أشــــــــراقـــــــة
هزة الشوق إلى الله وما وعد به ،أن ألمت بشكل عارض بين الوقت والوقت ، فشيء طيب ،
ويبقى على الإنسان أن يسعى جاهداً :ليطيل أمد هذه الهزة ، شيئاً فشيئاً حتى تتعاظم في قلبه ، وتغمر أجواء روحه .أما الذين يجدون هذه الهزة من القوة ، بحيث تبقى وتبقى آثارها لفترات تطول ، فهؤلاء هم المتميزون حقاً ..
وينتصب السؤال هاهنا : كيف السبيل إلى توليد هذه الهزة في قلوبنا .؟ مولد الكهرباء يستمد منه الناس أنوار بيوتهم وشوارعهم،فتضاء حين يصلون إلى ذلك المولد بسبب ..كذا _ ولله المثل الأعلى _ رحمة الله سبحانه ، هي المولد الأعظم ، وعلى الإنسان أن يصل إليها ، بسبب من :دعاء وانكسار وافتقار وضراعة ، ودموع وبكاء ...فإذا نجح في ذلك ، استنار قلبه ولابد ..!
قال بعض السلف : الذكر ذكران : فذكرُ الله عز وجل باللسان حسن ، وأفضل منه أن تذكر الله عندما تشرف على معاصيه .
طريق إشراق الروح ، وتنعمها بهذه الإشراقة ،ليس هذا الطريق سهلاً ولا ميسوراً ، لا سميا في بداياته ، فما أشق هذه البدايات على نفس لم ترتض على هذا الصعود ،
لكن هذه المشقة تفضي :إلى روح وريحان ، وسكينة قلب ، وسعادة روح ، وطمأنينة نفس ، وهي ثمرات كبيرة تستحق عناء البداية ، ومشاق أول الطريق ، وعلى السائر في هذا الطريق أن يتذكر :أنه لا شيء يأتي مجاناً ، بل كل ثمين ، يحتاج إلى جهد أكبر .. التنويع في الإثارة ، يجدد الرغبة ، ويولد الشوق ، ويطيل أمد المتعة ..!هذه قاعدة قد تنسحب على أمور كثيرة في حياة الإنسان ودوائره ، لو كان يعقل !!
وتتميماً لهذه القاعدة نقول :إن العمل عندما يجري دائماً على وتيرة واحدة ، قد يفضي إلى الملل والسآمة ، ولا يكسر هذا الملل ، ويبدد هذه السآمة ، إلا التنويع !
احرص على أن لا تبقى مراوحاً في مكانك ، في تعاملك مع الله ..!المربع الذي كنت فيه البارحة هو عين المربع الذي أنت فيه اليوم ، هو نفس المربع الذي ستكون فيه غداً ..!كلا ، اجهد جهدك أن تتقدم ولو قليلا في كل يوم ، فإن من استوى يوماه فهو مغبون !
احرص على أن تجعل يومك خيراً من أمسك ، وغدك خيرا من يومك ..!بهذا ومثل هذا ونحو هذا ، تكون متميزاً ..
لا تجعل نفسك أرضاً منخفضة ً ! بل احرص على أن تسمو بها لتكون مترفعة دوماً ..المنخفضات تجلب إليها أقذار الناس !القمم وحدها هي التي تعانق السحاب ، وتصافح السماء !فاختر لنفسك كيف تكون ..! غير أني أربأ بك أن تكون منخفضا !!
عندما تخطئ ، لا تبادر فتلقي باللائمة على غيرك ، أو تسعى لتبرير الخطأ ..إن الاعتراف بالخطأ لون من ألوان الشجاعة العالية .ثم يأتي الحرص على تصويب الخطأ ، و الحذر من الوقوع مرة أخرى فيه .
ذكر نفسك دائماً : أن الناس ليسوا قالباً واحداً ، فإذا حكمت على أحدهم ينسحب حكمك على الآخرين .. كلا .. كلا، بل لكل إنسان نسيجه الخاص به ، بل الأمر فوق ذلك : شخصية الإنسان ذاتها أشبه ما تكون بصفحات متعددة ، لا تزال تتقلب ، وتتبدل ولا تكاد تستقر ..! فلا تستعجل الأحكام ..!
تذكر أن قدر الله غالب نافذ ، بل تذكر أن اختيار الله لك خير من اختيارك ، ولكن عليك أن تأخذ بالأسباب المتاحة ، وتجهد نفسك فيها ، ثم سلم الأمر إلى رب البشر ، في ثقة واطمئنان ..ولله در القائل : سلّم الأمر إلى رب البشرْ
واترك الهم ودع عنك الفكر
لا تقل فيما جرى :كيف جرى
كل شيء بقضاء وقدر
بحكم الطبيعة البشرية فيك لابد أن تتعثر في سلسلة أخطاء وخطايا ،طالما أنت تحاول وتعمل ، وتجتهد أن تسير سيراً صحيحاً ، فالذين لا يخطئون هم أولئك الذين لا يعملون أصلا ..!ومن ثم فإن الخطأ قرين العمل ، وقرين المحاولة وبذل الجهد ، من هنا فليس العيب أن تخطئ ،
بل العيب كل العيب أن لا تعمل أصلاً بدعوى التخوف من الوقوع في الخطأ ،ومن نقد الآخرين !كما أن العيب كل العيب كذلك ، أن ترابط في دائرة الخطأ والزلل ، ولا تسعى للخروج من هذه الدائرة المفخخة ..فيظل مؤشر الخطأ لديك مرتفعاً باستمرار.· ( هذا هو الربيع ، موسم الحياة ، ومحفل الجمال
ومعرض الأكوان تختال فيه الرياض بما لبست من ثياب ناضرة زاهية
وتترنح فيه الأغصان بما طربت من أغاني الطيور الصادحة
يرون العين بأزهاره البديعة ، وألوانه الجميلة ..تجلى فيه الطبيعة كما تجلى العروس ، فتختال وتتبرج ، وتتعطر وتتأرج
ترفل في حللها وحليها ، فهو حقاً شباب الزمان
ونموذج الحنان وخلاصة العام ، وصفوة الأيام .... )
يا إلهي !كلما قرأت شيئاً عن الربيع وجماله وبدائعه ، تقفز إلى ذاكرتي مباشرة
صورة هذا القرآن الكريم ومباهجه وأعاجيبه ، وكيف أنه أجمل من كل ربيع ، وأبهج من كل جمال ،ولكنه يحتاج إلى قلوب تقبل عليه ،وعقول تتدبر آياته ، ليصنع بها الأعاجيب ..!·
إذا لم تستوطنك الرغبة في أن تفعل شيئاً ، فلن تفعل ..!إذا لم يصبح هاجساً لديك أن تصل إلى هدف ما تحدده ، فلن تصل أبداً إلا إلى القبر !قرر أن تفعل شيئا لصالح نفسك ابتداءً ، تنجو به عند الله ،ثم امضِ في ثقة مرفوع الرأس ، ولا تيأس ، ولا تحمل هم ماذا ستلاقي في طريقك ،
نعم تهيأ لكل احتمال ،ولكن واصل رغم كل الظروف الجوية من حولك .!· قد تنتزع عضواً من إنسان ،لكن من المحال أن تنتزع جزءاً من روحه !الروح إما أن تكون وإما أن لا تكون ، ولا ثالث بينهما .!وعلى هذا ،إذا امتلأت روحك باليقين في الله ، والثقة به سبحانه
فإن تفصيل جسد المؤمن بالمقاريض
لن يزحزحه قيد أنملة عما يعتقده
بل ربما زاده ذلك صلابة وثباتاً ومضاء ..!· قد يكون الإنسان في حضن الشيطان تماماً
ومع هذا يحسب أنه بمنجاة منه ! ..أحسب أن هذا أضحوكة الشيطان ، وهو يحسب أنه يحسن صنعا!
الله سبحانه يطالبنا بالفرار إليه ، فالمطلوب أن نبقى في حالة فرار دائم إلى ربنا سبحانه ، هو مولانا ، وسيدنا ، وحبيبنا ..وليس لنا من ملجأ ولا منجى سواه .. فتن الدنيا _ وما أكثرها _ :الأصل أن تجعلنا في حالة فرار دائم إلى رحاب الله لينقذنا منها ..! نفوسنا الأمارة بالسوء وهي تضغط علينا بعنف ، الأصل أن تجعلنا في حالة فرار مستمر إلى الله سبحانه ليعصمنا من شرورها ! الشيطان ووساوسه _ وما أكثرها _ الأصل :أن تجعلنا في حالة فرار لا ينقطع لحظة في ليل أو نهار
إلى ربنا ومولانا ، ليخلصنا من شروره ..!
كما يحتاج بدنك إلى تغذية مستمرة .. كذلك عقلك بحاجة إلى أن تمده بغذاء مستمر ، كذلك قلبك هو الآخر بحاجة إلى غذاء دائم لا ينقطع ، وإلا مات !! .. فاعط كل ذي حق حقه .. بلا إفراط ولا تفريط ..
نفسك لن ترتاض لك ، ولن تُسلم لك زمامها ، إلا من خلال تدريب مكثف ، ومجاهدة مستمرة لها لتستقيم على طريق الجادة ولا تزيغ هنا أو هاهنا !ولا شيء يأتي بلا تعب ..!
المسلم لا يزال يترقى في منازل العبودية لله ، حتى يصل إلى أعلى مقام ..وبالإقبال على الله بصدق ، وفي إخلاص ، وبمجاهدة لنفسك الأمارة ، تصل إلى أن تكون محبوباً لله عز وجل ، وتلك منزلة أعلى من كونك محباً له .. !
فقد قالوا : ليس الشأن أن تحب الله ، إنما الشأن كله ، أن يحبك هو ! فإن وصلت إلى أن تكون كذلك ، فقد أصبحت من أهل ولايته سبحانه ،وأهل خصوصيته .. الذين هم أهله وأحبائه ..! ويبقى عليك بعد ذلك أن تجاهد نفسك ، حتى تبقى في هذا الأفق ، ولا تزل .
كلمة أعجبتني
( ....إذا متنا انكشف الغطاء ، وتجردت أرواحنا فذاقت من اللذات أضعاف أضعاف ، ما تذوق هنا وهي محجوبة في هذه الحياة ! ) نقل العبادات عمل الجوارح ، والمقصود : القلب ..فإذا صحت العبادة ، وجاءت على وجهها :
استنار القلب شيئا فشيئا.وحين يتوهج القلب بالإنارة ، ويتذوق ألواناً من النعيم ، والبهجة..تدفعه هذه المواجيد إلى مزيد من الإقبال على العبادات .. لقد كان يتكلفها ابتداءً ..
أما الآن : فقد أصبح يتعشقها انتهاءً ..نسأل الله أن يذيق قلوبنا حلاوة طاعته ، ولذة الإقبال عليه.. اللهم آمين .
---------------
ابو عبدالرحمن / للفايدة