عرض مشاركة واحدة
قديم 27-03-2015, 12:59 AM   #9600
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

فتح الحيرة والأنبار




بعد أن فتح سيدنا خالد بن الوليد قصر الخورنق توجه إلى "الحيرة"، وهي كما قلنا الحلم الذي يتسابق عليه المسلمون، وكانت الحيرة مدينة عظيمة من مدن العراق بل هي أكبر مدينة في جنوب العراق، وتقع هذه المدينة على نهر الفرات في مواجهة سواد العراق، أو في مواجهة الجزيرة بين نهري الفرات ودجلة على مسافة تكاد تكون قريبة من المدائن على مقدمة الصحراء، وعلى حدود تقترب من الشام ويمر عليها نهر الفرات الذي تأتيه السفن التجارية من السِّنْدِ والهِنْد والصِّين؛ فهذه المدينة من المدن المهمة جدًّا، وفيها من القصور والمباني الفاخرة الكثير، ويسكن معظمها نصارى العرب ولكن يحكمها الفرس كما قلنا، إذ كان يحكمها "آزاذبه" الذي كان أميرًا فارسيًّا عليها؛ لأنها كانت موالية للفرس منذ فترة طويلة منذ أن تملكها أو ترأس عليها النعمان بن المنذر وحتى هذه اللحظة، فهي مدينة قديمة وعظيمة في الفرس؛ ولذلك جعل سيدنا أبو بكر الصديق ملتقى الجيشين في الحيرة.
وصلت جيوش خالد بن الوليد ذات الثمانية عشر ألف مقاتل إلى الحيرة فوجدوا فيها أربعة حصون:
الحصن الأول: يُسمى القصر الأبيض، وكان فيه إياس بن قبيصة، وهو رجل نصراني، وكل أمراء الحصون من النصارى أيضًا، وحصن آخر يُسمى قصر العبسيين كان فيه رجل يسمى عدي بن عدي المقتول، وحصن ابن مازن فيه حيري بن أكان، وحصن ابن بقيلة وكان فيه عمرو بن عبد المسيح، وكان أكبر هؤلاء الأمراء، وفي بعض الروايات أنه تجاوز الأعوام المائة.
كانت هذه الحصون الأربعة من الشدة والمناعة، بحيث إن أهلها يستطيعون أن يمكثوا فيها أيامًا وشهورًا دون أن يكونوا بحاجة إلى الخروج منها.
وعندما وصل خالد بن الوليد إلى الحيرة وجد جميع أهل الحيرة متحصنين داخل هذه الحصون الأربعة بعد أن تركهم (آزاذبه) بجيشه وانصرف إلى المدائن.
جعل خالد بن الوليد لنفسه قاعدة بعيدة عن القصور، وأرسل مجموعة من أمهر قواده لحصار هذه الحصون، فأرسلضرار بن الأزور لحصار القصر الأبيض، وأرسل سيدنا ضرار بن الخطاب لحصار قصر العبسيين، وكان ضرار بن الخطاب هذا زميلاً لخالد بن الوليد منذ أيام "أُحُد" أيام الشِّرك، فقد كان ضرار في كتيبة خالد بن الوليد التي هزمت المسلمين في موقعة "أُحد"، وأسلم ضرار في فتح مكة، وشهد مع خالد بن الوليد جميع الفتوح في حروب الردة، وفي مواقعه في العراق، وهو ليس أخًا لعمر بن الخطاب، ولا لزيد بن الخطاب، لكنه أخٌ لهما في الإسلام.
القصر الثالث قصر ابن مازن عليه ضِرَار بن مُقرِّن وهو أحد الإخوة العشرة، أولاد مقرن المزني، ثم جعل خالد بن الوليد حصار القصر الرابع قصر ابن بقيلة إلى المثنى بن حارثة.
وتقدمت الجيوش الأربعة لحصار هذه الحصون، وأرسل خالد بن الوليد إلى أهل هذه القصور الأربعة رسالةً تدعوهم إلى الإسلام أو الجزية أو القتال، وأعطاهم مهلة يومًا يبدأ الضرب بعده.
بعد مرور المهلة بدأ المسلمون يرمون القصور بالأسهم والنبال، فسمعوا أهل القصور يقولون: عليكم بالخزازيف. وهذه الكلمة جديدة على المسلمين لا يعرفون معناها، ولكنهم ابتعدوا عن مرمى أهل هذه القصور،
ثم ظهرت الخزازيف وهي عبارة عن مقاليع ضخمة تقذف كرات من الخزف، صُنِعَتْ هذه الكرات من الطين وأوقدت عليها النيران حتى أصبحت خزفًا فهي تشبه قنابل أو أحجارًا ضخمة تُقذَف بالمقاليع على جيش المسلمين، وكان من حُسْنِ تقدير المسلمين الابتعاد عن مرمى هذه القصور فلم تصبهم هذه الخزازيف بشيء، وكانت قوة الرمي عند المسلمين أقوى وأعظم، فكانت سهامهم تصل إلى داخل هذه القصور؛ فتصيب مَنْ بها من الناس ولا تفرِّق هذه الأسهم بين جندي وبين رجل غير مقاتل وبين راهب في معبد لا تفرق بين أحد؛ لأنها تسقط داخل القصور، فعندما كثرت الإصابات خرج الرهبان من ديارهم وقالوا: يا أهل القصور، والله ما يقتلنا إلا أنتم، فليس لكم إلا الاستسلام. وبالفعل اجتمع أهل هذه القصور الأربعة على الاستسلام، وكان أولهم استسلامًا أكبرهم سنًّا؛ عمرو بن عبد المسيح وأرسل إلى خالد بن الوليد رسالة يخبره فيها برغبته في التفاوض معه على الجزية.
