عرض مشاركة واحدة
قديم 27-03-2015, 12:08 AM   #9598
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

ثمانية آلاف من قبيلتي ربيعة ومضر.
ومن هنا كان إجمالي العدد الذي تجمع عند خالد بن الوليد في النِّباج ثمانية عشر ألف مقاتل، لم يسبق لأي منهم ردة وقد خرجوا طائعين، وهو عدد لم يجتمع لأحد من قبل من المسلمين أو غيرهم في الجزيرة العربية.
وكان من أهم ما يميز ذاك الجيش أن فيه خالد بن الوليد، وفيه المثنى بن حارثة، وفيه القعقاع بن عمرو، وفيه عاصم بن عمرو التميمي أخو القعقاع بن عمرو، وكان قد جاء مع جيش سُلْمَى بن القين، وكان أيضًا من أشد مقاتلي المسلمين مهارة، وسيكون له بأس في حروب فارس على نحو ما سيأتي.
على الجانب الآخر كان في مواجهة خالد بن الوليد أمير منطقة (الأُبُلَّة) من قبل فارس ويدعى (هرمز)، وكان هذا من أسوأ جيران العرب للعرب، حتى إنهم -العرب- باتوا يضربون به المثل في الخبث والكفر، فكانوا يقولون: أخبث من هرمز، وأكفر من هرمز!!
وكان هرمز هذا أميرًا على مدينة الأُبُلَّة، وهي مدينة كانت تقع -كما ذكرنا- في جنوب العراق، على مشارف الدولة الفارسية من ناحية الجزيرة العربية، وكانت يومئذ أعظم موانئ فارس على الخليج العربي -الفارسي آنذاك- شأنًا وأشدها شوكة.
وكان عندها نهر يسمى نهر الأُبلَّة، كان يعد في ذلك الوقت من جِنَانِ الدنيا، فكان حواليه من الحدائق وميادين النخل والأُتْرُج والنارنج، وأصناف الزروع والخضروات والقصور المتناظرة العظيمة ما تَحَارُ فيه العيون، ولا يُنظَر أحسن منه.
وكان هرمز هذا من شرفاء الفارسيين، وكان يلبس تاجًا مُرصَّعًا بالجواهر والفصوص والذهب، يقدر ثمنه بمائة ألف درهم، وكان تحت إمرته في الجيش أخوان من العائلة المالكة هما: قُباذ وأنوشجان، وذلك يعكس عِظَمَ أمر هرمز، ووثوق كسرى فارس فيه، وكان يُدعى آنذاك شيرويه.
في النباج وبعد أن اجتمع له ثمانية عشر ألفًا، بعث خالد بن الوليد برسالة صغيرة إلى هرمز أمير منطقة الأُبلة من قِبَل فارس، جاء فيها:
"أما بعد.. فأسلمْ تسلمْ، أو اعتقد لنفسك وقومك الذمة وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومنَّ إلا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة".
وقد أرسلها مع أحد الفرس الذين كان قد أسرهم في موقعة اليمامة؛ وذلك أنه كان يعلم أن هذا الفارسي حين يذهب إلى هرمز سيقصُّ عليه ما كان منه -من خالد بن الوليد- في اليمامة، وكيف قاتل بجيش قوامه اثنا عشر ألفًا مائةَ ألفٍ ثم انتصر عليهم؛ مما يلقي الوهن والرعب في قلوب الفارسيين وقلب هرمز.
وما إن وصلت هذه الرسالة إلى هرمز حتى استشاط غضبًا؛ إذ كيف لهذا العربي الذي كانوا يتصدقون عليه وعلى كل العرب بفتات العيش -وكانوا (أي العرب) دائمًا ما يظهرون لهم (لأهل فارس) الطاعة والخنوع- كيف يجرؤ على إرسال مثل هذه الرسالة التي تحمل ذاك الحجم من التهديد والوعيد؟!
ومن فوره أرسل بالخبر إلى شيرويه في المدائن، ويستأذنه في قتال المسلمين وإرسال المدد له.
ومن (الأبلة) وبعد أن أرسل شيرويه بجيش كبير إليه تعجل هرمز إلى منطقة كاظمة، وهي على ساحل الخليج الفارسي وماؤها عذب، ظنًّا منه أنها مقصد خالد بن الوليد!! إلا أنه علم بعد ذلك أن خالدًا قصد الحفير، فكان أن عدل ثانية عن وجهته ومال إليها ليبادر هو خالدًا.
