من مظاهر قدرة الخالق
يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة النور: “أَلَمْ تَرَ أَن اللهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُم يُؤَلفُ بَيْنَهُ ثُم يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزلُ مِنَ السمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن من يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ. يُقَلبُ اللهُ الليْلَ وَالنهَارَ إِن فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الْأَبْصَارِ. وَاللهُ خَلَقَ كُل دَابةٍ مِن ماء فَمِنْهُم من يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم من يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم من يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ مَا يَشَاءُ إِن اللهَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
في هذه الآيات الكريمة يلفت الحق سبحانه أنظار عباده إلى مظاهر قدرته في هذا الكون.. قوله “يزجي”
يدفع بأناة ورفق والمعنى: لقد علمت أيها العاقل ورأيت بعينيك، أن الله تعالى يسوق بقدرته السحاب، سوقا رفيقا إلى حيث يريد.
“ثم يؤلف بينه” أي: يصل بعضه ببعض، ويجمع بعضه مع بعض، ثم بعد ذلك يجعله “ركاما” أي: متراكما بعضه فوق بعض.
البرق والبرد
وهذا الذي حكاه القرآن من سوق الله تعالى للسحب ثم تجميعها، ثم تحويلها إلى قطع ضخمة متراكمة متكاثفة كقطع الجبال، يراه الراكب للطائرات بوضوح.
وقوله سبحانه: “فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ” بيان لما يترتب على هذا السوق الرفيق، من آثار. والودق: المطر.
قال القرطبي: في “الودق” قولان: أحدهما: أنه البرق.. والثاني أنه المطر.
أي أن الله تعالى يخرج من فتوق هذا السحاب المتراكم ومن فروجه، المطر تارة بشدة وعنف، وتارة بهدوء ورفق.
وقوله تعالى: “وَيُنَزلُ مِنَ السمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن من يَشَاءُ” يعني انه سبحانه ينزل من جهة السماء قطعا من السحاب كأنها القطع من الجبال في عظمها وضخمتها، “فيها من برد” أي: تلك القطع من السحاب فيها الكثير من البرد، وهو شيء ينزل من السحاب ويسمى حب الغمام.
وقوله تعالى: “فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن من يَشَاءُ” أي: فيصيب بالذي ينزله من هذا البرد من يشاء إصابته من عباده، ويصرفه عمن يشاء صرفه عنهم.
ثم ختم سبحانه الآية الكريمة بقوله: “يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ” والسنا: شدة الضوء، أي: يكاد ضوء برق السحاب يخطف الأبصار من شدة إضاءته.
تقليب الليل والنهار
وبعد أن ساق سبحانه هذا الدليل العلوي على وحدانيته وقدرته. أتبعه بدليل زمني يحسه الناس ويشاهدونه في حياتهم فقال: “يُقَلبُ اللهُ الليْلَ وَالنهَارَ” أي: يعاقب بينهما فيأتي بهذا ويذهب بذاك، وينقص أحدهما ويزيد في الآخر فهو سبحانه صاحبهما والمتصرف فيهما “إن في ذلك” التقليب والإزجاء والتأليف وغير ذلك من مظاهر قدرته المبثوثة في الآفاق “لآيات” عظيمة “لأولي الأبصار”.
ثم ساق سبحانه دليلا ثالثا من واقع خلق كل دابة وبديع صنعه فيما خلقه فقال: “وَاللهُ خَلَقَ كُل دَابةٍ مِن ماء”.
والدابة: اسم لكل حيوان ذي روح، سواء أكان من العقلاء أم من غيرهم. وهذا اللفظ مأخوذ من الدبيب، بمعنى المشي الخفيف.
وتطلق الدابة في العرف على ذوات الأربع، والمراد بها هنا ما هو أعم من ذلك.
فقال بعض العلماء: “وهذه الحقيقة الضخمة التي يعرفها القرآن بهذه البساطة حقيقة أن كل دابة خلقت من ماء، قد تعني وحدة العنصر الأساسي في تركيب الأحياء جميعا وهو الماء، وقد تعني ما يحاول العلم الحديث أن يتبعه من أن الحياة خرجت من البحر ونشأت أصلا في الماء.
وقوله تعالى: “فَمِنْهُم من يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ” تفصيل لهذه المخلوقات التي خلقت من الماء.
والضمير في “منهم” يعود إلى “كل” باعتبار معناه، وفيه تغليب العاقل على غيره، أي: فمن هذه الدواب من يمشي على بطنه كالزواحف وما يشبهها، “وَمِنْهُم من يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ” كالإنس والطير، “وَمِنْهُم من يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ” كالأنعام والوحوش “إِن اللهَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ” فلا يعجزه سبحانه خلق ما يريد خلقه.مْشِي عَلَى أَرْبَعٍ” كالأنعام والوحوش “إِن الله على كل شئ قدير ، فلا يعجزه سبحانه خلق ما يرد خلقه .