(وُجُودُ الخُصُومَاتِ ليسَ دليلاً على الخطأ)
تذكر أن أكبر الناس خصومات هم الأنبياء ؛ لأنهم كانوا فرقاناً بين الحق والباطل، ثم الأئمة المجددون ؛ لأنهم يخالفون في تجديدهم المألوفات والعادات.
ولذلك قال ورقة بن نوفل للرسول صلى الله عليه وسلم: (لم يأتِ رجلٌ قط بمثل ما جئتَ به إلا عُودي).
فمَنْ جعل مجرد وجود الخصومات دليلاً على خطأ مسيرة شخص، فهو ممن لو عاصر أحد الأنبياء أو المصلحين لكان واحداً من ألدِّ خصومهم!
(أكثرُ المشتومين هم أنصارُ الحقِّ)
أسفه الناس هم أعداء الحق، ولذلك كان أكثر مشتوم: أنصاره!
وأنصر الناس للحق: الأنبياء عليهم السلام، ولذلك فهم أكثر مشتوم في الناس!
أكثر مشتوم في الناس الأنبياء عليهم السلام، ومع ذلك هم أرفعهم ذكراً وأجلهم قدراً، وأكثرهم مفتدى في الناس بالنفس والمال!
فلا يأسى مِنْ شتم السفهاء عاقل، ولا يفرح بعدم قرضهم لعرضه كريم، ولا يستدل به على بطلان الرأي وخطأ المسيرة إلا غافل!!
(لا بُدَّ للمُصلِحِ أنْ يَصبِرَ على أشواكِ الطريق)
إذا كان المصلح يظن أن طريقه في التعليم والإصلاح لن يواجه بالرفض والهجوم ومحاولات الصد عنه بتشويه السمعة، فلن يكون أهلاً لسلوك هذا الطريق.
ولو كان يظن أن هذا الصد سينتهي، ما كان ليصر على إصلاحه ويستمر عليه رغم كل تلك الصواد.
لقد سلط المشركون سفاءهم على أكرم الخلق وأعز الناس، ولكم أن تتخيلوا حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله غلمان ثقيف ومراهقوهم: هذا يشد ثوبه، وهذا يشتمه، وذاك تتطاول يده ذلك الجناب الشريف، وآخر يرميه بحجر!! وهو بأبي هو وأمي يدفع بلطف هذا عنه، ويبعد يد الآخر، ويشيح وجهه عن سوء الثالث..
تهون النفوس أمام خطفة
من هذا المشهد البالغ قمة القبح: عندما يتطاول السفهاء على سيد الأولين والآخرين، والبالغ قمة العظمة عندما يصبر صلى الله عليه وسلم على ذلك في ذات الله عز وجل.
(مع مَنْ تكونُ المُنَاظَرَة)؟
المناظرة لا تنفع مع كل أحد، فالأصل والصحيح أن لا تكون المناظرة إلا بين المتناظرين؛ أي المتقاربين في العلم.
أما بين العالم والجاهل: فحق الجاهل أن يسمع العالم ليتعلم، وأن يسأل عما جهل.
وواجب العالم أن يبذل جهده في التعليم والتفهيم، وأن يتسع صدره لذلك، وأن يصبر على أسئلة الجاهل.
وسبب عدم صحة المناظرة مع الجاهل: أن الجاهل لن يستفيد إذا استعجل العلم، وسيكون العالم مضطراً أن يقول له مرات ومرات: هذه مسألة تحتاج فيها لأشهر من الدراسة لتفهمها، فهي مبنية على أصول وقواعد أنت لا تعلمها!
والمناظرات لا تقبل أن يكون أحد المتناظرين متكلماً والآخر صامت، ولا تقبل إلقاء الدروس، وقد يكون هذا الصمت هو الواجب ليفهم الجاهل، وقد يكون إلقاء الدروس هو الواجب على العالم لكي يتمكن من تعليم الجاهل، فكيف تتم مناظرة العالم والجاهل والحال هكذا؟!
ولذلك يروى عن الإمام الشافعي أنه قال: ما ناظرني جاهل إلا وغلبني! يعني: إلا وعجزت في المناظرة أن أزيل عنه جهله؛ لأن المناظرة بين العالم والجاهل ظلم، تزيد الجاهل جهلاً واغتراراً بجهله!
وقد يغفل الناس عن صورة الجهل المركب: وهو جهل من يجهل أنه جاهل، ويظن نفسه عالماً.
وقد يظنون الجاهل هو صورة لذلك الذي لا يفك الحرف إلا وشيكاً! وينسون أن من الجهل من يكون صاحبه مثقفاً واسع الاطلاع، لكنه كالكشكول الذي فيه من كل علم، ولكن ليس فيه منها علم واحد!!
ومع ذلك فقد يوافق العالم على مناظرة الجاهل اضطراراً، عندما تكون مفسدة عدم مناظرته أعظم من مفسدة مناظرته، فيدرأ المفسدة الأعظم بالأخف!!
طالبُ العِلْمِ المُتَجَرِّد!
قد يقولون لك: تغيرت!!
فقل لهم: نعم تغيرت، وأرجو أن أكون قد تغيرت كثيراً!! لأني اجتهدت في التزود من العلم، ولن أدع سؤال ربي بأن يزيدني منه.
ومن ازداد علماً سيكون تَغيُّره بقدر زيادة علمه، فإن قلّ تزوده من العلم قلّ تَغيّره، وإن كثر تزوده كثر تغيره.
فهم يريدونك أن لا تتغير، مهما علمت ما كنت تجهل! يريدونك تبعاً لهم مقلداً مهما اكتشفت مجاهيل كنت لا تعرف شيئا عنها... مهما ظهرت لك أغلاطهم وتناقضاتهم..
هم يريدونك إمعة تنقاد لهم!!!
فاسأل الله تعالى أن يزيدك تغيراً بزيادة علمك، فبئس العلم الذي لا يغير، فهذا ليس سوى الجهل والعصبية له.
فالعلم هو ما أوضح لك جهلك، وما عرَّفك بما لم تكن تدري، وهذا هو التغيير الذي يخشون؛ لأنك ستفضح أخطاءهم، وستكشف عوراتهم!!
(سُوءُ الظَّنِّ يَحُولُ دُونَ الفَهْمِ)
لم أرَ أكثر من سوء الظن والإعجاب بالنفس حائلاً دون الفهم, ولا مانعاً من التجرد والموضوعية, ولا صادّاً عن العدل والإنصاف.
فإذا رأيت من لا يفهم, ولا يقدر على التجرد, ويبتعد عن الإنصاف, فلا تتعب نفسك معه؛ إلا بأن تبصره بدائه, وتعينه في أن يرى محاسن الناس وعيوب نفسه.
(أيُّ فَضَائل هذه)؟!
بعض طلبة العلم يتعلم الاعتراض قبل العلم..
ويتعلم سوء الأدب باسم عدم التقليد..
ويغرق في تقليد بعض المعاصرين بدعوى ترك التمذهب..
ويدعي اتباع الدليل وهو يقلد الذين ذكروا لهم دليلهم..
وينكر الاختلاف المعتبر بحجة أن الحق واحد لا يتعدد!
فمَنْ علَّمهم هذه العلوم وربَّاهم على هذه الفضائل!!
-----------------
يتبــــــع