خطة خالد بن الوليد:
أما خالد بن الوليد فقد قسم جيشه إلى ثلاث فرق تسلك طرقًا مغايرة، فأرسل الفرقة الأولى وعلى رأسها المثنى بن حارثة. ثم الفرقة الثانية في اليوم الثاني وعلى رأسها عاصم بن عمرو التيمي، وجعله على الميمنة. والفرقة الثالثة أرسلها في اليوم الثالث وعلى رأسها عدي بن حاتم، وجعله على الميسرة.
ثم في اليوم الرابع خرج هو بنفسه على مقدمة الجيش، وواعدهم جميعًا عند الحفير في يوم معين.
ولقد كان لتقسيم هذا الجيش على هذه الفرق الثلاث عدة أغراض، كان منها ما يلي:
الغرض الأول: الاستفادة بأكبر كمٍّ من مياه الآبار المنتشرة في الطرق التي سيمرون بها.
الثاني: التغطية والتعتيم على عيون وجواسيس الفرس، فلا يستطيعون أن يعرفوا بالضبط وجهة الجيش الإسلامى، وأيضًا عدده. ومن ثَمَّ تظل قوات الجيش الفارسي في حيرة من أمرها حتى يفاجَئُوا بالواقع أمامهم.
كانت كاظمة -كما ذكرنا- وجهة هرمز الأولى، إلا أن عيونه أدركت أن خالد بن الوليد سيتجه بجيوشه شمالاً نحو الحفير ولن يتوجه إلى كاظمة. فما كان من هرمز -كما ذكرنا أيضًا- إلا أن عدل عن وجهته وبادر نحو الحفير تلك التي يقصدها خالد، ثم عسكر فيها ورتب بها جيوشه، وذلك قبل وصول خالد.
وبالمثل فقد اكتشفت عيون خالد أن هرمز قد وصل إلى الحفير وعسكر فيها، ولعله أراد أن يرهقهم، أو أنه لم يرد أن ينزل عليهم وقد تجهزوا له، فكان أن غيَّر مساره وحول اتجاهه إلى كاظمة!!
حينما علم هرمز بهذا الأمر استشاط غضبًا؛ إذ كيف يلعب به هذا الأعرابي، ثم أسرع بجيشه إلى كاظمة لملاقاة خالد بن الوليد هناك، وكان أن وصل الجيشان في وقت واحد، وبذلك يكون خالد قد فوَّت على الفرس فرصة إعداد الجيش قبل وصوله كما في المرة الأولى.
على عكس المسلمين لم يكن هرمز يعتقد الولاء في جنده، ولم يكن يأمن ثباتهم في المعركة؛ إذ إنه يعلم أنهم يحبون الحياة ويكرهون الموت، أما جيش المسلمين فقد قال عنه خالد بن الوليد يصفهم لهرمز: قوم يحبون الموت كما يحب أهل فارس الحياة.
ولكي يضمن عدم فرار جيشه قرر هرمز أمرًا عجيبًا عارضه فيه كثير منهم، إلا أنه أصرَّ عليه، وهو أن يقوم بربط كل عشرة من الجنود بسلسلة فيما بينهم، فإذا فكر واحد منهم أو اثنان في الهرب فلن ينجحا، اللهم إلا إذا هرب عشرتهم، وبعيد أن يحدث هذا!!
وقد احتج أناس منهم بأن قالوا معترضين: "قيدتم أنفسكم لعدوكم! فلا تفعلوا فإن هذا طائر سوء". وكان أن ردوا عليهم بقولهم: "أما أنتم فيحدثوننا أنكم تريدون الهرب".
بعد انتهاء هذا الأمر عبَّأَ هرمز قواته، وجعل على ميمنته قباذ، وجعل على ميسرته أنوشجان، ووقف هو في مقدمة الجيوش ينتظر خالد بن الوليد.
وعلى الجانب الآخر عسكر خالد في قبالة جيش فارس مباشرة يرتقب اللقاء.
موقعة الأبلة:
كان من عادة الحروب في ذلك الوقت، تلك التي تكون الخيول والمبارزة بالسيوف من أعمدتها أن يقف الجيشان على مقربة من بعضهما البعض كل منهما يرى الآخر، ثم يخرج أحد المقاتلين من أحد الجيشين ويطلب المبارزة مع أحد المقاتلين من الجيش الآخر، في نوع من استعراض القوة بينهما.
