الموضوع
:
كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
عرض مشاركة واحدة
11-04-2015, 04:02 AM
#
9730
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب
ألا تبكي لنفسك؟!
تَنُوحُ وَتَبْكِي لِلأَحِبَّةِ إِنْ مَضَوْا
وَنَفْسُكَ لا تَبْكِي وَأَنْتَ عَلَى الأَثَرْ
كتب زِرُّ بن حُبَيشٍ إلى عبدالملك بن مروان
فقال:
"لا يطمعنك في طول الحياة ما ترى من صِحَّةِ بدنك،
واذكُر قول الأوَّل:
إِذَا الرِّجَالُ وَلَدَتْ أَوْلادَهَا
وَبَلِيَتْ مِنْ كِبَرٍ أَجْسَادُهَا
-
وَجُعِلَتْ أَسْقَامُهَا تَعْتَادُهَا
تِلْكَ زُرُوعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهَا
فلمَّا قرأ الكتاب بكى؛ حتى بلَّ طرف ثوبه.
قال الحارث بن إدريس: قلت لداود الطائي:
أوصِني، فقال:
"
عسكر الموت ينتظرونك
"
قال لقمان لابنه: "
يا بني، أمرٌ لا تدري متى يلقاك، استعدَّ
له قبل أنْ يفجاك
".
وقال محمد بن الحارث: "
رأيتُ الحسنَ صلَّى على جنازةٍ، فكبَّر عليها أربعًا، ثم اطَّلع في القبر،
فقال:
يا لها من عظة! يا لها من عظة! - ومدَّ صوته بها - لو وافقت قلبًا حيًّا!
ثم قال:
إنَّ الموت فضَح الدُّنيا، فلم يدع لذي لُبٍّ فرحًا، فرَحِمَ الله امرأً أخَذ منها قُوتًا مبلغًا، وهضَم الفضل ليوم فقره وحاجته، فكأنَّ ذلك اليوم قد أظلَّكم
".
وكان الحسن البصري - رحمه الله - يقول أيضًا:
الثَّواءُ هاهنا قليل، وأنتم آخِر أمَّتكم، وأمَّتكم آخِر الأمم، وقد أُسرِعَ بخِياركم، فماذا تنظُرون إلا المعاينة، فكأنها والله قد كانت، ما بعد نبيِّكم نبيٌّ، ولا بعد كتابكم كتابٌ، ولا بعد أمَّتكم أمَّة، تَسُوقون الناس والساعة تَسُوقكم، وما ينتظر أولكم إلا أنْ يلحق آخركم، فيا لها من موعظةٍ لو وافقت من القلوب حياةً!
".
وقال الحسن أيضًا: "
أيها الناس، أصبحتم والله في أجلٍ منقوص، وعمل محصى محروس، والموت فوق رؤوسكم، والنار بين أيديكم
".
وحضر الحسن جنازةً ثم قال: "
أيها الناس، اعمَلُوا لمثل هذا اليوم،
﴿
وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
﴾ [التوبة: 94]".
يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: "
إخواني، إنَّكم تغْدون وتروحون في آجالٍ قد غيبت عنكم، فانظُروا لخلاصكم قبل انقِضاء أعماركم، الوحا... الوحا، فالطالب حثيث، تذكَّروا تلك الصَّرْعة بين الأهل، وهم لا يقدرون على ضرٍّ ولا نفع، والله ما بات عاقلٌ قطُّ إلا على فراش حذر، إنما هو دبيب من سُقْم، ثم تُؤخَذون بالكظم، فإنَّه زلَّت القدم لم ينفع ندم، لا توبة تنال ولا عثرة تُقَال ولا فداء بمال
.
عباد الله، اسعوا في فِكاك رقابكم،
وأجهِدوا أنفسكم في خَلاصها قبل أنْ تزهق، فوالله ما بين أحدِكم وبين الندم، والعلم بأنَّه قد زلَّت به القدم إلا أنْ يحوم عقاب المنيَّة عليه، ويفوق سهامها إليه، فإذا النَّدم لا ينفع، وإذا العُذر لا يمنع، وإذا النصير لا يَدفع، وإذا الشفيع لا يَشفع، وإذا الذي فات لا يسترجع، وإذا البائس المحابي به في النَّجاة لا يطمع، فكأنِّي بك يا أخي وقد صرَخ عليك النسوان، وبكَى عليك الأهل والإخوان،
وفقَدَك الولدان،
ونفَخ لفُرقتك الجيران، ونادَى عليك المنادي:
قد مات فلان بن فلان، ثم نُقلت عن الأحباب، وحُمِلت إلى أرماس التُّراب، وأضجعوك في محل ضنِّك، قصير السمك، مهول منظره كثير وعره، مغشي بالوحشة، عرفته مهول الضريح، مطبق الصفيح، على غير مِهاد ولا وِداد، ولا مقدمة زاد ولا استعداد
".
