الجحيم .... ( رؤيه من الداخل )
أنا متنقل بك أخي المسلم، بل أخي الإنسان، وكيفما كان معتقدك لتنظر وترى، ثم اختر لنفسك بعد ذلك ما شئت وأقول للمصدق بالنار... اجلس بنا نؤمن ساعة !! فإن تذكر النار من الإيمان.
وأقول لغير المصدق بالجحيم : والله إنها لحق، وهي موجودة الآن، وقد رآها الصادقون رأي العين، وحدثوا بما شاهدوا فيها،
وأعظم من رآها وحدث بما فيها هو رسولنا الصادق الأمين محمد بن عبدالله الرسول النبي الأمي صلوات الله وسلامه عليه . هل يمكن تصور سعة النار؟؟ وهذه النار المخلوقة الموجودة الآن لا يبلغ العقل معرفة اتساعها، فإن الشمس والقمر والنجوم أحجار صغيرة في وسطها ..
إنها مِحْرَقَةٌ هائلة تلقى فيها النجوم والشموس كما تلقى الأحجار الصغيرة في البئر العظيمة، وتتضخم أجسـاد أهلها وأصحابها ممن كتب الله عليهم الخلود فيها حتى إنه ليكون ضرس أحدهم كجبل أحد!! وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام!! وسمك جلده مسيرة ثلاثة أيام!!
فيكون جثمان الواحد من أهل النار كأعظم جبل من جبال الدنيا، وكلهم يدخلون النار على الحال التي وصف الله سبحانه وتعالى، وكل هؤلاء لا يملئون النار،ولا تضيق بهم!! وهذه النار التي هي بهذا الاتساع، قد خلقت على شكل البئر المطوية قد لا يبدو للناظر إليها وهو خارج عنها من فوقها إلا سورها وسرادقها المحيط بها، وأبوابها السبعة المقامة في سورها، أو المنصوبة على دركاتها، وأما هي فتذهب عمقاً إلى قعر لا قرار له،
وإذا ألقى الحجر العظيم من شفيرها يظل يهوي سبعين عاماً لا يبلغ قعرها ... وفي هذه المحرقة الهائلة جبال . وفي هذه الجبال من الكهوف والمغارات والوديان، والشعاب، تهاويل وتهاويل لا يبلغ العقل عدهـا ولا حصرها، وتجري في جبالها وسهولها وقيعانها، أنهار القيح والصديد،
وما يسيل من أجساد أهل النار وما ينفجر من بطونهم وأمعائهم ومن هذه الجبال والوديان تتفجر أنهار من ماء كَدَرْدَرِيِّ الزيت مُنْتِنٍ بلغ غايتـه وحَدَّه في الحرارة، إذا قربه المعذب من وجهه شوى وجهه، وتساقط جلد وجهه فيه -عياذاً بالله من سخطه وعقابه .
في النار: كل أسباب الموت ولا موت!! هذه النار العظيمة المخلوقة الآن من دخلها من أهلها الذين هم أهلها - عياذاً بالله - فإنه يبشر عند الدخول بالخلود الذي لا انقطاع له، قبل أن يلقى فيها ، ويجتمـع له فيها كل أسباب الموت،
ولكنه لا يموت بسبب من أسبابها، ولا باجتماع كل أسبابها فإن حر نارها يقتل ويميت وفي لحظة واحدة ، ولكن الله كتب علىأهلها أن يذوقوه ولا يموتوا ، وكذلك ماؤها الذي يقطع الأمعاء يقتل لو لم يكتب الله البقاء السرمـدي لأهلها، وكذلك لدغ حياتها وأكل زقومها، وقرع ملائكتها، وضربهم أهلها بمقامع من حديد
لو ضرب بها أعظم جبال الأرض ضربة واحدة لدك لساعته وأصبح كثيباً مهيلاً !! ثم الغم الشديد الذي يفجر القلب، واليأس الشديـد الذي يقطع الأمل وكل هذه أحوال قاتلة مميتة، ولكن المعذب بها من أهل النار عياذاً بالله لا يموت بواحد منها ولا باجتماعها جميعاً، وهي مجتمعة على كل واحد من أهل النار.