خالد يدعو الأمراء إلى الإسلام :
بعد أن أعلنت هذه الحصون استسلامها خرج من كل حصن أميرُه، فأرسل أمراء الحصار من المسلمين مع كل أمير من أمراء الحصون الأربعة رسولاً ليوصله إلى خالد بن الوليد، وظلوا هم على حصار الحصون لئلا يكون هناك خديعة للمسلمين من أهل هذه الحصون، وقابل خالد بن الوليد كل أمير منهم على حدة، ثم قابلهم مجتمعين، وتحدث معهم وقال لهم: ماذا تريدون؟
قالوا: ما لنا بحربكم من حاجة، ولكن ندفع الجزية.
فقال لهم: والله إن الكفر لَفَلاةٌ مُضِلَّة (أي كالصحراء المتسعة التي يَضِلُّ من يسير فيها)، فعجبًا لكم كيف تُستَذَلُّون بأعجمي وتتركون العربي؟!
وحزن خالد بن الوليد على عدم إسلامهم، ووافق على الجزية، وهو -كما نرى- كان الأحبَّ إليه أن يسلم هؤلاء القوم ويتركهم وحالهم، ولكنهم أبوا أن يسلموا وأصرُّوا على ما هم عليه من الكفر والضلال.
قدَّر خالد بن الوليد الجزية عليهم بعد أن قام بعدّهم وأخرج منهم المسنّين، فوصلت الجزية إلى مائة وتسعين ألف درهم في السنة، وسمِّي هذا صلح الحيرة، وكتب عهدًا بذلك على أن يمنع المسلمون عنهم الأذى سواء من المسلمين أو من غيرهم، فلو أن الروم أرادوا حرب أهل الحيرة فعلى المسلمين أن يردوهم عنهم، وإلا فلا جزية عليهم، وذلك لأن الجزية مقابل الحماية، ووافق أهل هذه القصور الأربعة وأعطوا خالد بن الوليد مائة وتسعين ألفًا من الدراهم بعد أن جمعوها في أكثر من شهر من أهل هذه القصور ممن يستطيعون القتال.
عدل المسلمين ونزاهتهم :
ووافق هذا الأمر عيدًا عند الفرس يُسمَّى عيد النيروز حيث كانوا في مدخل الصيف -وكان عندهم عيد آخر في مدخل الشتاء يُسمَّى (عيد المهرجان)- وكان من عادة الفرس في هذه الأعياد أن يذهبوا إلى القرى التي يمتلكونها من العرب، فيعطيهم العرب الهدايا أمنًا لجانبهم (أي إتاوة تُفْرَض على العرب من جانب الفرس)، وكان أهل الحيرة ممن تعودوا هذا الأمر؛ فأعطوا خالد بن الوليد من هذه الهدايا الكثير، إضافة إلى الـ 190.000 درهم، وعندما أرسل خالد هذه الهدايا والـ 190000 ألف درهم إلى أبي بكر الصديق في المدينة المنورة؛ أَبَى أبو بكر الصديق إلا أن تُحْتَسَب هذه الأموال من الجزية، وتُردُّ لهم بقية هذه الأموال.
وبالفعل أُعِيدت الأموال الزائدة إلى أهل الحيرة، وكان لهذا الأمر أثر عظيم على أهل الحيرة الذين انتقلوا من المجوسية ومن النصرانية إلى الإسلام.
وبهذا فتح خالد بن الوليد أعظم مدينة في جنوب العراق، واتخذها قاعدة له ينطلق منها إلى غيرها من الأماكن.
كانت أولى مواقع المسلمين "كاظمة" في الفرس في شهر المحرم، ومَرَّ على المسلمين شهر صفر ثم أوائل شهر ربيع الأول، ففي أقل من ستين يومًا كان المسلمون يمتلكون هذه المنطقة.
علم خالد بن الوليد وهو في الحيرة أن هناك بعض تجمعاتٍ للفُرْسِ في مدينة كربلاء، وهي على بُعد مائة كيلو متر من الحيرة، فأرسل لها كتيبة بقيادة عاصم بن عمرو التميمي، ففتحها وقاتل أهلها وانتصر عليهم، وأصبحت "كربلاء" هذه حتى هذه اللحظة حدود المسلمين الشمالية في العراق.
