الفائدة 17:كل قصص القرآن أحسن القصص في بابه
قصص القرآن الكريم أحسن من قصص غيره من جهة حسن نظمه وإعجاز أسلوبه وبما يتضمنه من العبر والحكم، فكل قصص في القرآن
هو أحسن القصص في بابه:
- فقصة آدم وحواء أحسن قصة لأبوين تائبين
- وقصة قابيل وهابيل أحسن قصة بين أخ حاسد وأخ مؤمن
- وقصة نوح أحسن قصة لخلاص ونجاة القوم المؤمنين
- وقصة إبراهيم أحسن القصص للمتوكلين
- وقصة موسى مع فرعون أحسن قصة للمستضعفين ومنّ الله عليهم
- وقصة عيسى أحسن قصة لإثبات الوحدانية وبراءة الأم
- وقصة يوسف أحسن قصة للرخاء بعد الشدة والفرج بعد الضيق
الفائدة 18:لماذا لم تتكرر سورة يوسف في القرآن ؟
قال الجلال السيوطي: ظهر لي وجه في سوقها مرة واحدة ، وهو أنها نزلت بسبب طلب الصحابة أن يقص عليهم فنزلت مبسوطة تامة ليحصل لهم مقصود القصص من الاستيعاب وترويح النفس بالإحاطة ولا يخفى ما فيه.
وقال: وأقوى ما يجاب به أن قصص الأنبياء إنما كرّرت لأن المقصود بها إفادة إهلاك من كذّبوا رسلهم والحاجة داعية إلى ذلك كتكرير تكذيب الكفار للرسول الله r، فكلما كذّبوا أنزلت قصة منذرة بحلول العذاب كما حلّ بالمكذبين، ولهذا قال سبحانه في آيات: {فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ لأٌّوَّلِينَ} (الأنفال: 38) {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} (الأنعام: 6) .
وقصة يوسف لم يقصد منها ذلك، وبهذا أيضاً يحصل الجواب عن عدم تكرير قصة أصحاب الكهف. وقصة ذي القرنين. وقصة موسى مع الخضر. وقصة الذبيح.
ثم قال: فإن قلت: قد تكررت قصة ولادة يحيـى وولادة عيسى عليهما السلام مرتين وليست من قبيل ما ذكرت {قُلْتَ} الأولى في سورة {كهيعصۤ} (مريم: 1) وهي مكية، أنزلت خطاباً لأهل مكة، والثانية في سورة آل عمران وهي مدنية أنزلت خطاباً لليهود ولنصارى نجران حين قدموا ولهذا اتصل بهذا ذكر المحاجة والمباهلة
الفائدة19: القصة القرآنية تغني عن الإسرائيليات
بما أنّ الله عز وجل ذكر أنه يقصّ على رسوله أحسن القصص في هذا الكتاب ، ثم ذكر هذه القصة ( قصة يوسف) وبسطها وذكر ما جرى فيها ، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة وحسنة،فمن أراد أن يكمّلها أو يحسنّها بما يذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف لها سند ولا ناقل وأغلبها كاذب، فهو مستدرك على الله ومكمّل لشيء يزعم أنه ناقص، وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحاً.
فان تضاعيف هذه السورة قد ملئت في كثير من التفاسير من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصّه الله تعالى بشيء كثير.
الفائدة 20: أغراض القصة القرآنية
سيقت القصة القرآنية لتحقيق أغراض منها: إثبات الوحي والرسالة واثبات وحدانية الله وتوحد الأديان في أساسها ، والإنذار والتبشير ومظاهر القدرة الإلهية ، وعاقبة الخير والشر، والعجلة والتريث، والصبر والجزع ، والشكر والبطر، وكثير غيرها من الأغراض الدينية والمرامي الخلقية قد تناولته القصة وكانت له أداة له وسبيلا له.
كما أن للقصة أغراضا أخرى
متفرقة منها: بيان قدرة الله على الخوارق، وبيان عاقبة الطيبة والصلاح، وعاقبة الشر والفساد، وبيان الفارق بين الحكمة الإنسانية القريبة العاجلة والحكمة الكونية البعيدة الآجلة.
الفائدة 21: ما هو الوحــي ؟
الوحي لغة الإشارة السريعة ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض ، وقد يكون بصوت مجرد عن التركيب ، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة ، وقد حمل على ذلك قوله تعالى :” فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرة وعشيا “( مريم /11) أي أشار إليهم ولم يتكلم .