عن أبي العباس الوليد بن مسلم قال: قال بعض الخلفاء على المنبر: "
اتَّقوا الله عباد الله ما استطعتم، وكُونوا قومًا صِيحَ بهم فانتبَهوا، وعلموا أنَّ الدنيا ليست لهم بدارٍ فاستبدَلُوا، واستعِدُّوا للموت فقد أظلَّكم، وترحَّلوا فقد جُدَّ بكم، وإنَّ غايةً تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرةٌ بقصر المدَّة، وإنَّ غائبًا يجدُّ به الجديدان: الليل والنهار، لحريٌّ بسرعة الأوبة
.
وإنَّ قادمًا يحلُّ بالفوز أو الشقوة لمستحقٌّ لأفضل العُدَّة، فالتقيُّ عند ربِّه مَن ناصَح نفسه، وقدَّ توبته وغلب شهوته، فإنَّ أجله مستور عنه، وأملَه خادع له، والشيطان مُوكل به يُمنِّيه التوبة ليُسوِّفها، ويزين إليه المعصية ليرتكبها، حتى تهجم منيَّته عليه أغفل ما يكون عنها، وإنَّه ما بين أحدكم وبين الجنَّة أو النَّار إلا الموت أنْ ينزل به! فيا لها حسرة على كلِّ ذي غفلةٍ، أنْ يكون عمره عليه حجَّة، وأن ترديه أيَّامه إلى شقوة.
جعَلَنا الله وإيَّاكم ممَّن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعةٍ الله معصية، ولا يحلُّ به بعد الموت حسرة، إنَّه سميع الدعاء، وإنه بيده الخير، وإنه فعَّال لما يشاء
.
قال خُلَيد القصَري:
"كلُّنا قد أيقن بالموت، وما نرى له مستعدًّا، وكلُّنا قد أيقن بالجنة، وما نرى لها عاملاً، وكلنا قد أيقن بالنار، وما نرى لها خائفًا! فعَلامَ تعرِّجون؟ وما عسيتم تنتظرون؟ الموت؟ فهو أوَّل واردٍ عليكم من الله بخير أو بشرٍّ! يا إخوتاه، سِيروا إلى ربكم سيرًا جميلاً".
وقد جاء في "الحلية" عن صلة بن أشيم:
أنَّه مَرَّ على شباب يلعبون،
فقال:
"يا إخوتاه، اجتمعوا إليَّ،
فقال لهم:
ما تقولون في قومٍ أرادوا سفرًا، فحادوا عنه نهارًا، وناموا عنه ليلاً؟ ماذا تقولون: أصابوا أم أخطئوا؟ ثم مرَّ عليهم في اليوم التالي، ووجدهم يلعبون،
فقال لهم
مثل ما قال، ثم مرَّ عليهم في اليوم التالي، ووجدهم يلعبون،
فقال لهم
مثل ما قال،
فقال شابٌّ منهم:
والله إنَّ صلة يعنينا بهذا الخطاب، ورجعوا عن اللعب إلى طاعة الله
".
وجاء في كتاب "الزهد الكبير" عن إبراهيم بن بشار قال:
"مررت أنا وأبو يوسف الفولي في طريق الشام، فوثَب إليه رجلٌ فسلَّم عليه،
ثم قال:
يا أبا يوسف، عِظني بموعظةٍ أحفَظها عنك،
قال:
فبكى، ثم قال: اعلم يا أخي أنَّ اختلاف الليل والنهار وممرَّهما يسرعان في هدم بدنك، وفَناء عمرك، وانقِضاء أجلك،
فينبغي لك يا أخي ألا تطمئنَّ ولا تأمن؛
حتى تعلم أين مستقرُّك ومصيرك، وساخط عليك ربك بمعصيتك وغفلتك، أو راضٍ عنك بفضله ورحمته.
ابن آدم الضعيف نطفة بالأمس وجيفة غدًا، فإن كنت ترضى لنفسك، فترد وتعلم وتندم في وقت لا ينفعك الندم، قال: فبكى أبو يوسف، وبكى الرجل، وبكيت لبكائهما ووقعا مغشيًّا عليهما"
.
يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: "
أيُّها الناس، تقوَّوْا بهذه النعم التي أصبَحتُم فيها، على الهرب من النار الموقدة، التي تطَّلع على الأفئدة، فإنَّكم في دارٍ الثواءُ فيها قليل، وأنتم فيها مؤجلون، وخلائف من بعد القرون، الذين استقبلوا من الدنيا زُخرفها وزَهرتها، فهم كانوا أطوَلَ منكم أعمارًا وأمدَّ أجسامًا وأعظم آثارًا، فجدَّدوا الجِبال وجابوا الصُّخور، ونقَّبوا في البلاد مُؤيَّدين ببطشٍ شديد وأجسامٍ كالعماد، فما لبثت الأيَّام والليالي أنْ طوت مدَّتهم، وعفت آثارهم، وأخوت منازلهم، وأنست ذِكرهم، فما تُحسُّ منهم من أحدٍ ولا تسمع لهم رِكزًا، كانوا بلهو الأمل آمِنين كبَيات قومٍ غافلين، أو كصباح قوم نادمين، ثم إنَّكم قد علمتم الذي قد نزل بساحتهم بيانًا، فأصبح كثير منهم في دِيارهم جاثمين، وأصبح الباقون ينظُرون في آثار نقمةٍ، وزوال نعمةٍ، ومَساكن خاوية، فيها آيةٌ للذين يخافون العذاب الأليم
.
أخي، مَن لك إذا ألَمَّ الألم وسكت الصوت، وتمكَّن الندم ووقَع بك الفوت،
وأقبل لأخْذ الروح ملك الموت، وجاءت جُنوده وقيل: مَن راق، ونزلتَ منزلاً ليس بمسكون، وتعوَّضت بعد الحركات السكون، فيا أسفًا لك كيف تكون، وأهوال القبر لا تُطاق، وفُرِّقَ مالُك وسُكِنَت الدار، ودار البلاء فما دار إذ دار، وشغلك الوِزر عمَّن هجَر وزار، ولم ينفعك ندم الرفاق.
دخَل بهاء الدِّين السُّبكي على الشيخ برهان الدين الإنباسي يعودُه، وكان تجاههما نعشٌ، فنظر السبكي إلى النعش، ثم قال للإنباسي:
"يا شيخ برهان الدين، أتدري ما يقولُ النعش؟ فقال: إنه يقول:
انْظُرْ إِلَيَّ بِعَقْلِكَ
أَنَا المُعَدُّ لِحَمْلِكَ
-
أَنَا سَرِيرُ المَنَايَا
كَمْ سَارَ مِثْلِي بِمِثْلِكَ
كتب حكيمٌ إلى أخٍ له فقال:
"
إنَّ الحزن على الدُّنيا طويل، والموت من الإنسان قريب، وللنقص في كلِّ وقت منه نصيب، وللبلاء في جِسمه دبيب، فبادِرْ قبل أنْ تُنادَى بالرحيل، والسلام
".
وكان يزيد الرقاشي - رحمه الله - يقول لنفسه: "
ويحك يا يزيد! مَن ذا يصلِّي عنك بعد الموت؟ مَن ذا يصومُ عنك بعد الموت؟ مَن ذا يُرضي عنك ربَّك بعد الموت؟ ثم يقول: يا أيها الناس، ألا تبكون وتَنُوحون على أنفسكم باقي حياتكم؟ من الموت طالبه، والقبر بيته، والتراب فراشه، والدود أنيسه، وهو من هذا ينتظِر الفزَع الأكبر، كيف يكون حاله؟ ثم يبكي حتى يسقط مغشيًّا عليه
".
وجاء في "تهذيب الكمال" (32/76)، وكتاب "المحتضرين" صـ 146 عن دُرُس القزاز قال: لما احتضر يزيد الرقاشي بكى، فقيل له: ما يبكيك - رحمك الله؟
قال:
أبكي على ما يفوتني من قيام الليل وصيام النهار، ثم بكى وقال: مَن يُصلِّي لك يا يزيد، ومَن يصوم؟ ومَن يتقرَّب لك إلى الله بالأعمال بعدك؟ ومَن يتوب لك إليه من الذنوب السالفة؟ ويحكم يا إخوتاه! لا تغترنَّ بشَبابكم، فكأنْ قد حلَّ بكم ما حلَّ بي من عظيم الأمر وشدة كرب الموت، النجاء، النجاء، الحذر، الحذر يا إخوتاه، المبادرة يرحمكم الله
".
