15-01-2014, 07:56 PM
|
#5298
|
كبار الشخصيات
|
رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
الابحار في رياض سيرة ألصحابة
حين تبحر في رياض سيرة أصحاب رسل الله رضي الله عنهم ، تقف على ألوان من عجب ، في دوائر متنوعة من السلوكيات الراقية ، والأخلاق العالية ،
حتى ليخيل إليك أن محمداً صلى الله عليه وسلم ، نجح بامتياز في تربية هؤلاء الناس ، تربية تلحقهم بالملائكة البررة الكرام ! وترفعهم عن أهل الأرض ،
وتجعلهم متميزين غاية التميز ، يكاد الواحد من هؤلاء يمشي على الأرض بين الناس ، أشبه ما يكون بالضيف قدم عليهم من السماء !!والعجب أنهم هم أنفسهم كانوا قبل أن يسبكهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
على هذه الصورة البديعة ، كانوا قبل ذلك في ضلال مبين ، في مناحٍ كثيرة من مناحي الحياة ..فما أشبههم بالميت ، دبت فيه الحياة فجأة ، فمضى في دنيا الناس متألقاً كأنه الشامة في وجه الدنيا !!
قال تعالى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) ..
واختيار التنكير هنا ووصفه ( ضلال مبين ) لحكمة بليغة ، لتضع بين عينيك ألوان من صور الضلال التي كان يعيش في أتونها هؤلاء ..!ثم أحياهم الله على يد محمد صلى الله عليه وسلم ..وتبحث عن سر هذا التغيير ، وتنقب وتفتش ، وتتأمل وتتدبر ، حتى يوفقك الله سبحانه إلى أن تضع يدك على عدة مفاتيح ، كان لها بالغ الأثر في هذه النقلة الهائلة ، التي حدثت في حياتهم ، حتى جعلت كل واحد منهم ، كأمة من الناس ..!ومن أجل وأروع وأقوى هذه المفاتيح :صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وأثر الصحبة لا يخفى ، وأثر القوة الروحية للصاحب على صاحبه الملازم له ، لا يحتاج إلى تدليل ، فكيف إذا كان هذا الصاحب هو رسول الله صلى الله عليه وسلم !؟
وقديما كانوا يقولون : الصاحب ساحب .. فإن كان إنساناً ينضح خيراً ، فإنه يشد صاحبه إلى سماء السماء ..!
وإن كان العكس فبالعكس !ومن تلك المفاتيح :قوة التوحيد التي غمرت قلوبهم ، وتشبعت بها أرواحهم ، والتي أخذ القرآن يغذيهم بها بشكل متتابع ، وفي المقابل كان يترجمها على أرض الواقع المعاش رسول الله صلى الله عليه وسلم .فلم تعد قلوبهم تلتفت إلى شيء سواه سبحانه ،
ولا تتعلق بأحد غيره ، ولا تخاف ، ولا ترجو قوة غير قوته ، ولا تذل نفسها إلا له ، ولا تخشى إلا منه ، ولا تعمل إلا له ، ولا تطمع إلا في رضاه عنها ..
لقد تشربت قلوبهم أنه لا محيي ولا مميت ، ولا رزاق ولا مانع ، ولا معطي ، ولا ضار ولا نافع إلا الله وحده ..: وكل شيء سواه لا يقوم بنفسه ، بل يعتمد في قيامه وقوته وغناه على الله رب العالمين ..!
فهو المسبب لكل شيء ، خالق كل شيء ، موجده من عدم ، وممده بعد عُدم ، وكل الأسباب مهما علت أو دقت ، إنما تعمل في إطار المشيئة ، فإن شاء أطلقها ، وإن شاء عطلها .. فعلامَ الالتفات إليها إذن ..!!
فكل ما خلا الله سبحانه باطل ، والتعلق به أبطل الباطل !!( ..قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ) ..
ومن تلك المفاتيح :التعلق الكامل باليوم الآخر ، والشوق الجارف للانتقال إلى مباهج ونعيم تلك الدار ..
فأصبح الواحد منهم كل همه محصوراً في طلب الآخرة ، ورضوان من الله أكبر ، لم يعد لهم رغبة في غير ذلك ، ولا همة إلى سوى ذلك ، ما يقربهم من تلك الغاية بادروا إلى فعله ولو شق على النفس ، بل ويتنافسون في هذا المضمار بشكل يدعو للعجب ..
وفي المقابل :
كل ما يبعدهم عن هذه الغاية ينفرون منه ، ويحذرون منهم ، ويتحاشون الوقوع فيه ، فأصبحت حياتهم كلها مقصورة على هذا الهدف ، بل أصبحت الآخرة نصب أعينهم ، كأنهم يرون مباهجها ونعيمها ..!كل تصرفاتهم وسلوكياتهم وحركاتهم وسكناتهم تتمحور حول طلب الآخرة والشوق إليها ، وتحصيل رضوان الله عنهم .. وكأنهم النقلة إلى هناك غداً أو بعد غد ليس أكثر ..!
بل كان بعضهم يقول :ما رفعت قدما ، إلا وأنا أحسب أن لن أضعها إلا في الآخرة ..!فأثمر لهم هذا يقظة قلب ، ورفرفة روح ، وزكاة نفس ، وعلو همة ، ودقة ذوق ، ورقي سلوك ،
وحلاوة منطق ...الخوإنك لتجد أثر هذه المفاتيح في أي إنسان صادق ، على مدار التاريخ ، بشرط أن يتشربها قلبه ، وتتفاعل معها روحه ، وتصبح نصب عينيه .لاسيما قضية التوحيد ، والتعلق باليوم الآخر،
أما ما يتعلق بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقوم مقام هذا الأمر أن تصحب سيرته وتترجمها ، وتعيش معها ، وتجعل لسانك وقفا لله سبحانه ، وتجعل همتك كلها متجهة إلى طاعة الله سبحانه فرائض ونوافل ..
فإذا أنت نجم يتلألأ !ففي الحديث الشريف :" من عادى لي وليا آذنته بالحرب .. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه .. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ...الخ
------------
ابو عبد الرحمن /للفايدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|
|
|