لكن هرمز كان يضمر في نفسه المكر والغدر بخالد بن الوليد؛ حيث قد نما إلى مسامعه أمر قوته وشجاعته، وأن قوة المسلمين في قوته، فكان أن عمد إلى أن يخرج هو ويطلب خالد بن الوليد باسمه للمبارزة، ثم تواطأ مع فرسانه على الغدر بخالد حين يشتبك معه بأن يهجموا عليه معه فيقتلوه.
وبالفعل امتطى هرمز فرسه، وانطلق إلى وسط الميدان ينادي فيقول: "رجل ورجل، أين خالد بن الوليد؟" فخرج إليه خالد وتقدم بفرسه حتى وصل إلى هرمز، والناس من الطرفين اشرأبَّت إليهما أبصارهم.
والتقيا فاختلفا ضربتين، ابتدأه خالد بضربة فتلقاها هرمز، ثم ضرب هرمز ضربة تلقاها خالد، وما فتئ القتال يحتدم حتى أحاطت حامية كبيرة من الفرس بهما حتى اختفيا بينهم، مع ما كان لمثل هذا التصرف غير المتعارف عليه في حروب ذلك الوقت من سمعة سيئة ووصمة عار في جبين أصحابه.
ومهما كان من أمر فإن خالد بن الوليد -كما يقول المؤرخون- قد اختفى عن الأنظار وسط هذه الحامية، إلا أن ذلك لم يشغله عن قتل هرمز، فظل يقاتله حتى قتله على فرسه! وظل يقاتل ويبارز تلك الحامية التي التفت حوله!!
وكان خالد بن الوليد ثاني اثنين من المسلمين عُدُّوا ممن يستطيعون المقاتلة بسيفين اثنين في وقت واحد، وكان الآخر هو الزبير بن العوام .
وقد ظل خالد يقاتل في هذا الموقف الشديد حتى هبَّ لنجدته القعقاع بن عمرو -من عُدَّ بألف رجل- واستطاع ومن معه تخليصه من بينهم.
في هذه الأثناء التحم الفريقان واستعَرَ القتال، وهجم المسلمون هجمة شرسة على الفرس، وقد فُتَّ في عَضُدِهم، وأخذ بهم (الفرس) الرعب كل مأخذ، خاصة بعد مقتل قائدهم (هرمز) أمام أعينهم في أول ضربة للمسلمين وأول قتيل للفرس.
ووهنت قوتهم وضعفت عزيمتهم عن قتال المسلمين، وقد ركب المسلمون أكتافهم وأعملوا فيهم سيوفهم في قتال لم يعهد؛ حيث كان كل من يقتل يجر معه باقي من في سلسلته، فكان فأل سوء على أهل فارس، وقد قتل منهم عدد كبير جدًّا، ولم يُقتل من المسلمين عددٌ يذكر في هذه الموقعة، وقد سميت بموقعة ذات السلاسل.
وكان من نتائجها أنِ اسْتحوذ خالد بن الوليد على كاظمة، وأخذ تاج هرمز (بمائة ألف درهم)، ثم أرسله هو وفيلاً كان في جيش الفرس ضمن خُمس الغنائم إلى أبي بكر الصديق في المدينة مع زَرّ بن كليب، وهو من صحابة رسول الله ، غير أن أبا بكر الصديق أعاد الفيل إلى خالد بن الوليد في كاظمة، ذلك الذي أدهش الناس في المدينة، حتى إن بعض النساء تساءلن: إن كان من خلق الله أو من صنع البشر! وقيل: إنه مات في طريق العودة.
فبعد أن انتصر خالد بن الوليد في الكاظمة أرسل سويد بن قطبة إلى الأبلة لفتحها وكانت حصنًا كبيرًا، وقد خرج أهله للدفاع عنه، وحين وصل سويد بن قطبة إلى الأبلة كان قد أتى الليل فدخل أهل الحصنِ الحصنَ ولم يحدث قتال، وكان هذا من عادة الحروب في ذلك الوقت.
وقد لحق خالد بن الوليد بسويد بن قطبة، وحين علم أهل الأبلة بذلك رفضوا أن يخرجوا من الحصن، وظلوا متحصنين به خوفًا من العُدَّة الكبيرة ومن خالد بن الوليد نفسه.
وقد أخبر سويد خالدًا بأنهم قد خرجوا له لولا قدومه (قدوم خالد)، فأراد خالد أن يعمل معهم الحيلة حتى يتركوا الحصن ويستدرجهم إلى معركة خارجه، فكان أن توجه بجيشه نهارًا أمام الحصن في اتجاه الحيرة، وقد أوهم المقاتلين الفرس داخله أنه ذاهب لفتح الحيرة، وترك سويد بن قطبة وحده في مقدمة الجيش، وفي الليل عاد خالد بن الوليد خلسة في ظهر جيش سويد بن قطبة.
