لآلئ دعوية ومناهج تربوية
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فللدعوة إلى الله أهمية كبيرة في حياتنا اليومية؛ فهي من أفضل الأعمال، وأجلِّ القربات التي يتقرَّب بها العبد إلى الله عز وجل، لكنها في نفس الوقت فنٌّ لا يتقنه الكثيرون؛ حيث لها قواعد وشروط، فالدعوة كالبنيان الذي يحتاج لوضع أساس وقواعد أولاً قبل أن تشرع في بناء البيت؛ حتى يصير بيتًا صلبًا وقويًّا، يتحمل العواصف والتيارات.
وأهم قاعدة لا بد من غرسها في أنفس المدعوِّين، هي تذكيرهم بعظمة الله عز وجل، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].
"فلا بد لنا من التعرف على الله عز وجل، وعظمته وقدرته، وتنزيهه عن كل نقص، فإذا علمنا ذلك زادتْ محبته في قلوبنا، وزدنا له إجلالاً وتعظيمًا، وطاعة لأوامره، وبعدًا عن نواهيه، فالمؤمن إذا تعلق بالله تعالى، صار لا يمسي ويصبح إلا وقلبه معلق بالله، يقوم لله، ويقعد لله، ويتكلم لله، يراقب الله في حركاته، في سكونه، في أنفاسه، في كلماته، ويترسم كل شيء فيه محبة الله"[1].
ولو تأملنا حولنا، لوجدنا أن كثيرًا من المشاكل سببها في الأساس هو البعد عن الله وعدم استشعار عظمته وقدرته:
فتجد أختًا تقول: أخي مدخن، ولا أعلم كيف أنصحه.
وأخرى تقول: أختي متبرجة اللباس، ونصحتها كثيرًا بدون فائدة.
وثالثة تقول: صديقتي فُتِنَت بالغناء والأفلام، ولم يعد يُجدي النصح معها.
ورابعة وخامسة وسادسة.
وحينما نتأمل ردودَ بعض المستشارين على تلك المشكلات، نجد أن الردود منصبَّة على المشكلة، وبدون البحث عن الأسباب التي أدَّت لتلك المشكلة:
فمن تشتكي من الغناء، يتم نصحها بالاستماع إلى محاضرات عن حرمة الغناء.
ومن تشتكي من تبرج صديقتها، يتم نصحها بمطويات ومحاضرات عن الحجاب وشروطه.
ومع اتباع نصائح تلك الفئة من المستشارين، نجد أنه غالبًا إما أن المشكلة تُحل حلاًّ مؤقتًا، ثم ما تلبث أن تعود، أو أنها لا تُحل أبدًا، والسبب هو أنهم ركزوا على ظاهر المشكلة ولم يعالجوا سببها.
ولتوضيح الأمر؛ دعُوني أقص عليكم موقفًا سمعته من أحد الدعاة:
فقد تمَّت دعوتُه لإلقاء كلمة على النساء عن الحجاب، فقام بتحضير كلمة عن الفضاء وعظمة الخالق في صنعه، وذهب للموعد، وهناك حينما علم المسؤولون بذلك تضايقوا واعترضوا.
فقال لهم:ألم ترغبوا في محاضرةٍ لحثِّهن على الحجاب الشرعي؟! فلتدعوا الأمر لي ولا تقلقوا.
وبعد نهاية المحاضرة قامت حوالي عشر أخوات بشراء حجاب شرعي وتحجَّبن، فتعجب المسؤولون من ذلك، وتساءلوا عن السبب.
فأخبرهم الداعية أن هؤلاء الفتيات يعلمن شروط الحجاب الشرعي وحكمه، لكن ما ينقصهن هو استشعار عظمة الخالق، وحينما رأَوْا وسمعوا عن عظمته وقدرته وإبداعه في خلق الفضاء، كان ذلك سببًا كافيًا لهن ليلبسن الحجاب.
وفي مقالتي هذه سنتعرف بعونِ الله على نهج النبي صلى الله عليه وسلم في التدرج بدعوة الصحابة رضوان الله عليهم، ثم سأتطرق بعد ذلك إلى بعض المناهج الدعوية المستخدمة في توصيل المعلومة للمدعوين.
أولاً: التدرُّج الدعوي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
"انقسم التشريع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مرحلتين:
1- ففي بداية النبوة في مكة بدأ التشريع من خلال تعليم المسلمين التوحيد، وإثبات الرسالة، والبعث والجزاء، من خلال آيات الله الكونية، ثم الرد على المشركين ومجادلتهم من خلال البراهين العقلية، وذكر القيامة وأهوالها، والنار والجنة وما أعد لأهلها.
2- ثم تغيرت طريقة التشريع بعد الهجرة إلى المدينة؛ حيث ترسخت العقيدة في النفوس، وبدأت الحاجة إلى التركيز على التشريعات العملية (العبادات والمعاملات)، بعد أن كانت مركزة على أصول الاعتقاد.
وبالتالي كانت المرحلة الأولى بمثابة تهيئة الأرض الصالحة لبناء كيان إسلامي منظم، والمرحلة الثانية كانت لوضع القواعد والأسس والتشريعات التي تحفظ هذا الكيان وتنظم الحياة فيه"[2].
• فإن سأل سائل: هل يعني ذلك أننا لا بد أن نقوم بتدريس الناس العقيدة قبل أن نوجههم إلى أخطائهم؟
فالجواب: ليس هذا هو المقصد، فبالطبع لا بد من التوجيه والنصح وقت الخطأ، لكن لا بد أن يبدأ التوجيه والنصح بالتذكير بالله وبعقيدتنا، وتهيئة السامع للنصح الذي سيقال؛ ليكون مقبلاً على طاعة الله، والبعد عن اتباع الشهوات.
ثانيًا: المناهج الدعوية[3]:
تتنوَّع المناهج الدعوية على حسب الفطرة الإنسانية إلى:
1- المنهج العاطفي، والذي يعتمد على القلب.
2- المنهج العقلي، والذي يعتمد على العقل.
3- المنهج الحسي أو التجريبي، والذي يعتمد على الحواس المختلفة.
وسنقوم - إن شاء الله - بالتحدث عن كل نوع باختصار.
1. المنهج العاطفي:
يعتمد في الأساس على مجموعة من الأساليب الدعوية التي تُحرِّك المشاعر والوجدان، فهو يتميز بـ:
1- لطف الأسلوب واختيار العبارات المؤثرة.
2- سرعة تأثُّر المدعوين به، واستجابتهم لمن يحسن استخدامه.
3- سرعة التحول في آثاره تبعًا لتحول العواطف والمشاعر.
4- سَعة دائرة استعماله؛ لأن الطابع العاطفي في الناس أغلب على غيره.
ومن أبرز أساليبه:
1- الموعظة الحسنة: كالخطابة، والتذكير بنعمة الله على عبده المستوجبة للشكر، الترغيب والترهيب، الوعد بالنصر والتمكين، وغيرها، وقد نص القرآن الكريم على أسلوب الموعظة الحسنة نصًّا صريحًا، وأمَر باستخدامه، قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ... ﴾ [النحل: 125].
2- إظهار الرأفة والرحمة بالمدعوين:
مثل المناداة بكلمة "يا أبتِ، ويا بني، ويا قومِ...".
أو قول الداعي للمدعو: "إني أحبك في الله، أخشى عليك...".
أو مشاركة وجدانية في موقف.
أو مساعدة شخصية في أزمة.
قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ... ﴾ [آل عمران: 159].
-----------------
يتبــــــــع