(خُشُوعٌ في غيرِ الصَّلاة)
منظر الخاشعين في الصلاة مؤثر جداً؛ لكن هناك منظر أكثر تأثيراً: أن تخشع في سوقك، في مدرستك، في وظيفتك، وأنت تتجادل، وأنت تخاصم.
فالخشوع في الصلاة قويت أسبابه واجتمعت دواعيه، أما الخشوع عندما تختفي أسبابه وتتفرق دواعيه فهو الإنجاز المؤثر فعلاً.
جرب أن تستجيب لداعي الخشية في مثل تلك المواطن، ستجد أنك كلما ذكرته خالياً بكيت من لذته ومن شوقك لهزته الإيمانية العظيمة!
(كُلَّما عَظُمَ المرءُ زادتْ حاجتُهُ إلى التواضع)
كُلَّما عَظُمَ المرء كان محتاجاً إلى مزيد من التواضع, لا لأن العظمة مدعاة للغرور فحسب, ولكن لأنه لا يعظُم المرء إلا بقدر تواضعه, فعظمته التي بلغها هي على درجة ما عنده من التواضع.
فإذا أراد أن يتطوَّر ويزيد من أمجاده, فلا بد من أن يزداد تواضعاً؛ وإلا فإنه قد استحق الجمود, والجمود يعني التراجع عن قمة العظماء.
والتواضع سلم العظماء, لكنه سلم غريب: قد يظن فيه المرء أنه يهبط, وهو في الحقيقة يعلو (من تواضع لله رفعه).
جَمَاليَّةُ الدِّينِ الإسلاميِّ وعَظَمَتُه
(مِنَ الوَاقعيَّة)
(عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً): علم الله ضعفنا وأننا لن نصبر عن ذكر النساء المعتدات، فأباح لنا الإلماح والتلويح بالرغبة في خطبتهن والزواج بهن بعد العدة.
هذا نموذج من نماذج الواقعيَّة التي ندعوا الناس إليها، وهي حكمة ربَّانيَّة نستفيد منها في التعامل مع الواقع كما هو، لا بما يجب حسب الصورة المثالية، ولا حسب الأكمل.
(مُعجِزَةُ الفُتُوحِ الإسلامِيَّة)
معجزة الفتوح الإسلامية لا في سرعة توسع رقعة العالم الإسلامي خلال أقل من عشر سنوات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا في تهاوي أعظم دولتين في ذلك الوقت ( الروم والفرس) أمام الجيوش الإسلامية الناشئة، التي تقل عن جيوش الروم والفرس عُدةً وعدداً وخبرة، فهذا كله حصل ما يشبهه على يد التتار، فاجتاح التتار العالم الإسلامي خلال أعوام قليلة، وأسقط كثيرا من ممالكه ودوله.
وإنما معجزة الفتوح الإسلامية هي: في سرعة تقبل الشعوب للدين الإسلامي واحتضانها للدين الجديد كالعرب تماماً (حملته الأولين) وقيامهم بنصرته والدفاع عنه، منذ أوائل دخول دعوة الإسلام إلى بلدانهم بعد الفتوح الإسلامية.
وهذا ما لم يحصل، حتى مع التتار، بل الذي حصل مع التتار أنهم هم تركوا دينهم ودخلوا في الإسلام، بعد استيلائهم للعالم الإسلامي، وكونوا دولاً إسلامية، أصبحت مع امتداد الزمن دولا تدافع عن الإسلام وتحارب وتسالم من أجله!
وكان استيلاء التتار على العالم الإسلامي معجزة اجتماعية، إذ إنها نكست العادة الاجتماعية السارية في التاريخ البشري، والتي نبه عليها ابن خلدون: من أن الصعيف يتبع القوي، وأن الأمم والشعوب الضعيفة تتشبه وتقلد الأمم والشعوب القوية.
فانتكست هذه العادة، وانخرقت هذه السنة الاجتماعية، في حالة التتار واستيلائهم للعالم الإسلامي!!
