وعد الله - تعالى -عباده ألا يضيع عليهم عملاً من أعمال القلوب
أو أعمال الأبدان، طالماً قصدوا به وجهه، وكان موافقاً لشرعه،
ولو كان هذا العمل مثقال ذرّة! بل وعد الله - سبحانه - بمضاعفة
الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
ولا نعلم عملاً من أعمال الخير
والبر يعطى صاحبُه الأجر غير المحدود إلا الصبر،
فقد تواردت النصوص في كتاب الله - تعالى-
وفي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن جزاء الصبر لا حدود له،
ورأس ذلك قول الله - تعالى -
(إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب) سورة الزمر: 10.
وهذه بعض أقوال علماء الأمة في هذه الآية الكريمة:
قال الأوزاعي: ليس يوزن لهم ولا يُكال، إنما يُغرَف لهم غَرْفاً.
وقال ابن جريج: بلغني أنه لا يُحسب عليهم ثواب عملهم قط، ولكن يُزادون على ذلك.
وقال عطاء بن أبي رباح: بما لا يهتدي إليه عقل ولا وصف.
وقال مقاتل بن حيان: أجرهم الجنة، وأرزاقهم فيها بغير حساب
ومما يُنسَب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -:
اصبرْ على مَضَضِ الإدلاج في السَّحَرِ *** وفي الرّواح إلى الطاعات في البكر
إنّي رأيتُ، وفي الأيام تجربةٌ *** للصبر عاقبةً محمودةَ الأثَرِ
وقلَّ من جدَّ في أمرٍ يؤمّله *** واستصحب الصبرَ إلا فاز بالظفرِ
ومما قاله الحكماء:
- الإنسان من غير صبر سراجٌ من غير زيت.
- حلاوة الظفر تمحو مرارة الصبر.
- لولا ثمرات الصبر ما نجح معلم في تبليغ رسالته،
وما أكبَّ عالم على كتاب، ولا سهرتْ أمّ على راحة وليدها،
ولا تكبّد أب مشقة البحث عن لقمة العيش،
وما أمر آمر بمعروف وهو يعلم ما يصيبه من أذى الناس.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الصبر المطلوب من المؤمن
ليس هو القعود والخنوع والذل والاستسلام، بل هو العمل
الجاد الدؤوب، مع ربط القلب بالله وانتظار الفرج والنصر منه
- سبحانه -، وترك التشكّي إلى الخلق.
فالصبر على المرض مثلاً لا يمنع التداوي،
بل قد أمر الإسلام بالتداوي على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(( تداووا عباد الله، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء)) رواه الإمام أحمد.
والصبر على الفقر لا يمنع بذل الجهد في كسب الرزق الحلال.
قال - تعالى -: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) سورة الملك: 15.
والصبر على أذى أعداء الإسلام لا يمنع مجاهدتهم.
قال - تعالى -: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين لله.
فإن انتهَوا فلا عدوان إلا على الظالمين) سورة البقرة: 193.
بل إن سيد الصابرين رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
علمنا بهديه الشريف أن يصبر الصبر الجميل الذي لا ضجر معه ولا يأس،
وأن يستمر داعياً ومبشراً ونذيراً ومجاهداً بلسانه وسيفه حتى
فتح الله له البلاد كما فتح له القلوب.
بل نجد في كتاب الله - تعالى -ربطاً عظيماً بين الصبر والعزيمة،
ولنقرأ قول الله - تعالى -:
(فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم) سورة الأحقاف: 35.
اللهم اجعلنا ممن يصبر لك وقد قلتَ لنبيك (ولربّك فاصبر) المدثر: 7.
وكن معنا وقد قلت: (إن الله مع الصابرين) الأنفال: 46.
------------------
شبيه الريح /بلخزمر