
10-02-2008, 06:32 AM
|
|
ظاهرة تغيير أسماء البنات
بدأ في السنوات الأخيرة عدد من الفتيات السعوديات بطلب تغيير أسمائهن لدى إدارات الأحوال المدنية إلى أسماء جديدة مختلفة تماماً عن الاسم السابق، أو تعديلها بحذف بعض الأحرف أو إضافة حرف جديد أو تغيير ترتيب الحروف ليتغير معه الاسم؛ وقد نجح بعضهن في تغيير أسمائهن. ونشرت بعض الصحف في الأشهر الماضية أمثلة للأسماء التي تغيرت، ومنها على سبيل المثال: «رعنة» تغيرت إلى «رنا»، و«مريم» عدّلته إلى «ريم»، و«عمشا» صارت «عبير»، و«غزالة» إلى «أمل»، و«شوع» عدّل إلى «شوق».
والحقيقة أنه يصعب تحميل الوالدين المشكلة، لأنه من المتوقع أن الوالدين اختارا الاسم المناسب من وجهة نظرهما؛ وهي وجهة نظر ثقافية مرتبطة بخبرتهما ووعيهما بالمجتمع ولا يمكن لومهما على ذلك. وقد ذكر الجاحظ في كتاب «الحيوان«1/324 أن «العرب إنما تسمي بكلب، وحمار، وحجر، وحنظلة، على التفاؤل بذلك. وكان الرجل إذا ولد له ذكر خرج خارج داره، فإن سمع إنساناً يقول حجراً، أو رأى حجراً، يسمي ابنه به وتفاءل فيه الشدة والصلابة والبقاء والصبر...». وهذا يعني أن الاسم الذي نعتقد أنه قبيح مثلا حينما ننظر له من خارج سياقه، له في الحقيقة مسوّغ ثقافي معين، وهو مسوغ له قيمته المهمة داخل بيئته.
ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض الصحف توضح أن أغلب الفتيات اللاتي غيرن أسماءهن جئن من القرى والأرياف والمدن الصغيرة إلى مدن كبيرة. وهذه ملاحظة مهمة لأنها تبيّن لنا السمات الثقافية التي تحملها المدينة مقابل تلك السمات التي تحملها القرية. فالشخص سواء أكان رجلا أم امرأة يعيش في مجتمعه وفق وعي ثقافي محكوم بالمعطيات المتاحة في ذلك المجتمع. وحينما يهاجر إلى مكان آخر فإنه يتعرض إلى عوامل التغيير التي تجعله يتعرف على ثقافة جديدة فيكتشف نفسه من خلالها. وبسبب الرغبة في التأقلم مع المجتمع الجديد وما يتطلبه ذلك التأقلم من إقامة علاقات اجتماعية واقتسام الخبرة مع المجموعة الجديدة؛ فإن هذا المهاجر الداخلي يسعى إلى التخلّي عن بعض العناصر المحليّة التي تميّزه عن المجموعة. ومن العناصر التي يتخلى عنها بعض المهاجرين إلى المدن الكبرى اللهجة المحلية، وطرق اللباس، والعادات الغذائية، والأسماء غير المألوفة في المدن.
وإذا كنا نفتقر إلى الدراسات التي ترصد التغيرات اللغوية والسلوكية لدى سكان المدن الكبرى القادمين من القرى والمدن الصغيرة؛ فإن ما تنشره الصحف من أخبار حول تغيير الأسماء الأولى للأشخاص من بنين وبنات يعتبر مؤشراً يمكن أن يدلنا على ما يعتري تلك الشخصيات من «إعادة تنظيم كامل للقيم». وهي عملية ثقافية قد تكون طبيعية عند البعض حينما تسير بشكل متدرج ومتناسب مع طبيعة الشخص وحياته الجديدة؛ وقد تأخذ منحى مأساوياً عند آخرين إذا رافقت عملية التحوّل هذه اضطرابات عقلية ونفسية بسبب عدم حصول الشخص على القبول في المجتمع الجديد، أو بسبب التغيرات السريعة المتوترة التي لم يكن مستعداً لها.