عذاب النار في ازياد أبداً: ويستمر هـذا التسعير والتصعيد في العذاب أبداً ولا أمل في يوم من الراحة، ولا ساعة من الهدوء، ولا فتور للعذاب .إن تصور هذه الحال، وتخيل أن يكون الواحد منا في هذه المآل - عياذاً بالله - أعظم واعظ وأكبر زاجر!!طعام أهل النار عذاب ، وشربهم عذاب: أهل النار الذين هم أهلها المخلدون فيها - عياذاً بالله - يأكلون فيها ويشربون ، ولكنهم يعذبون بالطعـام والشراب عذاباً كعذاب النار أو أشد ، ومع أنهم يعذبون بالطعام الذي يأكلونه وبالشـراب الذي يشربونه إلا أن ضرورة الجوع والعطش تلجئهم إلى هذا الأكل والشرب الذي هو نوع من العذاب بل هو العذاب.
فالمعـذب في النـار يجوع جوعاً شديدا ً، ويلجئه ضرورته وألمه إلى الأكل من شجر الزقـوم ... وهذه الشجرة تخرج في أصل النار في عمق البئر، وقعر الجحيم ، وتخرج أغصانها وثمارها في صورة مرعبة كريهة بشعة. وما ظنك بثمار شجر ينبت في النار ، وتغذيه النار ويجري في عروقه الحميم. إن ضرورة الجوع تلجىء المعذب من أهل النار إلى الأكل من هذه الشجرة الخبيثة الملعونة التي تخرج في أصل النار، وتثمر ثماراً من نار،
فإذا احترق جوف المعذب من هذا الطعام الخبيث ، وأراد أن يطفئ الحرارة المشتعلة في بطنه ويطفئ العطش الهائل الذي يحس به ، ألجأته هـذه الضرورة إلى ماء خبيث قد بلغ غايته في الحرارة فيشربه ليطفئ ناراً فلا يزيده هذا الماء المغلي إلا اشتعالاً . ومع أن الماء كدردري الزيت خبيث منتن الرائحة قد بلغ غايته في الغليان إلا أن المعذب يشرب منه شرباً ذريعاً شرب الناقة الهيماء التي يصيبها داء في جوفها، فتشعر بلهيب في بطنها فتعب من الماء ولا ترتوي .. وإذا شرب هؤلاء المعذبون من الماء الذي لا ينفعهم بل يضرهم حتى تقطع أمعاءهم، فروا منه إلى النار فكان بئس الفرار، ثم تلجئهم ضرورة العطش مرة ثانية إلى ذلك الماء الخبيث، وهكذا فراراً من شر إلى ما هو شر منه، ثم عود إلى الأول . وليس هـذا وحده ما يعذب به أهل النار من الطعام والشراب، بل إن لهم من ألوان الأشربة الخبيثة النتنة المهلكة أشكالاً وألواناً !!
العذاب النفسي أشد من العذاب الجسماني: وليس عـذاب أهل النار عذاباً جسمانياً فقط ، يعذبون فيه بالنار التي تنضج جلودهم، ثم ينبت في الحال غيرها، وتحرق صدورهم حتى يبلغ قلوبهم . أي التي يدخل لهيبها إلى الفؤاد، والتي توضع أحجارها المحماة على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج الحجر من ظهره ، ويوضع فوق ظهره حتى يخرج من صدره!!
ومن العذاب الجسماني في شربهم الحميم ، وأكلهم الزقوم ، ولدغ حيات كالبغال تنطلق من كهوف في النـار ويسري سمها في أجسامهم يعمل عمل النار أو أشد ... ليس هذا هو عذاب أهل النار فقط ، بل إن عذابهم النفسي مثل ذلك وأشر. فمن ذلك: (1) التقريع الدائم من خزنة النار كقولهم لهم (ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) (الزمر:71)(2)
وكذلك إهمال ملائكة النار لاستغاثاتهم وصراخهم أو أن يرقوا لحالهم .. بل مضاعفة العذاب لهم كلما استغاثوا . وكلما عرفوا السبب الحق في ضلالهم وعادوا بالملامة على أنفسهم، وندموا حيث لا تنفع الندامة، وتحسروا حيث لا تزيدهم الحسرة إلا مثلها،
ومقتوا أنفسهم نودوا بما يصيبهم بغم وكرب أعظم من الذي نالوه كله، وهو أن سخط الرب ومقته لهم أعظم من مقتهم. وسبب مقتهم أنفسهم أن الإيمان قد كان في متناول يدهم لو تناولوه ، وأما الآن فالإيمان بعيد ولا يقبل منهم فقـد كان المطلوب منهم إيماناً بالقلب بوحدانية الله وشهادة باللسان ، وعملاً صالحاً سهلاً ميسوراً يستعذبه المؤمن في الدنيا ، يمتع به في الدنيا قبل الآخرة ..
