هو أبو محمد عطاء بن أبي رباح أسلم بن صفوان مولى آل أبي خيثم الفهري القرشي، وذكر أبو نعيم الأصبهاني في
كتابه “حلية الأولياء” أن عطاء ولد العام السابع والعشرين من الهجرة ببلدة الجَندَ باليمن، وكان مولده أثناء خلافة عثمان بن عفان .
عده الحافظ الذهبي في كتاب “سير أعلام النبلاء” من الطبقة الثالثة من التابعين وكان فقيهاً عالماً ورعاً، ذكر عنه
ابن الجوزي كتاب “صفة الصفوة” أن عطاء كان من المبتلين الصابرين حيث كان أعور أشل أعرج ثم عمي في
آخر عمره . وقال ابن سعد في “الطبقات الكبرى” إن عطاء هو مولى لبني فهر أو بني جمح انتهت فتوى أهل مكة
إليه وإلى مجاهد وأكثر ذلك إلى عطاء، وكان ثقة فقيهاً عالماً كثير الحديث .
جرأة في الحق
في كتابه “صفة الصفوة” ذكر ابن الجوزي أن عطاء بن أبي رباح اتصف بالعديد من المناقب منها جرأت في الحق
وحرصه على مصالح الناس ويورد الحافظ الذهبي في “السير” أن عطاء دخل على هشام بن عبدالملك، فرحب به وقال:
ما حاجتك يا أبا محمد؟ وكان عنده أشراف الناس يتحدثون، فسكتوا، فذكره عطاء بأرزاق أهل الحرمين وأعطياتهم . .
فقال: نعم، يا غلام أكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاء أرزاقهم، ثم قال: يا أبا محمد هل من حاجة غيرها؟
فقال:
نعم، وذكره بأهل الحجاز وأهل نجد وأهل الثغور، ففعل مثل ذلك، حتى ذكره بأهل الذمة ألا يكلفوا ما لا يطيقون،
فأجابه إلى ذلك،
ثم قال له في آخر ذلك: هل من حاجة غيرها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتق الله في نفسك،
فإنك خلقت وحدك، وتموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، لا والله ما معك ممن ترى أحد . .
قال:
فأكب هشام يبكي، وقام عطاء . فلما كان عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس ما ندري ما فيه، أدراهم أم دنانير؟
وقال: إن أمير المؤمنين قد أمر لك بهذا،
فقال عطاء: “ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين”
ثم خرج من دون أن يشرب عندهم حسوة ماء .
خشوع وزهد
كما ذكر ابن حبان في كتابه “الثقات” أن عطاء بن أبي رباح كان ممن يقولون بالفتوى حيث كان عالماً فقيهاً لا يريد
بعلمه هذا سوى مرضاة الله وفي ذلك يرصد قول سلمة بن كهيل: “ما رأيت أحداً يريد بهذا العلم وجه الله غير
هؤلاء الثلاثة عطاء وطاووس ومجاهد” . واتصف عطاء بالتواضع الشديد والخوف والخشية من الله عز وجل،
وفي ذلك كان يقول: “إني أستحي من الله أن يدان في الأرض برأيي”، وقال الأوزاعي: “ما رأيت أحداً أخشع لله
من عطاء ولا أطول حزناً من يحيى ابن أبي كثير” . ويشير ابن الجوزي إلى منقبة أخرى من مناقب عطاء
وهي الزهد الشديد، ويورد ذلك
قول عمر بن ذر: “ما رأيت مثل عطاء بن أبي رباح، ما رأيت عليه قميصاً قط
ولا رأيت عليه ثوباً يساوي خمسة دراهم” . وفي شأن عبادته أشار الجوزي إلى قول ابن جريج” كان عطاء
بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مئتي آية من البقرة وهو قائم ما يزول منه شيء ولا يتحرك”،
وعن ابن عيينة قال: “قلت لابن جريج: ما رأيت مصلياً مثلك قال: لو رأيت عطاء” .
وذكر ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية”عن شدة تعبد عطاء بن أبي رباح قول ابن جريج:” كان المسجد فراش
عطاء طوال عشرين سنة وكان من أحسن الناس صلاة”، كما كان عطاء كثير النصح للخلفاء ودعوتهم إلى إحقاق
الحق وإقامة العدل، وفي ذلك قال الأصمعي “دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك وهو جالس على السرير
وحوله الأشراف وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته فلما بصر به عبد الملك قام إليه فسلم عليه وأجلسه معه
على السرير وقعد بين يديه وقال: يا أبا محمد حاجتك قال: يا أمير المؤمنين اتق الله في حرم الله وحرم رسوله
فتعاهده بالعمارة، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فإنك بهم جلست هذا المجلس، واتق الله في أهل
الثغور فإنهم حصن المسلمين، وتفقد أمور المسلمين فإنك وحدك المسؤول عنهم، واتق الله فيمن على بابك فلا
تغفل عنهم ولا تغلق دونهم بابك فقال له: أفعل ثم نهض وقام فقبض عليه عبد الملك: وقال: يا أبا محمد إنما
سألتنا حوائج غيرك وقد قضيناها، فما حاجتك؟ قال: ما لي إلى مخلوق حاجة ثم خرج فقال عبد الملك هذا
وأبيك الشرف” .
وورد في “البداية والنهاية” لابن كثير أن عطاء بن أبي رباح توفي في عام 114 للهجرة عن عمر ناهز تسعين عاماً .
----------------
للفايدة