عرض مشاركة واحدة
قديم 15-04-2014, 11:03 PM   #6326
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

المعروف حارس
بسم الله الرحمن الرحيم
إن دروب الخير كثيرة، وحوائج الناس متنوعة؛ فإطعامُ جائعٍ، وكسوةُ عارٍ، وعيادةُ مريضٍ، وتعليمُ جاهل، وإنظارُ معسر، وإعانةُ عاجز، وإسعافُ منقطع، وطرد همٍ عن مسلم، وإزالة غم عن مغموم، وكفالة يتيم، ومواساةُ أرملة، وإكرام عزيز قومٍ ذلَّ، وشكرٌ على إحسان، ومغفرةٌ للإساءة، وسعيٌ في شفاعة حسنة يُفك بها أسير، ويُحقن بها دمٌ، ويُجرُّ بها معروف وإحسان؛ فهذه أعمال البر والإحسان مجتمعة في:" صنائع المعروف ".
فالمعروف هو:فعل الخير، وإسداؤه للخلق، سواء كان هذا الخير مالاً، كالصدقة والإطعام، وسقاية الماء، وسداد الديون؛ أو كانت جاهًا كما فيالإصلاح بين المتهاجرين، والشفاعةِ، وبذلِ الجاه، أو تكون عِلماً، كتعليمه للجاهل، وبذله للسائل، أو سائر المصالح التي يحتاجهاالناس، كحسن المعاملة، وإماطة الأذى، وعيادة المرضى إلى غير ذلك،
فهذا كله من صنائع المعروف.
يقول صلى الله عليه وسلم :«صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضِبَ الرَّبِّ» أخرجه ابن زنجويه في الأموال(2/760)، و الطبراني في المعجم الكبير(8/261) عن أبي أمامة رضي الله عنه.
في هذه القصة كان المعروف فيها حارسًا لصاحبه، والإحسان حاجبًا له من سوء مصرعه،
يُذكر أَنَّ رجلاً يُسمَّى ابن جدعان، كان رجلاً غنيًا وذو عيال، وكان له ثلاثة من البنين، يقول: خرجت في فصل الربيع، وإذا بي أرىإبلي سِمَان، يكاد الربيع أن يفجُّر الحليب من ثديها، وكلما اقترب ابن الناقة من أمه درَّت عليه، وانهال الحليب منها لكثرة الخير والبركة، قال: فنظرت إلى ناقة وابنِهَا، وكانت من أحب نياقي إليَّ، وتذكَّرتُ جاراً لي له بُنَيَّات سبع، فقير لا مال ولا حال، فقلت: والله لأتصدقنَّ بهذه الناقة وولدها عليه، وعندها تذكرت قول الله عز وجل:{ لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:92]؛
فأخذتها وابْنَها، وطرقت الباب على جاري، وقلت: خذها هدية مني لك، فرأيت الفرح في وجهه لا يدري ماذا يقول، فكان يشرب من لبنها ويحتطب على ظهرها، وينتظر وليدها يكبر ليبيعه، وجاءهمنها خيرٌ عظيم، وأَغْنَاه الله بها.
فلما انتهى الربيع وجاء الصيف بجفافه وقحطه، تشققت الأرض، وجف الضرع، وبدأ البدو يرتحلون يبحثون عن الماء في الدحول - والدحول هي حفر في الأرض تُوْصِلُ إلى محابس مائية، أو أقبية مائية تحت الأرض، له فتحات فوق الأرض يعرفها البدو -
يقول: فدخلت في دحْلٍ منها حتى أُحْضِر الماء لنشرب، وكان أبناؤه الثلاثة خارجالدِّحل ينتظرونه،
فَتَاه تَحْتَ الأَرْضِ، ولم يَعْرِف الخروج، وانتظر أبناؤهيوماً ويومين وثلاثة حتى يئسوا؛ قالوا: لعل ثعبانًا لدغه فمات، أولعله تاه تحت الأرض وهلك،
وكانوا - عياذاً بالله - ينتظرون هلاكه طمعًا في تقسيم المال والحلال، فذهبوا إلى البيت وتقاسَموا ماله، وتذكروا وهم يَقْتَسِمُون أن أباهم قدأعطى ناقة لجارهم الفقير.
فذهبوا إلى جارهم وقالوا له: أعد الناقة لنا،وخذ هذا الجمل مكانها، وإلا سنسحبها عِنْوَة الآن، ولن نعطيك شيئًا؟
قال: اذهبوا عني، أو لاشتكينكم إلى أبيكم. قالوا: اشتك إليه، فإنه قد مات !!
قال: مات!!كيف مات؟ وأين مات؟ ولِم لم أعلم بذلك؟
قالوا: دخل دِحلاً في الصحراء قبل أسبوع ولم يخرج منه، وقد هلك.
قال: ناشدتكم الله اذهبوا بي إلى مكان الدِّحل، ثم خذوا الناقة، وافعلوا ما شئتم ولا أريد جملكم،
فذهبوا به، فلما رأى المكان الذي دخل فيه صاحبه الوفيّ، ذهب وأحضر حبلاً،وأشعل شمعة، ثم ربط نفسه خارج الدِّحْل، ونزل يزحف على قفاه حتى وصلإلى أماكن ضيقة، يجد شدة في الزحف فيها، لكنه مضى ولم يجده.
ثم عاد في اليوم الثاني، وفعل مثل ما فعل في اليوم الأول، ولكنه - كذلك - لم يجده،
وعاد في اليوم الثالث، وأخذ يزحف ويبحث في مكان أعمق، وعند زحفه شم رائحة رطوبة تقترب منه،
وإذا به يسمع أنين الرجل عند الماء، فأخذ يزحف تجاهالأنين في الظلام، ويتلمس الأرض، فوقعت يده على الطين،
ثم وقعت يده على الرجل فوضع يده على أنفاسه، فإذا هو حي يتنفس بعد ما يقرب من أُسبوع، فقام وجرّه، وربطعينيه حتى لا تنبهر بضوء الشمس،
ثم أخرجه معه خارج الدِّحل، وَمَرَسَ له التمر وسقاه، وحمله على ظهره، وجاء به إلى داره، ودبت الحياة في الرجل من جديد - وأولاده لا يعلمون -، فقال: أخبرني بالله عليك ما يقرب من أُسبوعٍ وأنت تحت الأرض ولم تمت؟!
قال: سأحدثك حديثًا عجبا، لما نزلت ضِعْتُ، وتَشَعَّبِت بي الطُرُق، فقلت: آوي إلى الماء الذي وصلت إليه، وأخذت أشرب منه، ولكن الجوع لا يرحم، فالماء لا يكفي،
يقول: وبعد ثلاثة أيام، وقد أخذ الجوع مني كل مأخذ، وبينما أنا مستلق على قفاي، قد أسلمت وفوضت أمري إلى ربي، وإذا بيأحس بدفء اللبن يتدفق على فمي،
يقول: فاعتدلت في جلستي، وإذا بإناء فيالظلام لا أراه، يقترب من فِيَ فأشرب حتى أرتوي، ثم يذهب، فأخذيأتيني ثلاث مرات في اليوم، ولكنه منذ يومين انقطع، وما أدري ما سبب انقطاعه؟
قال: فقلت له: لو تعلم سبب انقطاعه لتعجبت.
قال: بالله عليك قل لي ما هو؟
قلت له: ظنَّ أولادكأنك مِت، وجاءوا إلي وسحبوا الناقة التي كان الله يسقيك منها، والمسلمفي ظل صدقته.
قال: هذا إذن؟! قال: قلت: نعم، قال: الحمد لله الذي نجاني بحسن معروفي إليك.
ولما عاد الرجل إلى بيته اندهش أبناؤه من عودته،فجمعهم وقال لهم: أخسئوا, لقد قسمت مالي نصفين, نصفه لي, ونصفه لجاري.
فيا سبحان الله كيف أن الله وقاه بمعروفه إذ نجاه من الْهَلَكَةِ، ثم سَخَّرَ له هذا الرجل ليكون أَقْرَب إليه من أبنائه، واحرص عليه منهم، فبمعروفه نجاه الله من مَكْرُوْبِه، وبإِحْسَانِه نفعه الله بِرَفِيْقِه.
ألا فإن صنائع المعروف هي وقاية للعبد من سوء المصرع، وإطعام الجائع وقاية له من ميتة السوء؛ ألا فسابقوا - عباد الله - للمعروف، وكونوا له باذلين، ولأهل الحق مناصرين، ولأولياء الله محبين.
صاحب المعروف محروسٌ بمعروفه، ومكلوءٌ بإحسانه، ومُحَصَّنٌ من سوء المصرع ببره، وهذا ما كانت تفهمه أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها - لما جاءها النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن التقى بجبريل - عليه السلام - في أول لقاء له به في غار حراء، وما حصل له - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك من هول هذا الأمر، مما أدى به إلى الخوف الشديد الذي ما تمالك - صلى الله عليه وسلم - نفسه حتى جاء إلى خديجة - رضي الله عنها - وهو يقول: « زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي » فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ:« لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي »؛ فجاءت إجابة خديجةَ - رضي الله عنها - وضعًا للنقاط على الحروف، وبيانًا لسنة الله - عز وجل - في عباده أهل المعروف،
فقالت: كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ. متفق عليه.
فهذه صنائع المعروف لكم مُيَسَّرة، وأبواب الخير لكم مُشْرَعة، فهل أنتم للصنائع فاعلون، وللمعروف باذلون، ولأبواب الجنة طارقون، ولها مسارعون، وفي السير إليها مسابقون، فمن كان كذلك كان له وعدٌ بالسلامة من سوء المصرع، وعاقبة السوء.
اللهم فاجعلنا للمعروف باذلين، وللخير مسابقين، وعن السوء مصروفين، وبحسن العاقبة اختم لنا يا رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
-------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس