مهـــــــــارات الكـــــلام
ترك مالا يعنيه :-
ينبغى للمتحدث ألا يتحدث فى أمور الناس الخاصة , التى لا تعنيه , بحيث لا يضره السكوت عنها ولا ينفعه الكلام فيها , فعن أبى هريرة – رضى الله عنه – عن النبى صلى الله عليه وسلم قال : " من حُسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " [9] . يعد المحدثين هذا الحديث من الأربعة أحاديث التى جمعت فأوعت , فهو يدعوا إلى عدم تتبع العورات , وحفظ الخصوصيات , والاقتصار على الذات , فهو منشأ الاحترام والتوقير ومصدر الهيبة والكرامة , وهو مكمن العزة .
ازهد فيما عند الناس تستعبد قلوبهم
فطالما استعبد الإنسان إحسان
كل إنسان له عالمه الخاص الذى لايريد من أحد أن يتدخل فيه , وإذا بادر شخص ما واقتحم عالمه بغير رضاه فسوف يحاول التصدي له بكل ما يستطيع , فيقع ما يبغضه الإسلام من الكراهية والبغضاء , ناهيك عن إهدار الوقت , والتعب والتنغيص الذى يحصل له , فى حين أنه بإعراضه عن التدخل فى أمور الناس واقتحام أسرارهم تحصل له الطمأنينة وراحة البال , وكما قيل من تدخل فيما لايعنيه سمع ما لا يرضيه
وذكر مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان :"ما بلغ بك ما نرى ؟" يريدون الفضل فقال :" صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنينى " .[10]
وروى عن الحسن قال :"من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شعله فيما لا يعنيه" .
قال الامام الشافعي لصاحبه الربيع : ياربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك , فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها .
وقيل : من عرف شأنه , وحفظ لسانه , وأعرض عما لا يعنيه , وكف عن عرض أخيه , دامت سلامته , وقلت ندامته , وإياك وفضول الكلام فإنه يظهر من عيوبك ما بطن , ويحرك من عدوك ما سكن .
إحفظ لسانك لا تقول فتبتلى
إن البلاء مُوكلُُُُ بالمنطق
التؤدة والاطمئنان فى الكلام :-
المتحدث اللبق هو الذى يتسم كلامه بالترتيل والترسيل , فضلاً عن التؤدة والتمهل , ليفهم متحدثة مقصوده من الكلام ,
لاسيما ونحن نعيش فى عصر اختلطت فيه الجنسيات وتنوعت فيه اللهجات , وتعددت فيه اللغات , وتعقدت أمور الحياة مع كثرة مطالبها .
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يزين كلامه ويترسل فيه ليترك الفرصة لمستمعه عن التفكر والتدبر , بحيث يمكنه التعلق على فحوى الكلام إذا أراد ,
لاسيما وقد أكد العلم الحديث على أن الإنسان لايمكنه التركيز وإستيعاب الكلام السريع الذى لايتخلله السكون والتؤدة والتمهل , فعن عائشة – رضى الله عنها – قالت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم كان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه " ,
أى لو أراد المستمع عد كلماته وحروفه لأمكنه ذلك , لذلك إستوعب الصحابة كلام النبى صلى الله عليه وسلم وحفظوه [11].
عن عائشة قالت ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم [12] .
ولكن هناك بين الترسل والتأنى والبطء الشديد المصاحب للحذلقة , فالأخير يؤدى إلى نفور السامع وضجره , لان كلام متحدثه يسير الملل .
يبدأ الكلام الأكبر والأعلم :-
من الأدآب التى ينبغى مراعاتها فى الحديث عدم تصدر حديثى السن للكلام وإبداء الرأى فى حضرة من هم أكبر سناً وأكثر علماً , وهذا أمر ترتضيه الفطرة وتكاد تتـفق عليه المجتمعات على اختلافها , فبئس القوم الذين لا يبغون تحصيل خبرات من سبقوهم علماً أو سناً , ويرتضون خوض التجارب وتحمل النتائج .
وقد أفرد الإمام البخارى فى صحيحه باباً أسماه إكرام الكبير , وقال فيه: ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال .
وقد نص النبى صلى الله عليه وسلم على ذلك , وأنكر على من خالف , ففى حديث سهل بن أبي حثمة قال انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصـة إلى عبد الله بن سـهل وهو يتشمط في دمه قتيـلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسـعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما فقال تحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم قالوا وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبريكم يهود بخمسين فقالوا كيف نأخذ أيمان قوم كفار فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده [13],
والشاهد قوله كبر كبر , وقال بعض أهل العلم فيه دلالة على اعتبار الكبر , وجمعوا بينه وبين أحاديث اليمين بأن القوم إذا كانوا فى المواجهة يقدم الأكبر , أما إن كانوا عن اليمين والشمال قدم الإيمن تبركاً .
وهنا يتضح مدى حرص الإسلام على شيوع الإحترم والتوقير بين أفراد المجتمع المسلم , ومراعاة النظام ونبذ والعشوائية والهمجية .
تعظيمك الناس تعظيم لنفسك فى
قلوب الإعداء طراً والأدواء
من عظّم الناس يعظُم فى النفوس
بلا مؤونة وينل عز الأعزاء
التأكد من صحة الكلام وعدم ترويج الشائعات :-
ينبغى على المتحدث أن يراعى صحة ما يقوله ويحكية , فيتثبت من كلامه ويرد الأمور إلى مصادرها الصحيحة , فلا يتلفظ إلا بما هو ثابت عنده ,
لان الكلمة ربما تخرج من لسانه فلا يدرى بها , فيأخذها غيره فيبنى عليها أموراً لاحد لخطورتها , فترويج الإشاعات يؤدى غالباً إلى حدوث النكبات والأزمات التى تلحق بالأفراد والجماعات .
وقد تضاعفت خطورة الإشاعات مع التقدم التكنولوجى والثورة الهائلة فى عالم الإتصالات , فقد ساهم ذلك أيما إسهام فى سرعة وسهولة إنتقال المعلومات عن ذى قبل , لذلك فقد أضحى تصديقها أكثر شراً وأسواء مصيراً ,
وقد عاين العالم كله الأزمة الإقتصادية التى شاهدتها البورصات الإمريكية التى نتجت عن إشاعة .
لذلك قال الله تعالى : " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ " { الاسراء : 36 } , وقال تعالى أيضاً : " " مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " { ق : 18 } , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل سمع " [14] , فقد إعتبره الرسول صلى الله عليه وسلم كذاب .
تجنب الحلف بغير الله :-
القسم تعظيم للمقسم به , ولا يجوز للمسلم أن يعظم غير الله تبارك وتعالى لذلك نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحلف بغير الله .
عن إبن عمر – رضى الله عنهما – أنه أدرك عمر بن الخطاب فى ركب وهو يحلف بأبيه فناداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفاً فليحلف بالله وإلا فليصمت " [15] .
البعد عن التملق والمداهنة :-
من الناس من يتلون , فيأتى هؤلاء بوجه ولسان وهؤلاء بوجه ولسان آخران , فهو سلوك بغيض وخلق كريه , مذموم صاحبه عند الله ورسوله والناس أجمعين ,
لأنه يمتثل بسلوك يتنافى مع الأمانة والصدق والإخلاص أى صفات المؤمنين الربانيين , ففى مثلهم قال الله تعالى: " يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا " { النساء : 108 } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجدون الناس معادن : خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الاسلام إذا فقهوا , وتجدون خيار الناس فى هذا الشأن أشدهم له كراهية , وتجدون شر الناس ذا الوجهين , الذى يأتى هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه " [16] .
قال القرطبي إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متملق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس وقال النووي هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل على الاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مداهنة محرمة ,
قال فأما من يقصد بذلك الإصلاح بين الطائفتين فهو محمود , وقال غيره الفرق بينهماأن المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل إليه ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح والمحمود أن [17]
وعن محمد بن زيد أن ناساً قالوا لجده عبدالله بن عمر – رضى الله عنهما - : إنا ندخل على سلاطيننا فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم , قال : كنا نعد هذا نفاقاً " [18] .
قل للذى لست أدرى مـن تلونه
أنا صـح أم على غش يناجيـنى
إنـى لأكثر مما سمتنى عــجباً
يد تشجع وأخرى منك تأسونـى
تغتـابنـى عند أقوام و تمدحنى
فى آخرين وكل عنك يأتـيـنـى
هذان شيئان قـد نافيت بينهما
فاكفف لسانك عن شتمى وتزينـى
ما يفعله من اشتمل كلامه على منهى عنه :-
يتعامل الإسلام مع البشر من منطلق عدم العصمة , واحتمال الخطأ ومن ثم فقد وجه المخطأ إلى ما يصلحه حتى لا يتمادى فى خطئه ويصعب معه التغاضى عن الخطأ ,
ومن هنا إذا تكلم شخص بحرام , فليستعذ بالله من الشيطان فإنما هو نزغ منه , قال تعالى : " وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " { فصلت : 36 } , وبعد الاستعاذه يبادر بالتوبه والاكثار من الاعمال والاقوال الصالحه , قال تعالى : " أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ " { آل عمران : 136 } , وقال صلى الله عليه وسلم : " من حلف فقال فى حلفه : باللات والعزى فليقل : لا إله إلا الله , ومن قال لصاحبه : تعال أقامرك فليتصدق " [19] , وقال تعالى : " إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ " { هود : 114 } .
وللتوبه أركان : أن يقلع عن المعصيه , وأن يندم عليها , وأن يعزم على ألا يعود إليها , ولو تعلق الذنب بحق آدمى فلابد من البراءة منه .
-------------
للفايدة