حقيقة أصبحت حلماً .!
قال لي صاحبٌ ذات يومٍ :
تخيل معي نادٍ اجتماعي ثقافي ، أقيمَ في مدينةٍ صغيرةٍ ،
يجتمعُ الناسُ فيه ، ليقضوا بعض أوقاتهم ما بين هواياتٍ يمارسونها،
ولقاءات يجتمعون فيها ليناقشوا قضايا مدينتهم ، وهمومهم اليومية ،
بما يعين كل منهم أن يتخلص من تلك الهموم الضاغطة ،
ثم لا يخلو الأمرُ من دوراتٍ تعليمية ، وبرامج ثقافية ، وفقراتٍ متنوعةٍ نافعةٍ مبهجة ،
تجعلُ هؤلاءِ يزدادون كل يوم ، انصهاراً في بعضهم البعض ،
بما يزيد تآلفهم وترابطهم ، ومحبتهم لبعضهم البعض ،
ثم يتفرع عن هذا أن يشمر كل منهم ليساهم في مشاريع تعاونية ترقى بالأدنى ،
منهم لترفعه إلى أفق الأعلى فيهم ،
ويسدون حاجة الفقراء فيهم ، ويغطون عجز غير القادر ، وهكذا ..
في الوقت الذي يزدادون فيه علماً ومعرفة ووعياً وعملاً ..!
وحين وجدَ هؤلاء روعةَ هذه الثمرات وبركتها ، حرصوا على الدفع بأبنائهم إلى هذا الندي ،
وتشجيعهم على ذلك ، ومنافستهم على المشاركة الفاعلة في أنشطته وبرامجه ،
بحماس أكبر ، وبذل أعظم ، وحرص أكثر ..
لأن ذلك سيعود بالضرورة خيراً وبركة ونوراً على بيوتهم ..!
أليست هذه بديهية .؟!
قلت وأنا أتبسم :
هي بديهية فعلاً ، ولكنها مجردَ حلمٍ جميل ،
وإلا فأينَ مثل هذا الندي في دنيا الواقع ، وحياة الناس ..؟!
هزّ صاحبي رأسه وقال :
اعلم يا صاحبي أن الأصلَ أن يكون المسجد هو هذا المكان ،
الذي تتفجر فيه الطاقات ، وتنفذ فيه المشاريع ، وتبرز فيه المواهب،
ويتضام فيه الناس كأنهم أسرة واحدة ، على قلب رجل واحد ،
وفيه يتنافسون علما وعملاً وهمة واجتهادا ،
بحيث يصبح المسجدُ هو النواةُ التي تثمر للمجتمع ألوان من الخيرات،
يتفرع عنها حدائق ذات بهجة ، تسر الملائكة ، وتعجب لها الدنيا ..
ولكن واسفاه !!
لقد تعطل دور المسجد ، ولم يبق فيه إلا ما يشبه الكنيسة ،
يدخله الناسُ لأداء ركيعات ، ثم ينصرفون حتى دون أن يتعرف بعضهم على بعض !!
------------
ابو عبدالرحمن / للفايدة