سعداء الدارين
/
الإنسان وحده هو الذي امتاز بهذا الإطار
من المودة و الرحمة و الرأفة ..
لأنه هو وحده الذي استطاع أن يستعلي على شهواته ..
فيصوم و هو جائع و يتعفف و هو مشتاق
و الرحمة ليست ضعفاً و إنما هي غاية القوة
لأنها استعلاء على الحيوانية و البهيمية و الظلمة الشهوانية
الرحمة هي النور و الشهوة هي النار .*
و أهل الرحمة هم أهل النور و الصفاء و البهاء
و هم الوجهاء حقاً ..
و القسوة جُبن و الرحمة شجاعة .
و لا يؤتَى الرحمة إلا كل شجاع كريم نبيل ،
و لا يشتغل بالإنتقام و التنكيل إلا أهل الصغائر و الخسة و الوضاعة ..
و الرحمة هي خاتم الجنة على جباه السعداء
الموعودين من أهل الأرض ، تعرفهم بسيماهم و سمتهم و وضاءتهم ..
و علامة الرحيم هي الهدوء و السكينة و السماحة ،
و رحابة الصدر ، و الحلم و الوداعة و الصبر و التريث ،
و مراجعة النفس قبل الإندفاع في ردود الأفعال ،
و عدم التهالك على الحظوظ العاجلة و المنافع الشخصية ،
و التنزه عن الغل و ضبط الشهوة ، و طول التفكير
و حب الصمت و الإئتناس بالخلوة و عدم الوحشة من التوحد ،
لأن الرحيم له من داخله نور يؤنسه ،
و لأنه في حوار دائم مع الحق ، و في بسطة دائمة مع الخلق
و الرحماء قليلون ، و هم أركان الدنيا و
أوتادها التي يحفظ بها الله الأرض و من عليها
و لا تقوم القيامة إلا حينما تنفد الرحمة من القلوب ،
و يتفشَى الغِل ، و تسود المادية الغليظة ،
و تنفرد الشهوات بمصير الناس ،
فينهار بنيان الأرض و تتهدم هياكلها من القواعد
اللهم إني أسألك رحمةً اللهم إني أسألك مودةً تدوم
اللهم إني أسألك سكناً عطوفاً و قلباً طيباً
اللهم لا رحمةَ إلا بك و منك و إليك .
------------------
همس الذكريات / بلخزمر