فالصائم يفرح في الدنيا بصومه ، والمصلي يشعر بالرضا بصلاته ، والمتصدق يسكب الله في قلبه من معاني الخير والفضل ما هو خير من إمساكه ما تصدق به ، والحـاج يستعذب المشقة في سبيل الله وذاكر الله يقول : "إننا والله في نعمة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف"!! والراضي بالحـلال في المأكل والمشرب والمنكح يشعر بسعادة ورضى لا يشعر بها من يعيش فيما حرم الله عليه من المآكل والمناكح والمشارب .(3)
ومن العذاب النفسي لأهل النار قمعهم المطارق ، وتأنيبهم مع هذا العذاب المذل بالتبكيت، وصنوف الإذلال كقول الملائكة لهم بعد صب العذاب فوقهم {ذق إنك أنت العزيز الكريم}!! (الدخان:49) من ذلك أن يكون العذاب في نفسه مهيناً كالسحب على الوجوه في النار. وقد سمى الله عذاب الآخرة بالعذاب المهين ،
وذلك أن من يصلاه يهان أعظم إهانة وأكبرها. (4) وأعظم أنواع الإهانات التي يتلقاها أهل النـار عياذاً بالله هي حلول غضب الله وسخطه عليـهم، والتخلي عنهم، ونسيانه سبحانه وتعالى لهم ومقتهم. قال تعالى: إن الذين يشترون بعهـد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة، ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم} (آل عمران:77)(5)
ومن ذلك الفضيحة بالذنب على رؤوس الأشهاد والتشهير بهـم على الملأ، بل على رءوس الناس جميعاً منذ خلق الله إلى يوم القيامة. فمن عذبه الله في هذا اليوم، وأظهر فضائحه على الملأ، وشهر به أمام جميع الخلائق ، فقد أهانه أبلغ الإهانة، وأذله غاية الإذلال .
أعظم عذاب النار هو الخلود!!: أهل النار أعلاهم من يوضع في جب في أسفل النار، لو فتح هـذا الجب فإن جهنم نفسها تستغيث بالله من حره!! وأدناهم منزلة وأقلهم عذاباً من يوضع في أخمص قدميه جمرتان يغلى منهما دماغه!! وهذا وإن كان أهون أهل النار عذاباً إلا أنه يظن ، ويرى نفسه أنه أشد الناس عذاباً. وتصور الخلود في العذاب أمر يفوق التصور!! ويقطِّع القلب!! فإن تصور أن يكون الإنسان في سجن ما ولو كان كسجون الدنيا يعيش فيه إلا ما لا نهاية ، ولا يخرج منه أبداً بالموت ولا بغيره ، بل يبقى فيه بقاءً سرمديا ً... هذا التصور كاف في موت الإنسان غماً وكمداً وحزناً ...
فكيف لو كان هذا السجن : جدرانه، وأبوابه، وطعامه، وشرابه من النار!!؟ فكيف إذا كان هذا السجن بئراً إذا ألقي فيه هذا المعذب، هوى على أم رأسه سبعين سنة لا يصل إلى قرار؟! إن تصور الخلود في هذا العذاب شيء يفوق الوصف !! والعجب أن المصدق به لا يفر منه !!
وإلا فمن عرف هذه النار وآمن بها وأنها موجودة حاضرة الآن وإذا مات في آية لحظة فقد يدخلها كيف له أن ينام وهي في الانتظار!!! ولكن إنها الغفلة والتسويف والانشغال بما حفت به النار من الشهوات.