علم خالد بن الوليد أيضًا أن (جابان) الذي كان يرأس جيش الفرس في موقعة (أُلَّيْس) وهرب منها بعد أن انتصر المسلمون على الفرس، قد تجمع ببعض الجيوش في (تُسْتَر)؛ فأرسل له جيشين: أحدهما بقيادة المثنى بن حارثة، والآخر بقيادة حنظلة بن الربيع. وتوجه الجيشان من الحيرة حتى حدود المذار، وقبل أن يتجاوزاه إلى "تستر" علم جابان بتقدم الجيشين فانسحب بجيشه إلى داخل فارس ولم يقاتل.
سيطر المسلمون سيطرة كاملة على هذه المنطقة، وبدأ سيدنا خالد بن الوليد يحاول أن يوسع دائرة أملاك المسلمين في هذه المنطقة، وأتاه في هذا الوقت أهل مدينة "باروسما"، وأهل مدينة "بانِقيا" يعاهدونه على الصلح؛ فذهب إليهم خالد بن الوليد، وقالوا له: إنهم يريدون الصلح على أن يعطوه الجزية. فوافقهم وأعطاهم كتابًا بهذا، وكان صلح "بارُوسما" و"بانِقيا" على ألفي ألف درهم في السنة وهو ما يساوي مليوني درهم؛ وذلك لأن هذه المنطقة كانت منطقةً غنيةً وحافلة بالناس، وفيها الكثير ممن يمتلكون الأموال فَقُدِّرت عليهم الجزيةُ بألفي ألف درهم في السنة، وأعطيت للمسلمين وبذلك قويت شوكة المسلمين، وأصلحوا من أسلحتهم ومن أمتعتهم، وصارت لهم السيطرة الكاملة في هذه المنطقة.
بدأ خالد بن الوليد يُعِدُّ الحاميات التي تحمى هذه المنطقة؛ فقد أصبح له من الجيوش في هذه المنطقة الكثير، فيقسِّم سيدنا خالد بن الوليد المنطقة الشمالية إلى سبع مناطق رئيسية، وجعل نفسه في "الحيرة" حيث كانت هي المركز الرئيسي لإدارة الحرب، ثم جعل سبعة جيوش على حدود المنطقة التي فتحها المسلمون حتى الآن.
فجعل المثنى بن حارثة -وكان في كل مواقع المسلمين هو قائد مقدمة المسلمين؛ لأنه كان أعلم الجيش بالعراق، وأقدر المسلمين على قتال فارس؛ ولأنه كان من قبيلة شيبان، وكان يسكن شمالي الجزيرة العربية، وكان يعلم هذه البلاد جيدًا، وكان أقدر على قتال الفرس، وهو أول من نصح سيدنا أبا بكر الصديق بقتال الفرس - على أقرب المواقع إلى الفرس "المدائن"؛ لأن هذه هي أخطر نقطة من نقاط المسلمين،
وجعل ضرار بن الخطاب على رأس حامية، وضرار بن الأزور على رأس حامية، وضرار بن مقرن على رأس حامية، وبسر بن أبي رُهم على رأس حامية، وبسر هذا الذي كان قائدًا لأحد الفريقين اللذَيْن قاما بالكمين في موقعة الولجة كما نذكر، والكتيبة السابعة بقيادة عتيبة بن النهاس على حدود منطقة الحيرة الجنوبية، وجعل القعقاع بن عمرو على هذه المنطقة الواسعة في وسط العراق، والقعقاع بن عمرو في هذا الوقت كان بمنزلة النائب لخالد بن الوليد في الحروب، فهو نائب القائد الأعلى للقوات الإسلامية في ذلك الوقت فجعله خالد قريبًا منه، ثم جعل هذه المنطقة كلها تحت إمرته مباشرة في الحيرة، وأمَّر سيدنا عاصم بن عمرو التميمي على كربلاء، وجعل على إمارة منطقة الأُبُلَّة -وهي من المناطق المهمة جدًّا- سيدنا سويد بن مقرن،
وقسم الحاميات إلى ثلاث: حامية بقيادة حسكة الحنظلي، وحامية بقيادة الحصين بن أبي الحر، وحامية أخرى بقيادة عتيبة بن النهاس، فهؤلاء هم الأمراء الأحد عشر الذين عيَّنَهُم خالد بن الوليد على المناطق المختلفة التي فُتِحَتْ في العراق، وبدأ سيدنا خالد بن الوليد في شنِّ الغارات الخفيفة على أهل فارس رغبة في تجميع الغنائم وتقوية شوكة المسلمين، وبث الرعب في قلوب الفرس، وكثير من الفرس وأهل هذه المنطقة إما أنهم دفعوا الجزية أو أنهم أَجْلَوْا تمامًا عن المنطقة؛ لقوة وبأس المسلمين في هذا الوقت، ودامت السيطرة للمسلمين في هذه المنطقة.
---------------------
يتبــــــــــــــع ان شاء الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس