عرض مشاركة واحدة
قديم 07-04-2014, 10:36 AM   #36
عذبة الاوصاف
مشرفة مجلس الامارات
مشرفة القسم الرياضي
 
الصورة الرمزية عذبة الاوصاف
 







 
عذبة الاوصاف is on a distinguished road
افتراضي رد: (( مقـــــالات أماراتية محلية يومية في شتى المجالات ))

الصوفيون الجُدد...


بقلم/ عوض بن حاسوم الدرمكي/ جريدة البيان الاماراتية


لبعض البشر هوسٌ غريب بالغيبيات وأمور ما يسمى بما وراء الطبيعة، فتجده في تلك الأحايين يلوي أعناق الحقائق والـمُسلّمات ويبالغ بصورةٍ لا منطقية في وضع تفاسير خارجة عن المألوف لبعض الوقائع.


ولن أذهب بعيداً عندما أذكر ذلك التفسير العجيب الذي خرج بُعيد اختفاء الطائرة الماليزية أخيراً والذي أكد أن الطائرة مرّت على منطقة غامضة يوجد بها نقاط جذب كونية شبيهة بالثقوب السوداء المنتشرة في الكون الفسيح، تجذب كل ما يمر بها وتنقله لعالمٍ موازٍ كما هو الحال نفسه في مثلث برمودا!
ليس الأمر بجديد، فطيلة التاريخ البشري كان الناس يُقدّسون كثيراً من الظواهر التي لا يعرفون حقيقتها أو يخشون وطأتها عليهم، ووصل الأمر بهم لعبادة النار والشمس والكواكب والرياح بل وحتى الشيطان "ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور".


ولأن البشر يختلفون في فهم الأمور واقتناص ما يخفى على الكثيرين فقد انتهز البعض خصلة القصور البشري هذه للحصول على مكاسب شتى، فخرج الكهنة وقارئوا المستقبل وأصحاب التنبؤات والذين ما زالت بضاعتهم رائجة، ففي فترات الضعف النفسي التي تنتاب البشر من حينٍ لآخر لا يجد الكثيرون منهم مفراً من البحث عن شيءٍ من الطمأنينة باللجوء لهؤلاء والذين فُتِح لهم ما لم يُفتَح لغيرهم.


من انحراف إحدى فئات هذه الطائفة الانتهازية والموجودة بيننا والتي تُعرَف بالصوفية أنهم يُقسّمون الدين إلى شريعة وحقيقة، فالشريعة هي العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده وهو أمر يخص العامّة "يعني حضراتنا"، أمّا الحقيقة فهي سر الدين وجوهره و ُبّه وهو ما وراء تلك القشور والتي يقصدون بها العبادات وفروض الشرع والعياذ بالله، وهو أمر اختُصَّ به "حضراتهم" فقط.


ويستشهد خواص الصوفية وأقطابهم بالآية القرآنية: "واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين"، فمن وصل مرحلة اليقين بزعمهم فقد سقطت عنه التكاليف الشرعية، رغم أن اليقين المقصود في الآية الكريمة هو الموت، ولكنه الانحراف الذي لا يفتأ يتفتّق في عقول بعض الأفاقين!


من المبررات التي يسوقها هؤلاء الصوفية أيضاً للتدليل على وجود ظاهر وباطن للدين قصة موسى عليه السلام والخضر، ففي الحالات الثلاث مِن قَتْل الغلام وإفساد السفينة والإحسان للقرية المسيئة لهم كان الظاهر خطأً محضاً ولكن التفسير اللاحق دلّ على الخير "المخبوء" خلف تلك التصرفات "العاصية"، والرد على ذلك الافتراء بيّنه شيخ الإسلام ابن تيمية بأنّ موسى قد أتاه الأمر من رب العالمين بمرافقة الخضر.


وأكد ذلك الخضر نفسه بقوله: "وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً"، فهنا أمرٌ من الله تعالى بفعل ذلك وليس قدرةً نسبها الخِضر لنفسه، أما ما ادّعاء الصوفية بعلم ما يخفى عن العامّة فما هو إلا انحراف.


هذا الفكر المنحرف وهرطقات الصوفية وأحاجي قارئي الطالع بدأت تغزو عالم المؤسسات أيضاً لكونها جزءاً من الكيان البشري الذي لا ينفك يتأثر بما يجري في العالم الكبير حوله، وعمامة الصوفي أو خِرقته البالية أو كرة البلّور السحرية انتقلت لتصبح في بعض مكاتب المديرين.


وتستطيع تبيّن ذلك عندما تتفاجأ بترقية فاشل "لا يهش و لا ينش" وإغفال من هم أكثر تميزاً منه وأغزر إنتاجية وأعلى انضباطية في العمل، وعندما تسأل عن سبب ذلك القرار الصادم للمنطق تأتِك الإجابة الصوفية المعتادة: "المدير يشوف شيء أنتو ما تشوفونه"!


كيف بالإمكان فهم ذلك؟ ما الذي يراه المدير ولا يراه الآخرون؟ وما الذي يبدو له أمرٌ جيد بينما كل مؤشرات العمل الملاحَظة والتي يمكن قياسها تقول بملء فيها إنه خطأ؟ والأهم من ذلك ما هي الرسالة التي تصل للجميع من تلك القرارات التي لا تستند لمنطق ولا تقوم على حقائق واضحة؟


إنّ العمل المؤسسي يقوم على رؤية واضحة وأهداف ممكنة القياس وإجراءات عمل لا بد من اتباعها وصولاً لتحقيق تلك الأهداف ويوازي ذلك - وجوباً - آليات متابعة وتقييم لمنع أي انحراف عن المسار وتحسين أي إجراء يُشكّل عنق زجاجة أو عامل تأخير، وحيثما يمّمنا أنظارنا شطر المؤسسات الناجحة لدينا أو حول العالم لن نجد من ضمن تلك المنهجيات أو آليات العمل ما يقال عنه "المدير يشوف شيء ما تشوفونه".
فالموهوب الناجح تؤيده الأرقام وتشهد له إنجازاته وهو ما يجب أن "يشوفه" سعادة المدير، بينما الفاشل أو السلبي فعدم انضباطه وإنتاجيته الهزيلة وكون وجوده من عدمه واحد فهي أمور لا تحتاج لعبقرية حتى يعرف الجميع أنه عالة على المؤسسة ولا يمكن بحال أن يقتنع أحد أن سعادة صاحب الكرة البلورية "يشوف شيء محد يشوفه غيره".


وإن سكت الموظفون فسكوتهم ربما يكون خوفاً أو بُعداً عن مزيد من الصدمات والقرارات العجيبة التي تصدر من ذات الشخص لتبرير قراره المغلوط وهو ما يعرف إدارياً بـكُلفة القارب الغارق The sunken boat cost عندما يعمد المدير لاتخاذ قرارات لاحقة تؤيد أو تصب في مصلحة قرار سابق خاطئ!
إنّ غياب منهجيات التقييم الفعّالة للقائمين على المؤسسات هو ما يسمح بمثل هذه التجاوزات، وهي تجاوزات تبني ثقافة مؤسسية سيئة وطاردة للمواهب، وكلما تم التساهل أو التغافل عن جزئية التقييم كلما ضربت الثقافة المريضة بجذورها في أوصال المؤسسة وحينها يصعب العلاج وتتألق الكرة البلورية أكثر!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
عذبة الاوصاف غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس