علامات حسن الخاتمة
الحياة في نظر الإسلام هي هبة ربانية من الله سبحانه للناس، والدنيا دار ابتلاء، وهي فانية، يولد الإنسان فينقص عمره
لحظة لحظة، وساعة ساعة حتى يستوفي عمره، ويوافيه أجله،
وقد ينسى أو يتناسى تلك الحقيقة الخالدة، حقيقة أن
الموت آتٍ مهما طال العمر، وفي ذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: »مثل ابن آدم وإلى جنبه
تسع وتسعون منية، إن أخطأته المنايا وقع في الهرم« .
وتقوم عقيدة المسلم على الإيمان بأركانه جميعاً، ومنها الإيمان باليوم الآخر، وهو ركن لا تصح عقيدة المؤمن إلا به،
وفي حديث سؤال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد جاء يعلم الناس أمور دينهم، عن
الإسلام والإيمان والإحسان، وكان جوابه صلى الله عليه وسلم عن الإيمان بقوله: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه،
ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره . وقال جبريل عليه السلام: صدقت .
وقد قلنا: إن الموت هو أول مشاهد الآخرة، وبه تقوم قيامة كل حي، فيدبر عن الدار التي عمرها في الدنيا، ويقبل
على الدار التي شيدها لأخراه، يقول تعالى في (سورة القيامة): »كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ، وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ، وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ، إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ، تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، كَلاَّ إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ، وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ،
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ، إلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ« .
وفي تفسير قوله تعالى: (والتفت الساق بالساق)،
ئقال قتادة: الشدة بالشدة، وقال عطاء: شدة الموت بشدة الآخرة،
وقالئسعيد بن جبير: تتابعت عليه الشدائد، وقال السدي: لا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه . وقال ابن عباس:
أمر الدنيا بأمر الآخرة، فكان في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، وقال قتادة: أما رأيته إذا أشرف
على الموت يضرب إحدى رجليه على الأخرى، وقال مجاهد: اجتمع فيه الحياة والموت، وقال الضحاك: الناس
يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه .
ولا تنتهي سورة القيامة قبل أن يقرع الله عز وجل منكري البعث والقيامة فيقول عز من قائل: »أَيَحْسَبُ الإنسان
أَن يُتْرَكَ سُدًى، أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى أَلَيْسَ
ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى« .
وكانت عظته صلى الله عليه وسلم ألا تتوه بنا سبل الحياة إلى غير ما أراد الله لنا في هذه الحياة، وقد روي
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه: »اغتنم خمساً قبل خمس:
شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك« .
سكرات الموت
وللموت سكرات، لقوله تعالى: »وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد« (ق)، وهي إن جاءت
فلا شيء بعدها غير خروج النفس،
وقد بيّن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن سكرات الموت تقع في الفترة
ما قبل خروج النفس، وهي من الدنيا بلا شك، وتخضع بالتالي لقانون الدنيا من حيث الابتلاء والاختبار بالشدة
أحياناً، أو بالتيسير والسهولة أحياناً أخرى، طبقاً للحكمة الإلهية، وهي غير مرتبطة بصلاح الإنسان أو فساده
(ونبلونكم بالشر والخير فتنة) أما لحظة خروج النفس فهي أولى لحظات الآخرة فلا أمل في امتداد الحياة بعدها،
فقط تخرج الروح من جسم الإنسان، مقبلة على أولى لحظات الآخرة .
ويختلف حال الصالح عن حال غيره عند اللحظة الفارقة، فلكل إنسان خاتمته، ولكل خاتمة علامات، ومن
علامات حسن الخاتمة ما رواه أبو داود والحاكم بسنديهما عن معاذ رضي الله عنهئ أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: »من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة«، وكذلك أخرج أحمد
والنسائي والترمذي وغيرهم ما رواه بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول: »موت المؤمن بعرق الجبين«
ومن أفضل علامات حسن الخاتمة أن يموت المرء على طاعة من طاعات الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم
كما لو مات في صلاة،أو في صيام، أو في حج، أو في عمرة، أو في جهاد في سبيل الله، أو في دعوة
إلى الله، ومن يرد الله به خيراً يوفقه إلى عمل صالح، فيقبضه عليه وهو راضٍ عنه .
وثناء جماعة من المسلمين على الميت بالخير علامة من علامات حسن الخاتمة للحديث الصحيح المروي
عن أنس رضي الله عنه قال: »مرّوا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: »وجبت«،
ثم مرّوا بأخرى فأثنوا عليها شراً، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: »وجبت«، فقال عمر بن الخطاب
رضي الله عنه: ما وجبت؟ فقال: هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار،
أنتم شهداء الله في أرضه« .
ما يراه المحتضر
وأول ما يراه المحتَضَر عند آخرته مَلكِ الموتِ، فإن كان من أهل السعادة يراه في صورة حسنة، ويرى ملائكة
الرحمة بيض الوجوه، معهم أكفان من الجنة وحنوط من الجنة، يجلسون منه مد البصر، ثم يأتي ملك الموت
فيجلس عند رأسه،
فيقول:يا فلان أبشر برضا الله عليك، فيرى منزلته في الجنة، ثم يقول ملك الموت: »
يا أيتها النفس الطيبة: اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان« .
وأما إن كان من أهل الشقاوة فإنه يرى ملك الموت في صورة أخرى، ويرى ملائكة العذاب سود الوجوه،
معهم أكفان من النار،وحنوط من النار، ثم يأتي ملك الموت ويجلس عند رأسه، ويخبره بسخط الله عليه،
ويرى منزلته من النار، ويقول ملك الموت: »اخرجي أيتها النفس الخبيثة، أبشري بسخط من الله وغضب« .
أجمل ما في حدث الموت أنه فعلا بوابة المؤمن إلى الحياة الحقة، وهو آخر مشاهد الدنيا وأول مشاهد الآخرة،
ومن أروع بشارات النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما رواه عنه في الصحيح عبدالله بن عمر رضي الله عنهما
أنه صلى الله عليه وسلم قال: »إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر« .
-------------
للفايدة