وبذلك بقيت معجزة الفتوح الإسلامية معجزة تاريخية حقاً، ولا يُعترض عليها بمثل حادثة التتار، بل أصبحت حادثة التتار نفسها معجزة إسلامية أخرى، تستحق الاعتراف لها بأنها خارقة للعادة البشرية!!
(تَغييرُ القَنَاعةِ لا يكونُ بالإكْرَاه)
الإكراه على الدين تستنكره الفطر السوية، ولذلك لما هدد قوم شعيب عليه السلام شعيباً ومن معه بالطرد أو العودة إلى الكفر: (قَالَ المَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا)، اكتفى شعيب عليه السلام بأن يسأل قومه هذا السؤال الاستنكاري: (أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ)، ليبين لهم أن تغيير القناعة لا يكون بالإكراه، ولا يحصل بالإكراه إلا النفاق:إظهار خلاف ما تبطن.
(التَّسَامُحُ الحقيقيُّ هو الذي يكونُ عن قُدرَة)
تسامحُ العاجز عن إثبات صحة معتقده تسامحٌ منقوص؛ لأن جزءاً من تسامحه هذا قد يكون هروباً من إفحام مخالفيه ومن افتضاح معتقده بعدم قيام أدلته به، لكنه يُلبس هذا الخوفَ والهروبَ ثوب التسامح، فهو لا يريد أن يقول: لا تجادلوني لأني عاجز، فيقول بدلاً من ذلك: لا أجادلكم لأنكم أحرار!
إنما التسامح الحق هو قبول القادر على إثبات صحة عقائده لأصحاب العقائد الباطلة، وأن يقول لهم وهو المنتصـر ببراهينه وحججه: (لا إكْرَاهَ فِي الدِّينِ)
نَصَائح مَنهَجِيَّة في العِلْمِ والإنصَـافِ وأدَبِ الخِلاف
(البِنَاءُ هُوَ الأسَاسُ، وليسَ الرَّد)
البناء أحسن وسيلة للرد على الهدم، ولو نظرت إلى ردود القرآن والسنة على خصوم وأعداء الإسلام لوجدت أنها قليلة جداً في مقابل التأسيس والتشييد في نصوص الوحيين، وبذلك كله قامت دولة الإسلام وشُـيِّد صرحُ خير الأمم.
فالردُّ المجرد قد يصد الهجوم وقد يهزم الخصوم، لكنه وحده لا يبني حصناً ولا سوراً، فضلاً عن مدينة وحضارة.
الغُرُورُ الدِّينيُّ بدعة؛ لأنه تعبُّـدٌ لله تعالى بغير ما شرع!
ولذلك يقل أن تتيسر لصاحب هذه البدعة توبة؛ لأنه يظن نفسه بغروره الديني هذا معتزاً بالإسلام، الذي مهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله! يظن نفسه معلناً لتميزه بالسنة واتباع السلف!!
فما أبعدَ مثل هذا من أن يتوب؟! ما دام أنه يتقرب إلى الله تعالى بغروره!!
وما أبعدَ تلامذته وخرجي مدرسته من أن يدركوا هذا الغرور من أنفسهم ومن أن يروه في شيخهم؛ لأن هذا الغرور عندهم هو نفسه الصفة التي دعتهم للإعجاب بشيخهم والاقتداء به، والتي يرونها بمنظار: الصلابة في السنة، والشدة في المنافحة عنها، وعدم المداهنة في الدين،
فهو عندهم: مظهر عزة الانتساب للسنة، وقوة حجة السلف، ونقاء عقيدة التوحيد.
صاحب عبادة وتأله، بل صاحب تواضع مع عموم الناس، لكنه مغرور بهذا الغرور الديني؛ لأن غروره هذا هو نفسه في رأي نفسه من أعظم القربات والعبادات، ومن أوثق عُرى الإيمان!!
ولن يكون هذا الغرور بأغرب من استباحة الخوارج لدماء المسلمين، وهم من أكثر الناس تعبداً وزهداً؛ لأنهم يعدون هذا السفك للدماء أعظم مهور الجنة، وجهاداً هو ذروة سنام الإسلام!!
--------------
يتبـــــــــع