وكان ابن السماك يقول:
ألا مُنتبه من رَقدته؟ ألا مُستيقظ من غَفلته؟ ألا مُفيق من سكرته؟ ألا خائف من صَرعته؟ أقسم بالله لو رأيتَ القيامة تخفق بزلازل أهوالها، وقد علت النَّار مُشرِفة على أهلها، وجِيء بالنَّبيِّين والشُّهَداء؛ لسَرَّك أنْ يكون لك في ذلك الجمع منزلةٌ وزُلفى، أبَعْدَ الدنيا دار معتمل أم إلى غير الآخرة منتقل؟ كلا، والله لقد صُمَّت الأسماع عن المواعظ، وذهلت القلوب عن المنافع
.
قال عقيل بن عمرو في خُطبته: "
إخواني لا بُدَّ من الفَناء، فليت شعري، أين الملتقى؟
وقال أحد الزُّهَّاد: "
كُونوا من الله على حَذر، ومن دُنياكم على خَطر، ومن الموت على وجَل، ولقُدوم الآخرة على عجَل
".
قال إبراهيم بن أدهم لابن بشَّار: "
يا ابن بشَّار، مَثِّل لبصرِ قلبِك حُضور ملَك الموت وأعْوانه لقبْض رُوحك، فانظُر كيف تكون؟ ومثِّل له القيامة وأهوالها وأفزاعها، والعرض والحساب والوقوف، فانظُر كيف تكون؟ ثم خرَّ مَغشِيًّا عليه
".
قال ثابت البناني:
أيُّ عبدٍ أعظم حالاً من عبد يأتيه ملك الموت وحدَه، ويدخُل قبره وحدَه، ويوقف بين يدي الله وحده، ومع ذلك ذنوب كثيرة، ونِعَم من الله عديدة
".
وكتب رجلٌ إلى أخٍ له:
"أمَّا بعدُ، فإن الدنيا حُلم، والآخرة يَقظة، والمتوسط بينهما الموتُ، ونحنُ في أضغاث... والسلام".
وجاء في كتاب "حلية الأولياء" (8/235) أنَّ محمد بن يوسف الأصبهاني كتَب إلى بعض إخوانه فقال: "
أقرئ مَن أقرأتنا منه السَّلامَ السَّلامَ، وتزوَّد لأُخراك، وتجافَ عن دُنياك، واستعدَّ للموت، وبادِر الفوت، واعلم أنَّ أمامَك أهوالاً وأفزاعًا قد أرعبت الأنبياء والرُّسل... والسلام
".
وعظ أعرابيٌّ ابنه فقال له: "
أيْ بني، إنَّه مَن خافَ الموت بادَرَ الفوت، ومَن لم يكبحْ نفسه عن الشَّهوات أسرعت به التَّبعات، والجنَّة والنَّار أمامك
".
جاء في كتاب "صفة الصفوة" (4/215)، و"تهذيب الكمال" (18/15-16): "أنَّ عبدالرحمن بن يزيد - وكان له حظٌّ من دين وعقل - فقال لبعض أصحابه:
أبا فلان، أخبِرني عن حالك التي أنت عليها، أتَرْضاها للموت؟
قال:
لا،
قال:
فهل أزمعت التحويل إلى حالٍ ترضاها للموت؟
قال:
لا، والله ما تاقَتْ نفسي إلى ذلك بعدُ،
قال:
فهل بعد الموت دارٌ فيها معتمل؟
قال:
لا،
قال:
فهل تأمن أنْ يأتيك الموت وأنت على حالك هذه؟
قال:
لا،
قال:
ما رأيت مثل هذه حالاً رضي بها، وأقام عليها - أحسبه
قال:
- عاقل
".
فاستيقظ أيها الغافل:
سَتَنْقُلُكَ المَنَايَا عَنْ دِيَارِكْ
وَيُبْدِلُكَ الرَّدَى دَارًا بِدَارِكْ
-
وَتَتْرُكُ مَا عُنِيتَ بِهِ زَمَانًا
وَتُنْقَلُ مِنْ غِنَاكَ إِلَى افْتِقَارِكْ
-
فَدُودُ القَبْرِ فِي عَيْنَيْكَ يَرْعَى
وَتَرْعَى عَيْنَ غَيْرِكَ فِي دِيَارِكْ
-
يقول القرطبي - رحمه الله - في كتابه "التذكرة" صـ10:
"فتفكَّر يا مغرور في الموت وسَكرته، وصُعوبة كأسه ومَرارته، فيا للموت من وعدٍ ما أصدَقَه، ومن حاكمٍ ما أعدله! كفى بالموت مُقرحًا للقلوب ومُبكيًا للعيون، ومُفرِّقًا للجماعات، وهادمًا للذَّات، وقاطعًا للأُمنيات، فهل تفكَّرت يا ابن آدم في يوم مَصرعك، وانتقالك من موضعك، وإذا نقلت من سَعة إلى ضِيق، وخانَك الصاحب والرفيق، وهجَرَك الأخ والصديق، وأخَذت من فراشك وغِطائك إلى عرر، وغطُّوك بعد لين لحافك بتراب ومدر؟!فيا جامع المال، والمجتهِد في البُنيان، ليس لك والله من مالِك إلا الأكفان، بل هي والله للخَراب والذَّهاب وجِسمك للتراب والمآب، فأين الذي جمعتَه من مال؟ هل أنقذَكَ من الأهوال؟ كلا، بل تركتَه إلى مَن لا يحمدك، وقدِمت بأوزارك على مَن لا يعذرك".
