ها هو شهر رمضان قد ودعنا فماذا بعد رمضان
/
(1) الرسالة الأولى : " إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ "
/
ها هو شهر رمضان قد ودعنا
وصعد إلى الله تعالى بأعمالنا , وقد سبق فيه من سبق ,
وفاز فيه من فاز , وخسر فيه من خسر ,
فمن المقبول فنهنيه ومن الخاسر فنعزيه ؟ ,
فالله تبارك وتعالى لا يتقبل إلا من المتقين المخلصين, قال تعالى:
{ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}
(27) سورة المائدة.
خرج عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-
في يوم عيد الفطر فقال في خطبته:
أيُّها الناس صُمتمْ للهِ ثلاثينَ يوماً ،
وقُمتمْ ثلاثينَ ليلةً ، وخرجتم اليوم تطلبون
من الله أنْ يَتَقبَّلَ منكم ما كان ! .
وكان بعضُ السلفِ يَظْهَرُ عليه الحزنُ يومَ عيدِ الفطرِ ،
فيُقَالَ له : إنَّه يومُ فرحٍ وسرور ، فيقول :
صَدَقْتُمْ ؛ ولكني عبدٌ أمرني مولاي أنْ أعملَ لَهُ عملاً ،
فلا أَدْرِي أَيْقبَلُهُ مِنِّي أَمْ لا ؟.
غدا توفى النفوس ما كسبت / و يحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم / و إن أساءوا فبئس ما صنعوا
قال ابنُ رجب رحمه الله :
لقد كان السلفُ رحمهم الله يَدْعُون الله ستةَ أشهرٍ
أنْ يُبلّغهم شهرَ رمضان ،
ثم يَدْعُون الله ستةَ أشهرٍ أنْ يَتقبَّله منهم .
( 2 ) الرسالة الثانية : " وَلَا تَرْتَدُّوا
عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ"
/
إن من أعظم الجرم , وإن من أكبر الخسران
أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً
وأن يبدد المكاسب
التي يسرها الله عز وجل في هذا الشهر الكريم ،
وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً وبعد المسارعة إلى الخيرات
مهاجراً وبعد عمران المساجد بالتلاوات
والطاعات معرضاً ؛
فإن هذه الأمور لتدل على أن
القلوب لم تحيا حياة كاملة بالإيمان
ولم تستنر نورها التام بالقرآن ,
وأن النفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة ,
وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً
وأن التعلق بالله عز وجل لا يزال واهناً لأننا أيها الإخوة
على مدى شهر كامل دورة تدريبية
على الطاعة والمسارعة
إلى الخيرات والحرص على الطاعات ودوام الذكر
والتلاوة, ومواصلة الدعاء والتضرع والابتهال
والمسابقة في الإنفاق والبذل والإحسان
ثم ينكس المرء بعد ذلك على عقبه .
فاحذروا - من العودة إلى المعاصي
وإلى الغفلة والانتكاسة بعد الهداية ,
والاعوجاج بعد الاستقامة, يقول تعالى :
" وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ
(21) سورة المائدة
.( 3 ) الرسالة الثالثة : "
أحب الأعمال إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ"
/
الله تعالى بحكته ورحمته لم يكلف الناس من العبادات
والطاعات والتشريعات ما لا يطيقون ,
بل كلفهم بما يستطيعونه ويقدرون عليه , قال تعالى : "
لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ
وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ
إن الكثير منا ليشعر بالتقصير
ويؤنبه ضميره دائما لتقصيره في العبادات
والتقرب من الله الطاعات فتأتيه مشاعر صادقة
بعد موجة الندم تلك فنجده
قد التزم بالأعمال الصالحة الكثيرة ,
فهو قد ألزم نفسه بالصوم المتواصل
والقيام الدائم والذكر الكثير ,
حتى إنه يملاْ أيامه الأولى كلها
بتلك الأعمال الصالحة ،،
ولكنه وللأسف ما إن يمضي بعض الوقت
إلا ونجده قد خفت همته
وبدأ حماسه يقل ,وهذه آفة قد تعتري البعض منا ,
فما يأتي فجأة يذهب فجأة كما قيل،
وهنا يقال لا ينبغي لمن كان يعمل صالحاً أن يتركه؛
وليحرص على مداومته لتلك الأعمال الصالحة
ولو كانت تلك الأعمال قليلة ,
فقليل دائم خير من كثير منقطع .
والمداومة على الخير
وإن كان قليلاً أفضل عند الله تعالى
من تركه بالكلية , فلرب شق تمرة تنقذ صاحبها
من غضب الجبار , ومن دخول النار ,
وأخيراً –
لا تقل من أين ابدأ؟ * * * طاعة الله البداية
لا تقل أين طريقي؟ * * * شرعة الله الهداية
لا تقل أين نعيمي؟ * * * جنة الله الكفاية
لا تقل في الغد ابدأ * * * ربما تأتي النهاية
اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ،
أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ،
أو استأثرت به في علم الغيب عندك
أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا ،
ونور صدورنا ، وجلاء آحزاننا،
وذهاب همومنا ,
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك , وحسن عبادتك .
-------------
همس الذكريات / بلخزمر