أســــــرار ألقلـــــب
كلكم يعرفني أو على الأقل سمع عني، ولكن قليل منكم من سافر برحلة إلى مجاهلي الخلابة وحدائقي الفاتنة، واليوم أرحب بكم في دياري لأريكم كرمي وجودي وأمتعكم بجمال هيئتي، تبارك الله خالقي.
بكل تواضع أنا القلب، وكل إنسان منكم لديه واحد مثلي لا أكثر، أنا مركز حي يعج بالحركة والنشاط، وأنا سبب جريان الدم في عروقكم، وأنا والحياة صنوان لا يفترقان،
أنا سيد في قومي وخادم مطيع لأصغر فرد منهم، أنا وديع وبنفس الوقت قوي أتربع على عرشي في المركز من جوف الصدر، وأميل إلى الجهة اليسرى قليلاً، ألبس رداءاً رقيقاُ يفصلني عن عزيزتيّ الرئتين اللتين تحتضنانني، ومن بعد ذلك قلعة عظمية عضلية تتكون من الأضلاع والعمود الفقري وما بينها من عضلات، والجلد من فوق ذلك يغلف ويحمي ويمنح جمالاً،
وأنا في الوسط من ذلك أنعم بالسعادة التي لا أحتكرها بل أوزعها، سعادة أكبر على كل البدن، لي من الحجم ما يقارب قبضة اليد، وأزن ما بين ربع إلى ثلث كيلو غرام،
وأتألف من أربع حجرات: اثنتان صغيرتان هما الأذينتان واثنتان كبيرتان تدعوان البطينان، أذينتي اليمنى تتلقى الدم من كل أرجاء الجسم عبر وريدين كبيرين يسميان الأجوفين، أحدهما ينحدر من أعلى البدن، والآخر يصعد من أسفله، وبعد أن يصل ذلك الدم الذي نضب أكسيجنه وغذاؤه وازداد محتواه من الفضلات وغاز الفحم إلى تلك الأذينة يتدفق عبر صمام إلى حجرة أخرى هي البطين الأيمن، والصمام عندي أمين فلا رجوع للدم عبره،
وبطيني الأيمن هذا يقذف الدم عبر دسام يوصل لشريان يصل الرئتين، والرئتان كما تعلمون متنفس للجسم وأكثر، ففيهما تتم تصفية الدم وتزويده بما يحتاجه من الأكسجين بنسبة قدرها الله - سبحانه -،
ويعود الدم من الرئتين أحمر قانئاً فرحاً مستبشراً بأوردة أربعة ترفدني في أذينتي اليسرى التي تنتظر الدم بفارغ الصبر لتقدمه عبر دسام دعوه بالتاجي إلى بطيني الأيسر، الذي له من ثخانة الجدار ثلاثة أو أربعة أضعاف ما للبطين الأيمن، حيث أنه سيضخ الدم لأقاصي الجسم فعمله شاق وكبير، ولكن سعته مثل سعة أخيه الأيمن، بطيني الأيسر بقوته الجبارة يدفع الدم عبر صمام هو مدخل الشريان الأبهر الذي يوزع الدم النقي على كل الجسم،
والجسم بأعضائه العديدة وأجهزته الكثيرة وخلاياه التي تعد بملايين الملايين يأخذ نسغ الحياة من ذلك الدم المعطاء، وما تبقى يعود محملاً بطيب خاطر بما لا يحتاجه البدن ليعيده لي، و يتكرر ذلك في كل لحظة من لحظات الحياة، بحيث أضخ في العروق في كل دقيقة خمس ألتار من الدم، وعليكم حساب الكمية الهائلة من نهر الدماء التي أضخها خلال حياة الإنسان،
وعملي ليس ضخاً فحسب بل إعطاء دم يحوي المفيد وتخليص الجسم من دم يحوي الضار أو غير الضروري،
إن الدم بمسيره يمر على الرئتين كما يمر على الكليتين حيث تتم تصفيته من العناصر المؤذية، كم أنه يعبر الكبد الذي يقوم بواجبه من تنقية و تنظيف، كما أنه يتزود هناك ببعض الهدايا الجميلة الرائعة،
لي أيضاً وظيفة جوهرية أخرى يجب ألا تغفلوها ألا وهي الحفاظ على توازن الجسم بمعنى استجابتي للتغيرات الحاصلة في البيئة الداخلية والخارجية بما يخدم مصلحة الجسد،
فالحرارة التي ترافق المرض ترفع من وتيرة عملي فيزداد نبضي، وتغير حموضة الجسم يعدل من نسق عملي، وكذلك اختلاف نسبة الأوكسجين وغاز الفحم في الجسم، إن زيادة الجهد بعمل أو رياضة يتبعها تحريكي لاحتياطياتي بحيث تلبي حاجات البدن وعضلاته على أتم وجه فبدل الألتار الخمسة التي كنت أضخها أقذف عشرين وربما ثلاثين لتراً من الدم في كل دقيقة،
أنا لست بغائب عن ساحة ضغط الدم أيضاً، فأنا عنصر أساسي في الحفاظ على ذلك الضغط بحدود سوية طبيعية.
أنا بنيان عضلي أتشكل من ملايين الخلايا العضلية التي تلتحم ببعضها بوشائج رائعة تجعلها تعمل وكأنها خلية واحدة بنظام بديع، صحيح أنني عضلة ولكنني أتميز عن كل العضلات بصفات أربعة أولها أنني أتقلص محولاً الطاقة الكيميائية إلى عمل آلي على شكل مضخة،
وثانيها أنني أتمتع بقدرة على التقلص بأسلوب نظامي متكرر بشكل ذاتي، حيث أن بعض الخلايا عندي قد تخصص في ذلك وشكل جملة لها مركز هو قلبي، وتنطلق منه الأمواج الكهربائية مخترقة أرجائي متوزعة على كافة أجزائي مؤدية لنبضات دائمة ما دامت الحياة وبإيقاع عذب منتظم،
إن عملية إيصال التعليمات عبر تلك الجملة التي ذكرتها وبالسرعة والنظام المطلوبين هي ثالث صفاتي، وصفتي الرابعة هي عنادي فلا استثار إلا بالطريقة التي تسمح لي بأداء وظائفي على أكمل وجه.
والآن أخبركم عن أعصابي، فعندي جملتان من الأعصاب تساهمان بعملي وتردان إلي من الجملة العصبية، وتوصلان لي أوامر أتلقاها دون تأفف أو تذمر.
أنا ممتلئ بالدم ليل نهار، ولكن لا آخذ من ذلك الدم إلا بقدر معلوم وبكل أمانة عبر عروق (أوعية) تغذيني مثلي في ذلك مثل غيري، ولكن لا أشرب إلا من رأس النبع، فلأوعيتي تلك خصوصية، حيث أن عليها من المهام الثقال الكثير.
أما دساماتي فيعبرها الدم من حجرة لأخرى أو من حجرة لشريان دونما عودة، فالمسير إلى الأمام دوماً وبشكل ثابت وليست الأمور عشوائية، ينفتح الصمام ليمر منه الدم،
وبعد انتهاء العبور ينغلق الدسام موصداً الغرفة فاسحاً المجال لصمام آخر لينفتح، ولكل صمام شرفات أو مصاريع تربطها حبال مشدودة بجدراني وتحيط بها حلقة متينة هي الإطار لكل بوابة.
ويتابع القلب حديثه، وتنهمر دمعة من عينه، ويقول: إن اهتزت مملكتي ارتجف كل البدن لهول المصاب، وأنا لست معصوماً عن المرض، وعديدة هي الآفات التي يطالني أذاها،
فهناك الإلتهابات والرضوض، وهناك الإعتلالات التي تلم بي، كما قد تنسد بعض عروقي، ويكون الأمر جللاً، وهذا ما دعوتموه بالاحتشاء أو الجلطة،
وقد يولد الطفل وأنا بداخله أحمل بعض التشوه من فتحة هنا إلى باب لا يفتح هناك إلى حجرات تخلخل تنسيقها، إلى ما هنالك من تشوهات أكتوي بلظاها،
إن الجراثيم والفيروسات قد تفتك بي أيضاً، وكذلك فإن هناك العديد من الأدوية والمواد الكيميائية والسموم التي يأتي التدخين على رأسها والتي تعيث في كياني اضطراباً وخراباً، حتى بعض الأغذية تضرني، كما أنني أتأثر بالغ الأثر إن ألم الأذى بعضو غيري، فأنا مثال حي على وحدة بناء البدن.
ويمسح دمعته ليقول مبتهجاً: وبالمقابل فإن الغذاء كلما اقترب من الطبيعي وابتعد عما يشوبه ويلوثه فإنه صديقي، والرياضة هي من أعز أصدقائي المخلصين،
أحبابي سعداء هادئين ينامون باكراً ويستيقظون باكراً، ولا يعرفون التدخين وحاشيته، روحهم مرحة وطبيعتهم جذابة، لا ينفعلون لتوافه الأمور، ويوزعون البسمة لمن حولهم، يحرصون على أبدانهم فلا يدعون بطونهم تصبح "كروشاً" تتدلى أمامهم، ويتعودون من العادات خيرها.
وتزداد ابتسامته إشراقاً وتألقاً ويقول: إن الأمراض التي تعتري الجسد كثيرة، ونحمد الله - سبحانه - الذي يسر سبل تشخيصها وعلاجها ومداواتها والوقاية منها،
وصيتي ألا تنسوا الشام وأهلها من الدعاء وسعادتي الحقيقية هي أن يحفظنا الله - تعالى- نحن معشر القلوب مسبحين بحمده شاكرين أنعمه والحمد لله رب العالمين.
-----------------
للفايدة