خافَ من المخلوق ....... ولم يَخـَفْ من الخالق
أورد أبو الفرج بن الجوزي في كتابه " حيل الأذكياء " أنّ رَجـُلا ً أراد الحج ، فمر ببغداد ، وكان معه
عـِقــْد ٌ قيمته ألف دينار ، فأراد أن يبيعه فلم يتمكن من ذلك ، فجاء إلى رجل ٍ عطار ٍ موصوف ٍ بين
فأودعه العقد ومضى إلى الحج ، فلما أتم الحج عاد
ومعه هدية ٌ حسنة ٌ إلى العطار ،
فلمارآه ُ العطار قال له : مـَنْ أنتَ ؟ وما هذه الهدية ؟
فقال الرجلُ : يا مولاي ، أنا صاحبُ العقد الذي أودعته
عندك قبل الحج ، فرفسه العطار برجله حتى أوقعه من فوق الدكة ِ وقال : يا نصـَّا ب !
واجتمع الناس ، ولكنهم لم يصدقوا الرجل لفرط ثقتهم بالعطار ، فتحيـَّرَ الرجل ُ ، وتردد إلى العطار مرارا ً ، فما زاده العطارُ
فقيل له : لو ذهبتَ إلى عضد الدولة ( أحد ملوك الدولة البويهية ) لأنصفك من العطار ،
فتعرَّض الرجل إلى موكب عضد الدولة ، ودفع إليه رقعة ً فيها قصته ، فاستدعاه ، وعلمَ منه قصته ،
اذهب إلى العطار ، واجلس على دكته ، فإن منعك من الجلوس فاجلس مقابله من الصباح حتى المساء ، ولا
وافعل ذلك ثلاثة أيام ٍ ، فإني أمرُّ عليك في اليوم الرابع ، فأقفُ وأسلــِّـمُ عليكَ ، فلا تقــُمْ لي ، ولا ترُدَّ
وإذا سألتك عن حاجتك ومجيئك فلا ترد عليَّ ردا ً طويلا ً ، فإذا انصرفتُ عنكَ فـَـعـُدْ إليه ، وذكـِّرْه
ثم أعلمني بما يكون منكما . ففعل الرجل ما أمره به عضد الدولة ......
وفي اليوم الرابع مرَّ عضد ُ
الدولة في موكب ٍ عظيم ، فلما رأى الرجل صاحب الشكوى وقفَ عليه وقال : السلام ُ عليكم ، فلم يتحركْ الرجل من مكانه ،
وقال : وعليكم السلام ُ ، فقال له عضد الدولة : يا أخي تـَقــْدُم ُ إلى هاهنا ولم تأت ِ إلينا وتعرضُ حوائجك علينا ،
وأخذ في محادثته ِ والأعيانُ والحـُرَّاسُ يحيطون بهم ، ثم انصرف الموكب والعطار
يكاد يـُغمى عليه من الخوف ،
فاقترب العطارُ من الرجل وقال : متى أودعتني هذا العقد ؟ وفي أي شيء ٍ هو
ملفوف ؟ ذكـِّرني لعلي أذكرُ ،
فقال الرجل : هو ملفوف في كذا وكذا ، فقام العطار وأخرج العقد من صرة ٍ ،
وناوله للرجل . فمضى الرجل إلى عضد الدولة ، وأخبره بما جرى ، فأمر بصلب العطار ، وكتب في رقعة ٍ
علقها خلفه : هذا جزاءُ منْ خاف من مخلوق ٍ ، ولم يخفْ من الخالق