الفائدة 25:مكانة النبي r عند الله عز ّوجل
لقد عبّر الله تعالى بقوله:”وإن كنت من قبله لمن الغافلين”وهو مرادف لعدم العلم أي الجهل بالشيء، لكن الله عز وجل استعمل هنا الغفلة وليس الجهل.
قال الشيخ جمال الدين القاسمي :لقد وصف الله تعالى عدم علم نبيه بالقصص بالغفلة إجلالا لشأن النبي r ولم يشأ أن يصفه بالجهل.
الفائدة 26: الغفلة في القرآن
الغفلة في القرآن نوعان :
- غفلة إعراض: كما قال تعالى:” أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ” أي تركوا الخير بعد أن علموه، لذلك خاطب الله عز وجل نبيه بقوله:” ولا تكن من الغافين ” وهي الغفلة المذمومة.
- غفلة جهل وذهول: فقد عبّر الله تعالى بالجهل بمعنى الغفلة، في مواضع أخرى من القرآن في غير حق النبي r.
والثانية وهي المقصودة هنا، وهي غفلة جهل بالشيء. وفي هذا امتنان من الله على نبيه كقوله تعالى : ” ووجدك ضالا فهدى “.
الفائدة 27:غفلة النبي r عن القصص من دلائل نبوته
ليست هذه الآية تصديرا لقصة يوسف ، بل نجد فيها ما يشبه التأكيد الاستهلالي ، مؤيدا بالنقد التاريخي ، على أن النبي r كان يجهل تماما القصة المذكورة ، بل إن (جهله ) هذا عنصر جوهري لاقتناعه الشخصي ،
فأمامنا بلا مراء طليعة لتيار الوحي الذي نزل بموضوع خاص محدد تماما : هو قصة يوسف ، وهي ما زالت حتى تلك اللحظة غريبة عن الفكرة المحمدية ، ولدينا على ذلك واقعان لابد من الفصل فيهما يتعلق (بجهل ) النبي r في هذه النقطة :
- فمن الوجهة التاريخية، لم تكن الفكرة المحمدية قد ضمت بعد تفاصيل قصة يوسف قبل أن ينزل بها الوحي
- ومن الوجهة النفسية ليس لشعور النبي r أي دور في عملية الوحي، وهو بداهة لا يحتوي تيار الوحي الذي لم يأت بعد ، أما لا شعوره فلم يكن له أن يلد تلقائيا فكرة مركبة أثبتها التاريخ بصورة وضعية إيجابية .
فهذا التسبيق أمام مجرى ظاهرة لا يسيطر عليها الشعور ، وما كان لها أن تصدر فقط عن اللاشعور. هذا التسبيق يظل عصّيا على الفهم بصورة مزدوجة لو أننا قصرنا تفسيره على الذات المحمدية .
الفائدة 28: السورة كشف وبيان تاريخي
جاءت السورة كشفاً وتبياناً لما خفي على رسول الله من أمر يوسف (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ)وفي قوله تعالى ( لمن الغافلين ) جاء التوكيد باللام ليدل على تأكيد غياب هذا الأمر عن رسوله كلّياً ، فلم يقل الله سبحانه ( لمن الجاهلين ) لأنني قد أجهل الأمر وأكون قد سمعت به ، فأنا أسمع مثلاً عن علم الذرة لكنني أجهله ، أما أن أكون غافلاً عنه، فمعنى ذلك أنه لم يخطر في بالي مطلقاً فالغفلة عن الأمر أشد تغييباً له من الجهل به . لذا فإن رسول الله كان ( غافلاً ) عن أمر يوسف تماماً، وهنا عندما تأتي السورة بقصة يوسف على ما جاءت عليه من التفصيل والدقة فإن ذلك معناه أن هذا الكلام ليس من النبي r وإنما هو وحي من الله (بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ ) . إذاً فالكتاب المبين سيُظهر ما خفي عن النبي r ويقصّ عليه قصة يوسف عليه السلام . وتكون بيانا للتاريخ المغيٌب .
الفائدة 29: نكتة لغوية : لماذا قال ” من الغافلين ” ولم يقل ” غافلا ”
ونكتة جعل النبي r ” من الغافلين ” دون أن يوصف وحده بالغفلةفيقال : ” غافلا “، للإشارة إلى تفضيله بالقرآن على كل من لم ينتفع بالقرآن، فدخل في هذا الفضل أصحابه والمسلمون على تفاوت مراتبهم في العلم .
---------------
للفايدة