الدَّارِ الْفَانِيَةِ؟! أم الدار الباقية؟!
الدَّارِ الْفَانِيَةِ؟! أم الدار الباقية؟!
امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ مُسْلِمَةً عَابِدَةً صَالِحَةً ابْنَةَ مَلِكٍ
مِنَ الْمُلُوكِ تَقَدَّمَ لِخِطْبَتِهَا رَجُلٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ
بِهِ ثُمَّ قَالَتْ الِجَارِيَةٍ لَهَا: انْطَلِقِي وَالْتَمِسِي لِي رَجُلاً وَرِعًا،
زَاهِدًا نَاسِكًا فَقِيرًا.
فَانْطَلَقَتِ الْجَارِيَةُ فَوَجَدَتْ فَقِيرًا عَابِدًا وَرِعًا، فَجَاءَتْ بِهِ
إِلَى مَوْلاتِهَا.
فَقَالَتْ لَهُ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِي ذَهَبْتُ مَعَكَ إِلَى مَنْْ
يَعْقِدُ نِكَاحِي عَلَيْكَ.
فَفَعَلَ فَعَقَدُوا النِّكَاحَ، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ: انْطَلِقْ بِي إِلَى أَهْلِكَ.
فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ إِلاَّ هَذَا الْكِسَاءَ الَّذِي عَلَى ظَهْرِي
هُوَ دِثَارِي بِاللَّيْلِ وَلِبَاسِي بِالنَّهَارِ.
فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ رَضِيتُ بِكَ عَلَى ذَلِكَ.
ابْنَةُ الْمُلُوكِ تَقُولُ لِلْفَقِيرِ الْوَرِعِ رَضِيتُ بِكَ عَلَى ذَلِكَ،
وَكَانَ يَكْسَبُ بِالنَّهَارِ وَيَأْتِيهَا بِاللَّيْلِ بِمَا تُفْطِرُ عَلَيْهِ،
وَلَمْ تَكُنْ تُفْطِرُ بِالنَّهَارِ بَلْ تَصُومُ تَطَوُّعًا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَكَانَ إِذَا أَتَاهَا بشيء أَفْطَرَتْ عَلَيْهِ وَحَمِدَتِ اللَّهَ تَعَالَى
عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثم قَالَتْ: الآنَ تَفَرَّغْتُ لِلْعِبَادَةِ.
فَلَّمَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ لَمْ يُفْتَحْ عَلَيْهِ بشيء يَأْتِيهَا بِهِ، فَفَزِعَ
مِنْ ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ: زَوْجَتِي جَالِسَةً فِي بَيْتِهَا وَهِيَ صَائِمَةٌ تَنْتَظِرُ أَنْ ءَاتِيَهَا
بشيء تُفْطِرُ عَلَيْهِ، فَقَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَدَعَا رَبَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى وَقَالَ: يَا رَبّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي مَا أَسْأَلُكَ لِدُنْيَايَ
وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِرِضَا زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي رِزْقًا
مِنْ لَدُنْكَ فَإِنَّكَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}
قَالَ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ لُؤْلُؤَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فَأَخَذَهَا وَذَهَبَ
بِهَا
إِلَى امْرَأَتِهِ، فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيْهِ رَاعَهَا ذَلِكَ.

وَقَالَتْ لَهُ: مِنْ أَيْنَ أَتَيْتَ بِهَذِهِ اللُّؤْلُؤَةِ الَّتِي لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطُّ
عِنْدَ أَهْلِي؟!
فَقَالَ لَهَا: طَلَبْتُ الْيَوْمَ قُوتًا فَلَمْ يُفْتَحْ لِي بشيء فَدَعَوْتُ
رَبِّي سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَرَزَقَنِي هَذِهِ اللُّؤْلُؤَةَ مِنَ السَّمَاءِ.
فَقَالَتِ: ارْجِعْ إِلَى مَكَانِكَ الَّذِي دَعَوْتَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ فَابْتَهِلْ
إِلَيْهِ وَاسْأَلْهُ وَقُلْ: اللَّهُمَّ سَيِّدِي وَمَوْلايَ إِنْ كَانَ هَذَا شَيْئًا رَزَقْتَنَا
فِي الدُّنْيَا فَبَارِكْ لَنَا فِيهِ، وَإِنْ كاَنَ مِمَّا ادَّخَرْتَهُ لَنَا فِي الآخِرَةِ
الْبَاقِيَةِ فَارْفَعْهُ،
فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ، فَرُفِعَتِ اللُّؤْلُؤَةُ، فَرَجعَ
إِلَيْهَا فَأَخْبَرَهَا بِذَلِكَ.
فَقَالَتْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَرَانَا مَا ادَّخَرَ لَنَا فِي الآخِرَةِ،
ثُمَّ قَالَتْ: لا أُبَالِي الآنَ أَنْ لا أَقْدِرَ عَلَى شيء مِنْ هَذِهِ الدَّارِ
الْفَانِيَةِ، وَشَكَرَتِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ.
--------
للفايدة