هكــــــــــــــذا علمتنــــي الحيـــاة
علمتني الحياة أن أتلقى كل ألوانها رضا وقبولا
ورأيت الرضا يخفف أثقالي ويلقي على المآسي سدولا
-
والذي ألهم الرضا لا تراه أبد الدهر حاسدا أو عذولا
أنا راض بكل ما كتب الله ومزج إليه حمدا جزيلا
-
أنا راض بكل صنف من الناس لئيما ألفيته أو نبيلا
لست أخشى من اللئيم أذاه لا, ولن اسأل النبيل فتيلا
-
فسح الله في فؤادي فلا أرضى من الحب والوداد بديلا
في فؤادي لكل ضيف مكان فكن الضيف مؤنسا أو ثقيلا
-
ضل من يحسب الرضا عن هوان أو يراه على النفاق دليلا
فالرضا نعمة من الله لم يسعد بها في العباد إلا القليلا
-
علمتني الحياة أن لها طعمين مرا وسائغا معسولا
فتعودت حالتيها قريرا وألفت التغيير والتبديلا
-
أيها الناس كلنا شارب الكأسين إن علقما وإن سلسبيلا
نحن كالروض نضرة وذبولا نحن كالنجم مطلعا و أفولا
-
نحن كالريح ثورة وسكونا نحن كالمزن ممسكا و هطولا
نحن كالظن صادقا وكذوبا نحن كالحظ منصفا و خذولا
-
قد تسري الحياة عني فتبدي سخريات الورى قبيلا قبيلا
فأراها مواعظا ودروسا ويراها سواي خطبا جليلا
-
أمعن الناس في مخادعة النفس وضلوا بصائرا وعقولا
عبدوا الجاه والنضار وعينا من عيون المها وخدا أسيلا
-
الأديب الضعيف جاها ومالا ليس إلا مثرثرا مخبولا
والعتل القوي جاها ومالا هو أهدى هدى وأقوم قيلا
-
وإذا غادة تجلت عليهم خشعوا أو تبتلوا تبتيلا
وتلوا سورة الهيام وغنوها وعافوا القرآن والإنجيلا
-
لا يريدوا آجلا من ثواب الله إن الإنسان كان عجولا
فتنة عمت المدينة والقرية لم تعف فتية أو كهولا
-
وإذا ما انبريت للوعظ قالوا لست ربا ولا بعثت رسولا
أرأيت الذي يكذب بالدين ولا يرهب الحساب الثقيلا
-
أكثر الناس يحكمون على الورى وهيهات أن يكونوا عدولا
فلكم لقبوا البخيل كريما ولكم لقبوا الكريم بخيلا
-
ولكم أعطوا الملح فأغنوا ولكم أهملوا العفيف الخجولا
رب عذراء حرة وصموها وبغي قد صوروها بتولا
-
وقطيع اليدين ظلما ولص اشبع الناس كفه تقبيلا
وسجين صبوا عليه نكالا وطليق مدلل تدليلا
-
جل من قلد الفرنجة منا قد أساء التقليد والتمثيلا
فأخذنا الخبيث منهم ولم نقبس من الطيبات إلا القليلا
-
يوم سن الفرنج كذبة إبريل غدا كل عمرنا إبريلا
نشروا الرجس مجملا فنشرناه كتابا مفصلا تفصيلا
-
علمتني الحياة إن الهوى سيل فمن ذا الذي يرد السيولا
قالت: والخير في الكون باق بل أرى الخير فيه أصلا أصيلا
-
إن تر الشر مستفيضا فهون لا يحب الله اليئوس الملولا
ويطول الصراع بين النقيضين ويطوي الزمان جيلا فجيلا
-
وتظل الأيام تعرض لونيها على الناس بكرة وأصيلا
فذليل بالأمس صار عزيزا وعزيز بالأمس صار ذليلا
-
ولقد ينهض العليل سليما ولقد يسقط السليم عليلا
رب جوعان يشتهي فسحة العمر وشبعان يستحث الرحيلا
-
وتظل الأرحام تدفع قابيلا فيردي ببغيه هابيلا
ونشيد السلام يتلوه سفاحون سنوا الخراب والتقتيلا
-
صور ما سرحت بالعين فيها وبفكري إلا خشيت الذهولا
قال صحبي : نراك تشكو جروحا أين لحن الرضا رخيما جميلا
-
قلت أما جروح نفسي فقد عودتها بلسم الرضا لتزولا
غير أن السكوت عن جرح قومي ليس إلا التقاعس المرذولا
-
لست أرضى لأمة أنبتتني خلقا شائها وقدرا ضئيلا
أنا أبغي لها الكرامة والمجد وسيفا على العدا مسلولا
-
علمتني الحياة أني إن عشت لنفسي أعش حقيرا هزيلا
علمتني الحياة أني مهما أتعلم فلا أزال جهولا
-----------------------
شعر/ مصطفى السباعي