استجيبـــوا لله ورســــولــــه
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الأنفال: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون. واتقوا فتنة لا تصيبين الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب”.
في هاتين الآيتين الكريمتين يوجه الحق سبحانه وتعالى نداء إلى المؤمنين يأمرهم فيه بالاستجابة لتعاليمه ويحذرهم من الأقوال والأعمال التي تكون سببا في عذابهم ويذكرهم بجانب من نعمه عليهم.
قال القرطبي: قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول” للمؤمنين المصدقين بلا خوف.
وقوله: “لما يحييكم” أي لما يصلحكم من أعمال البر والخير والطاعة التي توصلكم، متى تمسكتم بها، إلى الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا، وإلى السعادة التي ليس بعدها سعادة في الآخرة.
والمعنى: “يا أيها الذين آمنوا” بالله حق الإيمان “استجيبوا لله وللرسول” عن طواعية واختيار ونشاط وحسن استعداد، “إذا دعاكم” الرسول صلى الله عليه وسلم “لما يحييكم” أي: إلى ما يصلح أحوالكم، ويرفع درجاتكم من الأقوال النافعة، والأعمال الحسنة.
والضمير في قوله: “دعاكم” يعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه هو المباشر للدعوة إلى الله، ولأن في الاستجابة له استجابة لله تعالى.
بين المرء وقلبه
وقوله: “واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه” تحذير لهم من الغفلة عن ذكر الله وحب لهم على مواصلة الطاعة له سبحانه.
وقوله: “يحول” من الحول بين الشيء والشيء، بمعنى الحجز والفصل بينهما.
وللمفسرين في معنى هذه الآية الكريمة أقوال متعددة أهمها قولان:
أما القول الأول فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه -كما يقول ابن جرير- انه سبحانه أملك لقلوب عباده منهم، وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء، حتى لا يقدر ذو قلب أن يدرك شيئا من إيمان أو كفر، أو أن يعي به شيئا، أو أن يفهم إلا بإذنه ومشيئته، وذلك أن الحول بين الشيء والشيء إنما هو الحجز بينهما، وإذا حجز -جل ثناؤه- بين عبد وقلبه، لم يكن للعبد سبيل إلى إدراك ما قد منع الله قلبه.
أما القول الثاني فهو أن المراد بالحيلولة بين المرء وقلبه -كما يقول الزمخشري- أنه سبحانه يميت المرء فتفوته الفرصة التي هو واجدها، وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله، ورده سليما كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله.
ويعقب الدكتور محمد سيد طنطاوي -شيخ الأزهر- على هذين الرأيين قائلا: الذي نراه أن القول الثاني أولى بالقبول لأن الآية الكريمة ساقته لحض المؤمنين على سرعة الاستجابة للحق الذي دعاهم إليه رسوله صلى الله عليه وسلم والذي باتباعه يحيون حياة طيبة وتذكيرهم بيوم الحساب وما فيه من ثواب وعقاب. وليست مسوقة لإثبات قدرة الله وأنه أملك لقلوب عباده منهم وأنه يحول بينهم وبينها إذا شاء.
ترغيب وترهيب
والمعنى الإجمالي للآية الكريمة: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول” بعزيمة صادقة وسرعة فائقة “إذا دعاكم” الرسول صلى الله عليه وسلم “لما يحييكم” أي لما به تحيون حياة طيبة من الأقوال والأعمال الصالحة “واعلموا” علما يقينا: “أن الله يحول بين المرء وقلبه” أي يحول بين المرء وبين ما يتمناه قلبه من شهوات الدنيا ومتعها، فكم من إنسان يؤمل انه سيفعل كذا غدا، ثم يحول الموت ويفصل بينه وبين آماله وأمانيه، فبادروا إلى اغتنام الأعمال الصالحة من قبل أن يفاجئكم الموت.
والآية الكريمة قد جمعت بين الترغيب في العمل الصالح بسرعة ونشاط وبين الترهيب من التكاسل والغفلة عن طاعة الله.
ثم يؤكد سبحانه بعد ذلك ترهيبا لهم من التراخي في تغيير المنكر فيقول: “واتقوا فتنة لا تصيبين الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب”.
والمراد بالفتنة هنا العذاب الدنيوي، كالأمراض والقحط واضطراب الأحوال، وتسلط الظلمة وعدم الأمان، وغير ذلك من المحن والمصائب والآلام التي تنزل بالناس بسبب غشيانهم الذنوب.
هذا، وقد دلت الآية الكريمة على وجوب الإقلاع عن المعاصي ووجوب محاربة مرتكبيها، فإن الأمة التي تشيع فيها المعاصي والمظالم والمنكرات ثم لا تجد من يحاربها ويعمل على إزالتها، تستحق العقوبة جزاء سكوتها وجبنها.
------------
للفايدة