الموت آت لا محالة: من هذه اللحظة إلى الموت قدر من العمر قد يكون لحظة، وقد يستمر سنوات !! ومنذ اللحظة إلى لحظة الوداع لا يدري أحد ما تكون الخاتمة. قال صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمـل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) ,
وسيظل المؤمـن خائفاً من تقلب قلبه. وهل سمي القلب قلباً إلا لتقلبه؟ ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الجبل الراسخ في الإيمان، خير عباد الله على الإطلاق. يقول [ يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك]، فما يدريني أنا أو غيري كيف تكون لحظة النهاية!! هذا ونحن نعيش العصر الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلـم: [بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم يمسي المرء مؤمناً، ويصبح كافراً، ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا قليل] (رواه أحمد ومسلم والترمذي){ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}
هل يعاني المؤمن سكرات الموت: الموت لحظة رهيبة، والكل يخافه ويكرهه، المؤمن والكافر... ولابد لكل أحد منه ، ولا فرار عنه، ونزع الروح نزع، وآلام، وكل إنسان يذوقه مؤمناً أو كافراً ... والمؤمن لا يناله من ألم الموت إلا القليل ، وأما الكافر فإن نزع الروح هو أول العذاب له. المرور على الصراط هو الكرب الأعظم لأهل الإيمان!! السابقون يجوزون، والعصاة يسقطون: والمرحلة قبل الأخيرة من هذا اليوم (يوم القيامة) هي أعسر مراحله، وأصعب أوقاته،
إنه العبـور فوق جهنم من أرض المحشر إلى قنطرة أخرى قبل الجنة ... إنه عبور فوق النار كلها. وما أعرض هذه النار؟! وما أعظم اتساعها
ولو قربنا المعنى لقلنا: إنه عبور فوق الشمس!! بل الشمس كوكب صغير في النار!! فهل فكـرت يا عبدالله في أنه يتوجب عليك أن تعبر فوق ما يشبه الشمس حراً وناراً، واتساعاً، بل الشمس الذي ينفجر بركانها، وتصل حرارة سطحها إلى مليوني درجة جزء صغير من نار الآخرة.
فإذا تصورنا النار كما صورها الله لنا في القرآن، وكما أخبر عنها رسوله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الكثيرة، وعلمنا أنها بئر عميقة قـد بعد قرارها بعداً لا تستوعبه عقولنا إلا أن نقيس ذلك بالبعد بين الكواكب في هـذا الكون الفسيح، وأنها في التهاب الشمس بل أعظم، ومن أهل الإيمان من يفتن في قبره، ويعذب حتى ينفخ الصور. ومنهم من يعذب بالنار في محشره في هذا اليوم الطويل العصيب حتى يقضي الله بين الخـلائق ...
فإن ثمة ما هو أعظم لهم جميعاً وأكبر فتنة وهولاً، وهو المرور على الصراط والجواز منه إلى الجنة... فإما عبور وسلامة، وإما معاناة طويلة طويلة!! وإما هوى في نار جهنم إلى غاية لا يعلمها إلا الله وحده حتى تدركهم الشفاعة ورحمة الله في نهاية المطاف ... المرحلة الأخيرة (التصفية النهائية)
وبعد تلك المرحلة الشاقة العسيرة : عبور الجسر (الصراط) تبقى المقاصّـة بين المؤمنين، وتصفية ما بقي من حساب بعضهم على بعض. روى الإمام البخاري رحمه الله
عن قتادة عن أبي المتوكل الناجي: أن أبا سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلـم: [يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقّوا أذن لهم في دخول الجنة!! فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا]. وهـذا الحبس على هذه القنطرة بين النار والجنة قد يطول ببعض العصاة... فكم لكثير من أهل الإيمان حق على إخوانه المؤمنين قد هضموه، وعرض قد هتكوه، ومالٍ قد سلبوه، وكم يقع من الظلم بين المسلمين!!!
دعوة ومناشدة واسترحام لأخواني المسلمين: إخواني وأحبائي المسلمين: قـد قال صلى الله عليه وسلم: [من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال، فليتحلله اليوم، قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم، فإن كان له عمل صالح، أخذ بقدر مظلمته وإن لم يكن له عمل أخذ من سيئات صاحبه فجعلت عليه] (رواه البخاري) لا تنسوا أخاكم الكاتب بالدعاء له بظهر الغيب .
------------
للفايدة