ولما أصبح الصباح خرج جيش الفرس لقتال سويد ففوجئوا بالأعداد الضخمة، وفوجئوا بخالد بن الوليد في خلف الجيش، فدبَّ الرعب في قلوبهم وانكسرت معنوياتهم، فقال خالد بن الوليد لسويد: "احملوا عليهم؛ فإني أرى هيئة قوم قد ألقى الله في قلوبهم الرعب".
وبالفعل فكما يذكر المؤرخون فإن الفرس كانوا يسلمون رقابهم لسيوف المسلمين، حتى لكأنه لم يكن هناك قتال يُذْكَر من شدة رعب الفرس من قتال المسلمين، وانتصر المسلمون عليهم، وأرسل خالد بن الوليد معقل بن مقرن أحد الأخوة العشرة ليجمع السبي والغنائم من داخل الحصن.
وبعد إرسال خمس الغنائم إلى أبي بكر الصديق في المدينة، كان نصيب الفارس الواحد من المسلمين في هذه الموقعة ألف درهم، وهو رقم لم يعهده العرب في ذلك الوقت، ولم يكن العربي في هذه الفترة -كما يذكر المؤرخون- يحلم به وهو نائم!!
ومن الأبلة أرسل خالد بن الوليد جيشًا لإخضاع باقي المنطقة، وقد انتهى المثنى بن حارثة إلى "حصن المرأة" على نهر يسمى نهر المرأة، وكان لأميرة فارسية تدعى كامورزاد، فترك عليه أخاه المُعَنَّى بن حارثة لفتحه، وتوجه هو إلى "حصن الرجل" وهو زوج كامورزاد ففتحه، ولما علمت بذلك كامورزاد تخلت عن الحصن وفتحه المُعَنَّى، وقد تزوجها بعد أن أسلمت.
وبهذا يكون خالد بن الوليد قد فتح منطقة في جنوب العراق تكاد تكون ذات بأس وشدة، واستطاع أن يزلزل قلوب أهل فارس، الذين لم يتوقعوا لمرة واحدة أن يفكر العرب -مجرد تفكير- في حربهم!!
كانت الخطة التي وضعها أبو بكر الصديق لفتح بلاد فارس هي أن يتوجه خالد بن الوليد لفتح الحيرة في وسط العراق على نهر الفرات.
وإتمامًا لهذه الخطة، وقبل أن يترك الأبلة كان خالد بن الوليد يعلم ما لميناء الأبلة من أهمية قصوى؛ فهو يقع جنوب غربي فارس (إيران الآن)، ويطل على الخليج العربي (الفارسي) وشط العرب، وكانت تأتيه السفن من الصين ومن السند والهند؛ لذلك وضع ثلاث حاميات على حدود الأبلة لحمايتها، إحداها بقيادة قطبة بن قتادة، والثانية بقيادة سويد بن قطبة، والثالثة بقيادة شريح بن عامر، وجعل على هذه الحاميات الثلاث قائدًا واحدًا هو سويد بن مقرن، وجعل مقره الحفير على أبواب الجزيرة العربية وآخر حدود جيش خالد بن الوليد حتى يحمي مؤخرته حماية أكيدة.
وسويد بن مقرن هذا هو أحد الإخوة العشرة أبناء مُقَرِّن، الذين كان جميعهم في جيش خالد بن الوليد يجاهدون في سبيل الله، وقد ذُكر سويد قبل ذلك مرتين، المرة الأولى عندما خرج أبو بكر الصديق بنفسه لحرب قبيلة بني شيبان عندما هجمت على المدينة في بداية حروب الردة، فكان سويد بن مقرن على مؤخرة الجيش، وكان أخواه النعمان بن مقرن وعبد الله بن مقرن الأول على الميمنة والثاني على الميسرة، وكان أبو بكر الصديق على المقدمة.
وكانت المرة الثانية التي جاء فيها ذكر سويد بن مقرن حين كان على قيادة الجيش الحادي عشر المتجه إلى تهامة باليمن لحروب الردة، وهذه هي المرة الثالثة التي يذكر فيها سويد في هذه الحروب، وقد تركه خالد بن الوليد على هذه الحاميات، ووكَّله بجمع الجزية والخراج من هذه المنطقة، واتجه هو شمالاً.
---------------------
يتبــــــــــع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس