاري (6772)، ومسلم (57).
«لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، .. »، إيمانه لا يأمره بذلك، «... وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، ... »، ليس ذلك سلْبٌ للإيمان عنه، ولكن سلبٌ لأمر الإيمان به،
الإيمان لم يأمر بالمخالفات والمعاصي والذنوب، لذلك لا يُتخذ المؤمن الظالم لنفسه، المؤمن الزاني، دليلا على جواز المعصية!!
والمؤمن الذي ارتكب هذه الخطيئة لا يدل على أن هذا الزنى وتلك الخطيئة فِعْلها جائز؟! لماذا؟ لأن المؤمن فَعَلها، لا! ليس هذا دليلا، هذا لا يدل على جواز ذلك لصدوره من المؤمن، فـ(لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).
لذلك يا عباد الله! المؤمن دائما وأبدا أوابٌ إلى الله، رجَّاعٌ إلى الله، تواب لله، هذا ما علمنا إياه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً»، صحيح البخاري (6307)، وروى مسلم (2702) أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ». وفي رواية عند مسلم (2702): «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ».
المؤمن كثير الذكر لله.
كثير الذكر لله؟ كلمةُ (كثير) ليس قليلا معناها، هو مؤمن يذكر ويتذكر ربه، وينتظر لقاءه بين الحين والحين، وبين الفينة والأخرى.
فإذا أصبح ذكر الله، وإذا أمسى ذكر الله، المؤمن لا تفوته لحظة دون أن يذكر فيها الله سبحانه وتعالى.
المؤمن؛ أقلّ ما فيها أن يسبِّح الله في اليوم والليلة ألف تسبيحة، أن يذكر الله ألف ذكر، على لسانه: (الله)، قبلها سبحان (الله)، أو الحمد (لله)، أو لا إله إلا (الله)، أو بعدها كلمة (أكبر)، أو لا حول ولا قوة إلى (بالله)، في اليوم والليلة، فكن من هؤلاء المؤمنين ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].
لذلك؛ هذا المؤمن جعل بعد الصلوات الخمس في اليوم والليلة خمسَمائة تسبيحة، خمسَمائة ذكر لله سبحانه وتعالى: فبعد كل صلاة؛ (سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثا وثلاثين) يختمها بـ(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)، أحرز المائة، هذه خمسمائة تسبيحة مع المؤمن المداوم على الصلوات الخمس.
وأيضاً! المؤمن تعلَّم من رسول الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ، لذلك تجده يكرِّر قبل طلوع الشمس وقبل الغروب: (سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ: سبحان الله وبحمده، مئة مرة، وإذا أمسى مئة مَرَّةٍ؛ غُفِرَت ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زبد البحر". التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان (2/ 228، ح 856)، مائة صباحاً ومائة مساءاً، فيصبح المجموع سبعَمائة تسبيحة.
ثم يتبعها بالاستغفار، (أستغفر الله العظيم وأتوب إليه)، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً» صحيح البخاري (6307)، وفي رواية: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ» سنن أبي داود (1515)، مائة صباحاً ومائة مساءاً، فيكون المجموع تسعَمائة.
فإذا جاء وقت النوم يريد أن يستريح، فالنوم سكَنٌ للإنسان المؤمن وغير المؤمن، فالمؤمن يستغلّه ويعتنمه –ويغتنمه-، -فـ- قبل أن ينام يذكر الله؛ بأن (يسبِّحَه ثلاثا وثلاثين تسبيحة، ويحمده ثلاثا وثلاثين تحميده، ويكبره أربع وثلاثون تكبيرة)، عن عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه، أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله تعالى عنها، اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنَ الرَّحَى فِي يَدِهَا، وَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ، فَلَمْ تَجِدْهُ وَلَقِيَتْ عَائِشَةَ، فَأَخْبَرَتْهَا فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ إِلَيْهَا، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا، وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا»، فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلَى صَدْرِي، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَا، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَنْ تُكَبِّرَا اللهَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، وَتُسَبِّحَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَتَحْمَدَاهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ»، صحيح مسلم (2727)، فالمجموع مائة فأكملت الألف.
صعبةٌ يا عباد الله؟! ألفٌ في اليوم والليلة، كفيلة بمحوِ السيئاتِ، ورفع الدرجاتِ، وكتابة الحسناتِ الكثيرات، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ، كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟» فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: «يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ» صحيح مسلم (2698).
وفوق هذا؛ المؤمن يذكر الله على جميع أحيانه:
أذا أتى فراشه، وإذا تقلَّب في منامه، وإذا مشى في سيره، وإذا تحرك أو سكن على كل حال يذكر الله، وينوِّع الذكرَ؛ بين تسبيح وتحميد، وتكبير وتهليل، وحوقلة وبسملة ودعاء: (يا ألله) عندما يقوم، (يا كريم يا رزاق) يتوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، المؤمن والمؤمنة دائما وأبدا من ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ ﴾ [الأحزاب: 35].
المؤمن يؤدّي الفرائض كلَّها لا ينقص منها شيئا، لا يمنعه من ذلك إلا غياب عقله، أو يمنع المرأةَ حيضُها أو نفاسُها، أما النوافل؛ فيفعلُ منها ما تيسر له، على قدر وقته وانشغاله أو فراغه أو ما شابه ذلك.
المؤمن عجيبٌ أمره بين الناس، تعرفه بأنه ينفع غيره، وينشر خيره، ويكفُّ شره، ينفع غيره من مسكين وأرملة ومحتاج، ينفع غيره وينشر خيره، ويحمل الكَلَّ والضعيف، ويكف شره: شرَّ عينه، وشر لسانه، وشر قلبه من الضغائن، وشر يديه، وشر رجليه، وشر أذنيه، يحفظ ذلك كلَّه.
فيحفظ عينه عن الحرام، فأعراض المسلمين، ووجوه المؤمنات مصونةٌ عند هذا المؤمن.
يحفظ أذنه عن التنصت على الجيران، وعن الجوسسة والعمالة ونقل الأخبار.
يحفظ يده عن السرقة والغش، والظلم والبطش، وملامسة النساء.
يحفظ رجله أن تسوقه إلى أماكن اللهو الحرام، وبيوت الدعارة، والفسق والفجور.
يحفظ لسانه عن الطعن، والسب واللعن، والشتم واللغو، والفحش من القول، والبذائة وقلة الأدب من الكلام.. يحفظ لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة...
يحفظ قلبه عن الوساوس الشيطانية، والشبهات والشهوات، ويحفظ قلبه عن الاعتقادات الشركية والكفرية، ويحفظ قلبه عن أن يتمنى ما يغضب الله سبحانه وتعالى.
المؤمن ينصحُ ولا يفضح، يأمر بالمعروف بمعروف، وينهى عن المنكر بلا منكر، بعيدا عن الأهواء والبدع وأهلها، قريبا من السنة والجماعة وأهلها.
المؤمن أينما وقع نفع، المؤمن كالنحلة إذا وقعت لم تفسد ولم تكسر، إذا وقعت على زهرة؛ لا تكسر العود ولا تفسده، وتأخذ الطيِّب ثم تضع لك الطيب، "إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ، نَفَخَ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا فَلَمْ تَغَيَّرْ، وَلَمْ تَنْقُصْ، وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ النَّحْلَةِ، أَكَلَتْ طَيِّبًا، وَوَضَعَتْ طَيِّبًا، وَوَقَعَتْ فَلَمْ تُكْسَرْ وَلَمْ تَفْسُدْ "مسند أحمد ط الرسالة (11/ 457، ح 6872) الصحيحة (2288).
المؤمن كالنخلة؛ يرمى بالحجارة وترميهم بالثمر، هذا هو المؤمن، فأين نحن من هذا؟!!
المؤمن لا يروِّج للشائعاتِ، ولا يستمع إليها ويكف شرَّها.
المؤمن يذلًّ ويتواضع ويخضع لإخوانه المؤمنين، ويعزُّ ويتكبَّر بإيمانه وإسلامه على الكافرين. «... فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، حَيْثُمَا قِيدَ انْقَادَ». سنن ابن ماجه (43)، حقًّا «الْمُؤْمِنُونَ هَيِّنُونَ لَيِّنُونَ، كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ، الَّذِي إِنْ قِيدَ انْقَادَ، وَإِذَا أُنِيخَ عَلَى صَخْرَةٍ اسْتَنَاخَ». (حسن) صحيح الجامع (6669) ورمز له: (ابن المبارك) عن مكحول مرسلا (هب) عن ابن عمر. الصحيحة (936).
المؤمن لا يمتنع أن يسلم على الصبيان والأطفال مع أنه يسلم على الكبار والمسؤولين ويساعد الشيوخ والعجزة والضعفاء، ولا يتكبَّر أن يكنس بيته، ويحلب شاته، ويرقع ثوبه، ويخصف نعله، تشبهاً بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، لا يأبى ولا يكابر ولا يعاند، بل إذا لاحت الفرصةُ؛ طبخ طعامَه، وصنع شايه وشرابه بنفسه، إن احتاج إلى ذلك.
المؤمن ليس بصخَّاب في الأسواق، ولا عُتُلٍّ شديدٍ جافي غليظٍ على الناس، وليس بجواظ جموعٍ؛ يجمع المال الكثير ويمنع غيره، ويمنع الصدقة ويمنع الزكاة.
المؤمن في سوقه (سمحٌ إذا باع، سمح إذا اشترى، سمح إذا قضى، سمح إذا اقتضى) إذا داين أحدا أو استرد دينه، فمعاملته كلها سماحة ورفق ولين، إذا أراد أن يشتري بضاعة لا يطيل المساومة؛ إذا أعجبه اشترى، وإن لم يعجبه ترك.
المؤمن لا يبخس السلع والبضائع؛ (بكم هذه يا فلان؟) (هذه بعشرة) (لا لا ما تساوي إلا خمسة).. هذه ليست عند المؤمن، صفة البخس! أنت قل: (لا تمشي معي إلا بخمسة) فإن اشتريت كان بها، إن باعك كان بها وإلا تركت، فلا تبخس يا عبد الله بضائع الآخرين.
المؤمن ليس بالذوَّاق في الأسواق، يأتي عند هذا: (بكم هذا؟) -هو لا يريد الشراء-، (هذه بكذا) ويأكل ليتذوَّق، ثم يذهب إلى هذا وإلى ذاك، فيخرج من السوق وقد شبع، فهو لا يريد شراءً، ولا يجوز ذلك التذوق إلا برضا صاحب الشأن وصاحب البضاعة.
المؤمن في سوقه ليس من المطففين ﴿ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 2- 6].
وتوبوا إلى الله واستغفروه إنه هو التواب الرحيم...
------------
للفايدة