وبسبب الحاجة النفسية إلى الاندماج في المجتمع، فإن الرغبة في حذف عناصر الاختلاف هي الهاجس الذي يلح على الشخص لكي يحظى بتقبل المجتمع له؛ ذلك أن المجتمع المحلي لدينا له ثقافة معينة تسير وفق أطر ثابتة وتعامل المختلفين عنها على أنهم غرباء أو أجانب أو تطلق عليهم مسميات أخرى تميزهم عن السكان المحليين. وهذه الثقافة التي يمكن وصفها بأنها محافظة لها اعتبارات متشددة في قبول أي شخص من خارجها؛ وهي اعتبارات تقوم على مبدأ الانصهار الكلي (Melting pot) في المجتمع. وهذا المبدأ هو الذي يدفع المهاجرين المحليين إلى السعي الحثيث للوصول إلى التماثل مع الثقافة المهيمنة البارزة في المجتمع الجديد مهما كلفهم ذلك من تضحيات مادية ونفسية.
ومن هنا جاءت ظاهرة تغيير الأسماء ضمن عمليات تواصلية أخرى لتكشف لنا عن البعد الثقافي المحلي. وتعدّ المرأة أكثر حساسية للتمييز الإقليمي أو المناطقي أو القبلي، ولهذا فقد بادرن بتغيير أسمائهن في محاولة لتقليص عناصر الاختلاف مع الثقافة المهيمنة وتبنّي القيم الاجتماعية والاقتصادية والعادات ذات الشعبية في المجتمع الجديد.
وعلى عكس ذلك، فإنّ بعض المجتمعات تعطي الاختلافات الثقافية بين الناس قيمة ولا تجعلهم يضطرون إلى ترك عاداتهم وقيمهم المحلية؛ لأنها تعتمد على مبدأ الخليط الثقافي أو ما يعرف بالتعددية القومية (Ethnic Pluralism) للناس. وهذا النوع من المجتمعات يبرز فيه الفرد حسب مهاراته وقدراته الذاتية وليس بحسب نسبه أو بحسب انتمائه المكاني؛ ذلك أن الجميع يتساوون في المواطنة ويشاركون في البناء الحضاري لبلدهم وأمتهم، ويفيدون من التنوعات الطبيعية في العادات والتقاليد وفي اللهجات وفي الأسماء وفي مختلف جوانب السلوك.
ومما يمكن ذكره هنا أن ظاهرة تغيير الأسماء تعدّ سلوكاً طبيعياً يمثل مرحلة من مراحل «التكيف الثقافي» بالانتقال من الاسم النادر الشيوع إلى الأسماء ذات الشعبية التي تصلح في المدن وفي القرى، مثل: «خالد»، و«فيصل»، و«محمد»، و«أحمد» و«عبدالله»، و«عبدالعزيز»، وغيرها بالنسبة للرجال. و«مها»، و«ريم»، و«سارة»، و«أمل»، وغيرهن بالنسبة للنساء. ولكن هذا السلوك يكشف بشكل غير مباشر عن الأنساق الثقافية (Cultural Paradigms) التي تتحكم في بناء هيكل المجتمع، وتعرفنا على سمات المجتمع الأساسية ومنها أنه مجتمع لا يتقبّل التنوّع الثقافي بكافة أشكاله. ومن الواضح أن الناس تدرك هذه السمات وتظهر عندها من خلال استخدام التصنيفات النمطية (Stereotyping) الشائعة التي تقرب أو تقصي الناس سواء من خلال التصنيفات الإقليمية (أو المناطقية) أو الطبقية أو الفكرية.
ومما ينبغي ذكره هنا أن «الحوار الوطني» الذي يجري في بلادنا منذ سنوات بحاجة إلى الالتفات إلى ثقافة المجتمع الشعبية ومعرفة بنيتها ونظامها. ذلك أنه ليس من السهولة إقناع الناس بتقبّل أصحاب الديانات أو المذاهب الأخرى في حين أن ثقافتهم لاتستطيع جعلهم يتقبلون من يختلف عنهم في اللهجة أو الاسم أو الانتماء المكاني.
المصدر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|