الحسن البصري . . الشدة في قول الحق
هو الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد مولى زيد بن ثابت الأنصاري، قال عنه ابن خلكان في كتاب “وفيات الأعيان” إن أصله من ميسان، ولكنه ولد ونشأ بالمدينة بين الصحابة، حيث كانت أمه تخرجه وهو صغير إلى الصحابة
فيدعون له، وقد دعا له أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قائلاً: “اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس” . وفي صفاته
ذكر ابن الجوزي في “صفة الصفوة” أن الحسن البصري كان صواماً قواماً، فكان يصوم الأشهر الحرم والاثنين والخميس،
ويقول ابن سعد في “الطبقات الكبرى” عن علم حسن البصرى: “كان الحسن جامعاً عالماً عالياً رفيعاً ثقة مأموناً عابداً
ناسكاً كبير العلم فصيحاً جميلاً وسيماً، وكان ما أسند من حديثه وروي عمن سمع منه فحسن حجة، وقدم مكة فأجلسوه
على سرير واجتمع الناس إليه فحدثهم، وكان فيمن أتاه مجاهد وعطاء وطاووس وعمرو بن شعيب فقالوا أو قال
بعضهم: لم نر مثل هذا قط” .
في مواجهة الوالي
وقد عُرف عن الحسن البصري شدة خوفه من الله، ومن ذلك ما أورده الذهبي في “سير أعلام النبلاء” ورواه التابعي
علقمة بن مرثد من الطبقة الثالثة في ذكر الثمانية من التابعين قال: “وأما الحسن فما رأينا أحداً أطول حزناً منه، ما كنا
نراه إلا حديث عهد بمصيبة” . ويقول يزيد بن حوشب: “ما رأيت أخوف من الحسن وعمر بن عبد العزيز كأن النار
لم تخلق إلا لهما” . كما عرف عن البصري زهده في الدنيا وفي زهوتها ومناصبها واستغناؤه عن الناس وهذا ما قاله
عنه العلامة الشاعر خالد بن صفوان، ورصده الذهبي أيضاً في “السير”، عندما سأله مسلمة بن عبدالملك عن البصري
قال: “رأيته مستغنياً عن الناس ورأيت الناس محتاجين إليه، قال مسلمة: حسبك كيف يضل قوم هذا فيهم؟!” . وقال
عنه مطر: “دخلنا على الحسن نعوده فما كان في البيت شيء لا فراش ولا بساط ولا وسادة ولا حصير إلا سرير
مرمول هو عليه” .
ويورد الذهبي كذلك في “سير أعلام النبلاء” أن الحسن البصري كان شديدا في قول الحق ولا يخشى لومة لائم فيذكرأنه
: “لما ولي عمر بن هبيرة الفزاري العراق وأضيفت إليه خراسان في خلافة يزيد بن عبدالملك، استدعى الحسن البصري
ومحمد بن سيرين والشعبي فقال لهم: إن يزيد خليفة الله استخلفه على عباده، وأخذ عليهم الميثاق بطاعته، وأخذ عهدنا
بالسمع والطاعة، وقد ولاني ما ترون فيكتب إلى بالأمر من أمره فأقلده ما تقلده من ذلك الأمر فما ترون؟ فقال
ابن سيرين والشعبي قولاً فيه تقية، فقال ابن هبيرة: ما تقول يا حسن؟ فقال: يا ابن هبيرة، خف الله في يزيد، ولا تخف
يزيد في الله، إن الله يمنعك من يزيد وإن يزيد لا يمنعك من الله، وأوشك أن يبعث إليك ملكاً فيزيلك عن سريرك
ويخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك ثم لا ينجيك إلا عملك .
يا ابن هبيرة، إن تعص الله فإنما جعل الله هذا
السلطان ناصراً لدين الله وعباده، فلا تركبن دين الله وعباده بسلطان الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق،
فأجازهم ابن هبيرة وأضعف جائزة الحسن” .
مع ابن سيرين
رصد الذهبي موقف البصري من ابن سيرين حيث كان الحسن وابن سيرين على خلاف وخصومة، وذات مرة رأى
الحسن في منامه كأنه عريان، وهو قائم على مزبلة يضرب بالعود، فأصبح مهموماً برؤياه، فقال لبعض أصحابه:
امضِ إلى ابن سيرين، فقص عليه رؤياي على أنك أنت رأيتها، فدخل على ابن سيرين وذكر له الرؤيا
فقال ابن سيرين:
قل لمن رأى هذه الرؤيا، لا تسأل الحاكة عن مثل هذا . فأخبر الرجل الحسن بمقالته، فعظم لديه، وقال: قوموا بنا
إليه، فلما رآه ابن سيرين، قام إليه وتصافحا وسلم كل واحد منهما على صاحبه، وجلسا يتعاتبان،
فقال الحسن:
دعنا من هذا، فقد شغلت الرؤيا قلبي .
فقال ابن سيرين: لا تشغل قلبك، فإن العري عري من الدنيا، ليس عليك
منها علقة وأما المزبلة فهي الدنيا، وقد انكشفت لك أحوالها، فأنت تراها كما هي في ذاتها، وأما ضربك بالعود،
فإنه الحكمة التي تتكلم بها وينتفع بها الناس .
فقال له الحسن: فمن أين لك أني أنا رأيت هذه الرؤيا؟ قال ابن سيرين:
لما قصها عليّ فكرت، فلم أر أحداً يصلح أن يكون رآها غيرك .
وذكر ابن خلكان في كتاب “وفيات الأعيان” أنه مات ليلة الجمعة أول رجب سنة مئة وعشر للهجرة، وكان عمره 89
سنة وقيل: 96 سنة، وكانت جنازته مشهودة حيث صلوا عليه عقب صلاة الجمعة بالبصرة، ويروى أن الحسن البصري
عندما حضرته الوفاة أغمي عليه ثم أفاق
إفاقة فقال: “لقد نبهتموني من جنات وعيون ومقام كريم” .
---------
للفايدة