والقول الجامع في معنى الوحي اللغوي : أنه الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوجه إليه بحيث يخفى على غيره ، ومنه الإلهام الغريزي كالوحي إلى النحل ، وإلهام الخواطر بما يلقيه الله في روع الإنسان السليم الفطرة ، كالوحي إلى أم موسى ومنه ضده وهو وسوسة الشيطان ، قال تعالى :” وإنّ الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم ” ( الأنعام / 121) .
واصطلاحاً هو استقبال من الرسول لحقيقة غيبية خارجة عن فكره وشعوره وهو ما أنزله تعالى على أنبيائه وعرّفهم به من أنباء الغيب والشرائع والحكم، ومنهم من أعطاه كتابا أي: تشريعا يكتب، ومنهم من لم يعطه.
ويفرق بينه وبين الإلهام بأن الإلهام وجدان تستيقنه النفس ، وتنساق إلى ما يطلب من غير شعور منها من أين أتى ، وهو أشبه بوجدان الجوع والعطش والحزن و السرور .
هذا التعريف يشمل أنواع الوحي الثلاثة الواردة في قول الله عز وجل ” وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء الحجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ” ( الشورى / 51 ) .
الفائدة22:أقسام الوحي
وينقسم الوحي بمعناه الاصطلاحي إلى قسمين أساسيين :
* وحي الله إلى رسله من البشر
الأول: ذهب جمهور أهل السنة والجماعة إلى أن جبريل عليه السلام سمع القرآن الكريم من الله تعالى بكلامه المخصوص وبالكيفية التي يعلمها الله وحده
الثاني: أما وحي الله إلى رسله من البشر فهو على نوعين:
- النوع الأول: الوحي بغير واسطة وهو قسمان:
أولهما :الرؤيا الصالحة في النوم : كما جرى في بداية دعوة النبي r خاصة
ثانيهما:الكلام الإلهي من وراء الحجاب: كما حدث في المعراج
- النوع الثاني:الوحي إلى الرسل بواسطة الملك وهو إحدى حالتين:
أن يتمثل الملك بصورة رجل ويكلم النبي r وهذه الحالة أخف
أن يأتي الوحي مثل صلصلة الجرس وهو أشد فيفصم عنه عليه السلام وقد وعى.
الفائدة 23: فن براعة التخلص في مطلع السورة
براعة التخلص هو فن مشهور ذائع في كلام البلغاء، وهو امتزاج ما يقدمه الكاتب أو الشاعر من البسط بأول ما استهل به كلامه ،كالبيت الأول من القصيدة والفقرة الأولى من المقالة ، على أن يختلس ذلك اختلاسا رشيقا ، دقيق المعنى ، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع الثاني ، لشدة الممازجة والالتئام كأنهما أفرغا في قالب واحد. أو يوطئ الكاتب فيه بفصل، لفصل يريد أن يأتي بعده، وإما بنكتة تشير إلى معنى الفصل المستقبل، كقوله تعالى:” نحن نقص عليك أحسن القصص” .
فانه سبحانه وطّأ بهذا الفصل إلى ما يأتي بعده من سرد القصة يوسف عليه السلام فتخلص به إلى ذكر القصة تخلصا بارعاً، فان النكتة التي أشارت إلى وصف هذه القصة بنهاية الحسن دون سائر قصص الأنبياء المذكورة في القرآن، وهي ” أحسن القصص ” .
فإن المخاطب إذا قرع سمعه هذا الوصف للقصة تنبه إلى تأملها ، فيجد كل قصة فيها ختمت بخير،و كل ضيق انتهى إلى سعة وكل شدة آلت إلى رخاء، و ذلك أمر عجيب يستحيل أن يأتي على القصة الحديثة ” العقدة” تختم بالخير ، أو ما يسمى في عرف القصة الحديثة ب”الحل”.
الفائدة 24:القرآن أفضل سبيل للتذكر والتذكير
في قوله تعالى : ” وإن كنت من قبله لمن الغافلين”دليل على أن التذكر الكامل لا يكون إلا بهذا القرآن ، فإذا كان رسول الله r وهو أكمل الخلق فطرة وأصفاهم قلباً وأعظمهم عقلا، كان من قبل القرآن غافلا ، فما بال غيره ؟
فلا تذكر إلا بهذا القرآن وبهذا الوحي، وكل طريق أخر للتذكر طريق قاصر، ومن مظاهر الكمال في تذكير القرآن أنّه يذكّر بالغيب والشهادة في شؤون الدنيا والآخرة، بما يسع الخلق ويدل على الخالق بما يسع النفس والعقل والقلب والروح.
----------------------
يتبـــــــــــــع أن شاء الله