ويقول القرطبي أيضًا في كتابه "التذكرة" صـ91: "
يا هذا، أين الذي جمعتَه من الأموال، وأعددته للشدائد والأهوال، لقد أصبحتْ كفُّك منه عند الموت خاليةً صفْرًا، وبُدِّلت من بعد غِناك وعِزِّك ذلاًّ وفَقْرًا، فكيف أصبحت يا رهينَ أوزاره؟ ويا مَن سُلِبَ من أهله ودِياره؟ ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد، وأقل اهتمامك لحمْل الزاد إلى سفرك البعيد، وموقفك الصَّعب الشديد! أوَمَا علمت يا مغرور أن لا بُدَّ من الارتحال، إلى يوم شديد الأهوال، وليس ينفعك ثَمَّ قيل ولا قال، بل يعد عليك بين يدي الملك الدَّيَّان، ما بطشت اليدان، ومشت القَدَمان، ونطَق به اللسان، وعملت الجوارح والأركان، فإنْ رحمك فإلى الجنان، وإن كانت الأخرى فإلى النِّيران
.
يا غافلاً عن هذه الأحوال، إلى كم هذه الغَفلة والتوان! أتحسب أنَّ الأمر صغير،
وتزعم أنَّ الخطب يسير؟ وتظنُّ أنْ سينفعك حالك إذا آنَ ارتحالُك، أو ينقذك مالك حين تُوبقك أعمالك، أو يُغني عنك ندَمُك إذا زلَّت بك قدمك، أو يعطف عليك معشرُك حين يضمُّك محشرُك، كلا والله ساءَ ما تتوهَّم،
ولا بُدَّ لك أنْ ستعلَم،
لا بالكفاف تقنع، ولا من الحَرام تشبع، ولا للعِظات تسمع، ولا بالوعيد ترتدع، دأبك أنْ تنقلب مع الأهواء، وتخبط خبط العَشواء، يعجبك التكاثُر بما لديك، ولا تذكُر ما بين يديك.
يا نائمًا في غَفلة، وفي خبطة يَقظان، إلى كم هذه الغفلة والتَّوان! أتزعُم أنْ ستُتْرَك سُدًى،
وألا تُحاسب غدًا، أم تحسب أنَّ الموت يقبَلُ الرِّشا، أم يميز بين الأسد والرَّشا؟ كلا والله لن يدفَع عنك الموت مالٌ ولا بنون، ولا ينفع أهلَ القبور إلا العمل المبرور.
فطُوبَى لِمَن سمع ووعَى، وحقَّق ما ادَّعَى،
ونهى النَّفس عن الهوى، وعلم أنَّ الفائز مَن ارعوى، وأنْ ليس للإنسان إلا ما سعى، وأنَّ سعيَه سوف يُرى، فانتبه من هذه الرقدة، واجعَلِ العمل الصالح لك عدَّة، ولا تتمنَّ منازلَ الأبرار، وأنت مقيمٌ على الأوزار، عاملٌ بعمل الفجَّار، بل أكثِرْ من الأعمال الصالحات، وراقِبِ الله في الخلوات. رب الأرض والسماوات، ولا يغرَّنَّك الأمل، فتزهد عن العمل.
ثم أنشد:
تَزَوَّدْ مِنْ مَعَاشِكَ لِلْمَعَادِ
وَقُمْ للهِ وَاعْمَلْ خَيْرَ زَادِ
-
وَلا تَجْمَعْ مِنَ الدُّنْيَا كَثِيرًا
فَإِنَّ المَالَ يُجْمَعُ لِلنَّفَادِ
-
أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ رَفِيقَ قَوْمٍ
لَهُمْ زَادٌ وَأَنْتَ بِغَيْرِ زَادِ؟!
-
وقال آخر:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التُّقَى
وَلاقَيْتَ بَعْدَ الْمَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا
-
نَدِمْتَ عَلَى أَلاَّ تَكُونَ كَمِثْلِهِ
وَأَنَّكَ لَمْ تَرْصُدْ كَمَا كَانَ أَرْصَدَا
-
وعَظ بعض الصالحين الناس فقال لهم:
"
يا أيها الناس، اعمَلُوا على مهلٍ، وكُونوا من الله - عزَّ وجلَّ - ولا تغترُّوا بالأمَل ونسيان الأجَل، ولا تركَنُوا إلى الدنيا فإنها غدَّارة خدَّاعة، قد تزَخرَفتْ لكم بغُرورها، وفتنتكم بأمانيها، وتزيَّنت لخطَّابها، فأصبحت كالعروس المحلية، العيون إليها ناظرة، والقلوب عليها عاكفة، والنُّفوس لها عاشقة، فكم من عاشقٍ لها قتلت، ومطمئن إليها خذلت! فانظُروا إليها بعين الحقيقة، فإنها دار كثيرة بوائقها، وذمَّها خالقها
.
جديدُها يبلى، وملكُها يَفنَى، وعزيزُها يذلُّ،
وكثيرُها يقلُّ، ودُّها يموت، وخيرُها يَفُوت، فاستيقِظُوا رحمكم الله من غَفلتكم، وانتَبِهوا من رَقدتكم قبل أنْ يُقال: فلان عليل، أو مدنف ثقيل، فهل على الدَّواء من دليل؟! وهل إلى الطَّبيب من سبيل؟! فتدعى لك الأطباء، ولا يُرجى لك الشَّفاء، ثم يُقال: فلان أوصى ولماله أحصى، ثم يُقال: قد ثقُل لسانه فما يكلم إخوانه، ولا يعرف جيرانه
.
وعرق عند ذلك جَبِينُك وتتابَع أنينُك، وثبت يقينُك، وطمحت جفونُك، وصَدقت ظنونُك، وتلَجلَجَ لسانُك، وبكَى إخوانك.
وقيل لك:
هذا ابنُك فلان، وهذا أخوك فلان، ومُنِعت من الكلام فلا تنطق، وخُتِم على لسانك فلا ينطق، ثم حَلَّ بك القضاء، وانتزعت نفسك من الأعضاء، ثم عرج بها إلى السَّماء، فاجتمع عند ذلك إخوانُك، وأُحضرت أكفانُك، فغسَّلوك وكفَّنوك، فانقطع عُوَّادك، واستراح حُسَّادك، وانصَرَفَ أهلك إلى مالك،
وبقيتَ مرتهنًا بأعمالك.
-
َيَا مَنْ تَمَتَّعَ بِالدُّنْيَا وَزِينَتِهَا
وَلا تَنَامُ عَنِ اللَّذَّاتِ عَيْنَاهُ
-
أَفْنَيْتَ عُمْرَكَ فِيمَا لَسْتَ تُدْرِكُهُ
تَقُولُ للهِ مَاذَا حِينَ تَلْقَاهُ؟
-
يقول القرطبي - رحمه الله -: "
مَثِّل نفسك يا مَغرور وقد حلَّت بك السَّكرات، ونزَل بك الأنين والغَمرات، فمِن قائلٍ
يقول:
إنَّ فلانًا قد أوصى، وماله قد أُحْصي، ومن قائلٍ
يقول:
إنَّ فلانًا ثقل لسانُه، فلا يعرفُ جيرانه، ولا يُكلِّم إخوانه، فكأنِّي أنظُر إليك تسمع الخطاب،
ولا تقدر على ردِّ الجواب
.
فخيِّل لنفسك يا ابن آدم إذا أخَذت لفِراشك إلى لوح مغسلك،
فغسَّلك الغاسل، وأُلبِستَ الأكفان، وأُوحِش منك الأهل والجيران، وبكتْ عليك الأصحاب والإخوان،
وقال الغاسل:
أين زوجةُ فلان تحالـله؟ وأين اليتامى ترككم أبوكم فما ترَوْنه بعد هذا اليوم أبدًا؟
وأنشدوا:
أَلا أَيُّهَا المَغْرُورُ مَا لَكَ تَلْعَبُ
تُؤَمِّلُ آمَالاً وَمَوْتُكَ أَقْرَبُ
-
وَتَعْلَمُ أَنَّ الحِرْصَ بَحْرٌ مُبَعَّدٌ
سَفِينَتُهُ الدُّنْيَا فَإِيَّاكَ تَعْطَبُ
-
وَتَعْلَمُ أَنَّ المَوْتَ يَنْقَضُّ مُسْرِعًا
عَلَيْكَ يَقِينًا طَعْمُهُ لَيْسَ يَعْذُبُ
-
كَأَنَّكَ تُوصِي وَاليَتَامَى تَرَاهُمُ
وَأُمُّهُمُ الثَّكْلَى تَنُوحُ وَتَنْدُبُ
-
تَغَصُّ بِحُزْنٍ ثُمَّ تَلْطِمُ وَجْهَهَا
يَرَاهَا رِجَالٌ بَعْدَمَا هِيَ تُحْجَبُ
-
وَأَقْبَلَ بِالأَكْفَانِ نَحْوَكَ قَاصِدٌ
وَيَحثِي عَلَيْكَ التُّرْبَ وَالعَيْنُ تَسْكُبُ
أيُّها الغافلون عن الموت، جدُّوا فقد سُبِقتم،
واستعدُّوا فقد لُحِقتم، وانظُروا بماذا من الهوى عُلقتم، ولا تغفلوا عمَّا له خُلِقتم، ذهبت الأيَّام وما أطعتم، وكُتِبت الآثام وما أصغَيْتُم، وكأنَّكم بالصادقين قد وصلوا، وانقطعتم، أهذا التوبيخ لغيركم؟ أما قد سمعتم؟
اسمعوا عظة الزمان إن كنتم تسمعون، وتأمَّلوا تقلب الأحوال إن كنتم تبصرون.
لقد خوفنا الموت بمَن أخذ منَّا، ونعلم هجومه علينا وقد أمنَّا.
ذكر القرطبي عن محمد بن القرشي أنَّه قال:
سمعت شيخنا يقول:
"
أيها الناس. إنِّي لكم ناصح، وعليكم شفيق، فاعمَلُوا في ظُلمة الليل لظلمة القبور، وصُوموا في الحر قبل يوم النشور، وحجُّوا يحط عنكم عظائم الأمور، وتصدَّقوا مخافة يوم عسي
ر
".
يا ناسي الموت... كم أسمعك الموت وعيدَك،
فلم تنتبهْ حتى قطع وريدك، ونقض منزلك وهد مشيبك، ومزق مالك وفرق عبيدك، وأخلي دارك وملأ بيدك، أمَا رأيت قرينك؟ أمَا أبصرت فقيدك؟ أين الوالدون وما ولدوا؟ أين الجبارون وأين ما قصدوا؟ أين أرباب المعاصي؟ على ماذا وردوا؟ أمَا جنوا ثمرات ما جنوا وحصدوا؟ أمَا قدَّموا على أعمالهم في مآلهم ووفدوا؟ أمَا خلوا في ظلمات القبور؟ بكوا والله وانفردوا،
أمَا ذلوا وقلُّوا بعد إن عتوا ومردوا؟
أما طلبوا زادًا يكفي في طريقهم ففقدوا، أما حلَّ الموت فحلَّ عقد ما عقدوا؟ عايَنوا والله كلَّ ما قدموا ووجدوا، فمهنم أقوامٌ شقوا وأقوام سعدوا.
أيها الغافل، كم سكَن مثلك في هذا الدار،
فحامَ الموت حول حماهم ودار! ثم ناهضهم وسلب الجار، فمَن أنذر قبل هجومه فما جار.
يا هذا، العمر عمرٌ قليل،
وقد مضى أكثره بالتعليل، وأنت تعرض البقيَّة للتأويل، وقد آنَ الأوان أنْ يرحل النزيل".
أيها الغافل، كأنَّك بالموت وقد اختطفك اختطاف البرق، ولم تقدرْ على دفعه عنك بملك الغرب والشرق، وتأسَّفت الأسف الشديد
﴿
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ
﴾ [ق: 19].
وصدق القائل لما قال:
إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكْرَةً فَارْتَقِبْهَا
لا يُدَاوِيكَ إِذْ أَتَتْكَ طَبِيبُ
-
ثُمَّ تَثْوِي حَتَّى تَصِيرَ رَهِينًا
ثُمَّ تَأْتِيكَ دَعْوَةٌ فَتُجِيبُ
-
بِأُمُورِ العِبَادِ أَنْتَ عَلِيمٌ
فَاعْمَلَنْ جَاهِدًا لَهَا يَا أَرِيبُ
-
وَتَذَكَّرْ يَوْمًا تُحَاسَبُ فِيهِ
إِنَّ مَنْ يَذْكُرُ المَمَاتَ يُنِيبُ
-
لَيْسَ فِي سَاعَةٍ مِنَ الدَّهْرِ إِلاَّ
لِلمَنَايَا عَلَيْكَ فِيهَا رَقِيبُ
-
كُلَّ يَوْمٍ تَرْمِيكَ مِنْهَا بِسَهْمٍ
إِن يُخْطِئ يَوْمًا فَسَوْفَ يُصِيبُ
يقول ابن الجوزي: "
كم يومٍ غابت شمسه وقلبك غائب، وكم ظلام أُسبل ستره وأنت في عجائب، وكم أُسْبغت عليك نعمة وأنت للمعاصي تواثِبُ، وكم صحيفة قد ملأها بالذنوب الكاتبُ، وكم يُنذِرك سَلبُ رفيقك وأنت لاعبُ! يا مَن يأمَنُ الإقامةَ قد زُمَّت الركائب، أَفِقْ من سكرتك قبلَ حَسْرتك على المعايب، وتذكَّر نزول حفرتك وهجران الأقارب، وانهضْ عن بساط الرقاد وقل: أنا تائب، وبادِرْ تحصيل الفضائل قبل فوت المطالب، فالسائق حثيث، والحادي مُجدٌّ، والموت طالبُ
:
كُلُّنَا فِي غَفْلَةٍ والْ
مَوْتُ يَغْدُو وَيَرُوحُ
-
نُحْ عَلَى نَفْسِكَ يا مِسْ
كِينُ إِنْ كُنْتَ تَنُوحُ
-
اعلَمْ يا ابن آدم أنَّك لدُنياك مفارق، ولسكرات الموت ذائق، وللقبر ساكن، وبين يدي ربِّك واقف، وعن أعمالك وأقوالك مسؤول، فأعدَّ للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا، واعلم أنَّ الحساب دقيق، والناقد بصير، وهو على كلِّ شيء قدير.
جاء في "التبصرة" (2/206):
يا غافلاً عن نفسه، أمرك عجيب، يا قتيل الهوى، داؤك غريب، يا طويل الأمل، ستُدعَى فتجيب، وهذا عن قريب، وكلُّ آت قريب، هلا تذكَّرت لحدَك، كيف تبيتُ وحدك، ويُباشر الثرى خدَّك، وتقتسمُ الديدان جلدك، ويضحكُ المحبُّ بعدك، ناسيًا عنه بُعدك؟! والأهل مُذْ وجدوا المال ما وجدوا فقدك، إلى متى وحتَّى متى تترُك رشدك؟! أمَا تحسن أنْ تحسن قصدك؟! الأمل جد مجد، فلازم جدك
".
أيها الغافل عن الموت بادِرْ قبل الفوت.
يقول شميط بن عجلان - رحمه الله - كما في "صفة الصفوة" (3/347)، و"قصر الأمل"؛ لابن أبي الدنيا صـ62: "أيها المغترُّ بطول صحَّته، أمَا رأيت ميِّتًا قطُّ من غير سقم؟ أيها المغترُّ بطول المهلة، أمَا رأيت مأخوذًا قط من غير عُدَّة؟ إنَّك لو فكَّرت في طول عمرك لنسيت ما قد تقدَّم من لذَّاتك.
أبالصحَّة تغترُّون، أم بطول العافية تمرحون، أم للموت تأمنون، أم على ملك الموت تجترئون؟!
إنَّ ملك الموت إذا جاءَ لم يمنَعْه منك ثروة مالك ولا كثرة احتشادك.
أمَا علمت أنَّ ساعة الموت ذاتُ كربٍ وغُصص وندامة على التفريط؟
ثم قال:
رَحِمَ الله عبدًا عَمِلَ لساعة الموت، رَحِمَ الله عبدًا عمل لما بعد الموت، رَحِمَ الله عبدًا نظَر لنفسه قبل نزول الموت"، ا.هـ.
وجاء في كتاب "الزهد الكبير"؛ للبيهقي عن روح بن مدرك أنَّه قال وهو على المنبر: "
الآن قبل أنْ تسقم فتضنى، وتهرم فتبلَى، ثم تموت فتنسى، ثم تُقبر فتَبلى، ثم تبعَث فتحيى، ثم تحضر فتدعى، ثم تُوقَف فتجزى بما قدَّمت وأمضيت، وأذهبت فأفنيت من مُوبِقات سيِّئاتك، ومتلفات شَهواتك، فالآن... الآن وأنتم سالمون
".
أمَا آنَ للنائم أنْ يستيقظ من نومه؟ وحان للغافل أنْ ينتبه من غَفلته قبلَ هُجوم الموت بمرارة كأسِه؟ وقبل سكون حركاته، وخمود أنفاسه، ورحلته إلى قبرِه، ومقامه بن أدماسه.
وأخيرًا أقول كما قال الحسن بن عبدالعزيز الجروبي:
"مَن لم يردعه القُرآن والموت، فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع".
----------------------
للفايدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
أخر مواضيعي
الفقير الي ربه
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن المشاركات التي كتبها الفقير الي ربه