عرض مشاركة واحدة
قديم 29-02-2008, 03:09 PM   #19
قلم صريح
 
الصورة الرمزية قلم صريح
 







 
قلم صريح is on a distinguished road
افتراضي رد : كل ما تريده عن محمد صلى الله عليه وسلم

يتبـــــــــــع







أساليب شتى لمجابهة الدعوة

ولما رأت قريش أن محمداً لا يصرفه عن دعوته هذا ولا ذاك . فكروا مرة أخرى واختاروا لقمع هذه الدعوة أساليب تتلخص فيما يأتي :

1 _ السخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب والتضحيك ، قصدوا بها تخذيل المسلمين وتوهين قواهم المعنوية فرموا النبي بتهم هازلة وشتائم سفيهة فكانوا ينادونه بالمجنون وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ ويصمونه بالسحر والكذب وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ وكانوا يشيعونه ويستقبلونه بنظرات ملتهمة ناقمة وعواطف منفعلة هائجة وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وكان إذا جلس وحول المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم وقالوا : هؤلاء جلساؤه منّ الله عليهم من بيننا وقال تعالى أليس الله بأعلم بالشاكرين وكانوا كما قص الله علينا إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون . وإذا مروا بهم يتغامزون . وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون . وما أرسلوا عليهم حافظين

2 _ تشويه تعاليمه وإثارة الشبهات ، وبث الدعايات الكاذبة ونشر الإيرادات الواهية حول هذه التعاليم وحول ذاته وشخصيته والإكثار من كل ذلك بحيث لا يبقى للعامة مجال في تدبر دعوته ، فكانوا يقولون عن القرآن أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً } وقال إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون وكانو يقولون إنما يعلمه بشر يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق وفي القرآن نماذج كثيرة للردود على إيراداتهم بعد نقلها أو من غير نقلها .

3 _ معارضة القرآن بأساطير الأولين وتشغيل الناس بها عنه فقد ذكروا أن النضر ابن الحارث قال مرة لقريش : يا معشر قريش ! والله لقد نزل بكم أمر ما أوتيتم له بحيلة بعد . قد كان محمد فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب وجاءكم بما جاءكم به قلتم : ساحر . لا والله ما هو بساحر . لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ، وقلتم : كاهن . لا والله ما هو بكاهن . قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم وقلتم : شاعر . لا والله ما هو بشاعر ، قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه ، وقلتم مجنون . لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ، ولا تخليطه يا معشر قريش فانظروا في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .

ثم ذهب النضر إلى الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس وأحاديث رستم وأسفنديار فكان إذا جلس وسلم مجلساً للتذكير بالله والتحذير من نقمته خلفه النضر ، ويقول : والله ما محمد بأحسن حديثاً مني ثم يحدثهم عن ملوك فارس ورستم وأسفنديار ثم يقول : بماذا محمد أحسن مني حديثاً مني .

وتفيد روايه ابن عباس أن النضر كان قد اشترى قينات فكان لا يسمع برجل مال إلى النبي إلا سلط عليه واحدة منها تطعمه وتسقيه وتغني له حتى لا يبقى له ميل إلى الإسلام ، وفيه نزل قوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله .

4 _ مساومات حاولوا بها أن يلتقي الإسلام بالجاهلية في منتصف الطريق بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه ويترك النبي بعض ما هو عليه قال تعالى ودوا لو تدهن فيدهنون فهناك رواية رواها ابن جرير والطبراني تفيد أن المشركين عرضوا على رسول الله أن يعبد آلهتهم عاماً ويعبدون ربه عاماً ورواية أخرى لعبد بن حميد تفيد أنهم قالوا : لو قبلت آلهتنا نعبد إلهك .. وروى ابن إسحاق بسنده قال : اعترض رسول الله _ وهو يطوف بالكعبة الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى والوليد بن المغيرة وأمية بن خلف والعاص بن وائل السهمي _ وكانوا ذوي أسنان في قومهم _ فقالوا يا محمد هلم فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد فنشترك نحن وأنت في الأمر فإن كان الذي تعبد خيراً مما نعبد كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيراً مما تعبد كنت قد أخذت بحظك منه ، فأنزل الله تعالى فيهم قل يا أيها الكافرون . لا أعبد ما تعبدون وحسم الله مفاوضتهم المضحكة بهذه المفاصلة الجازمة .. ولعل اختلاف الروايات لأجل أنهم حاولوا هذه المساومة مرة بعد أخرى .


الإضطهادات

وكان أبو جهل يجئ أحياناً إلى رسول الله يسمع منه القرآن ، ثم يذهب عنه فلا يؤمن ولا يطيع ، ولا يتأدب ولا يخشى ويؤذي رسول الله بالقول ويصد عن سبيل الله ثم يذهب مختالاً بما يفعل فخوراً بما ارتكب من الشر ، كأنما فعل شيئاً يذكر ، وفيه نزل فلا صدق ولا صلى إلخ .. وكان يمنع النبي عن الصلاة منذ أول يوم رآه يصلي في الحرم ، ومرة مر به وهو يصلي عند المقام فقال : يا محمد ألم أنهك عن هذا ، وتوعده فأغلظ له رسول الله وانتهره . فقال : يا محمد بأي شيء تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً . فأنزل فليدع ناديه وفي رواية أن النبي أخذ بخناقة ، وهزه وهو يقول له : أولى لك فأولى . ثم أولى لك فأولى فقال عدو الله : أتوعدني يا محمد ؟ والله لا تستطيع أنت ولا ربك شيئاً وإني لأعز من مشى بين جبليها .
ولم يكن أبو جهل ليفيق من غباوته بعد هذا الانتهار بل ازداد شقاوة فيما بعد .
أخرج مسلم عن أبي هريرة قال : قال أبو جهل : يعفر محمد وجهه بين أظهركم ؟ فقيل : نعم ! فقال : واللات والعزى ، لئن رأيته لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه ، فأتى رسول الله وهو يصلي ، زعم ليطأ رقبته ، فما فجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، فقالوا : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهؤلاء أجنحة ، فقال رسول الله : لو دنا مني لا ختطفته الملائكة عضواً عضواً .
كانت هذه الاعتداءات بالنسبة إلى النبي مع ما لشخصيته الفذة من وقار وجلال في نفوس العامة والخاصة ، ومع ما له من منعة أبي طالب أعظم رجل محترم في مكة ، أما بالنسبة إلى المسلمين - ولا سيما الضعفاء منهم - فإن الإجراءات كانت أقسى من ذلك وأمر ، ففي نفس الوقت قامت كل قبيلة تعذب من دان منها بالإسلام أنواعاً من التعذيب ، ومن لم يكن له قبيلة فأجرت عليهم الأوباش والسادات ألواناً من الاضطهاد ، يفزع من ذكرها قلب الحليم .
كان أبو جهل إذا سمع برجل أسلم له شرف ومنعة أنبه وأخزاه ، و أوعده بإبلاغ الخسارة الفادحة في المال ، والجاه ، وإن كان ضعيفاً ضربه وأغرى به .
وكان عم عثمان بن عفان يلفه في حصير من أوراق النخيل ثم يدخنه من تحته .. ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه أجاعته وأخرجته من بيته ، وكان من أنعم الناس عيشاً فتخشف جلده تخشف الحية .
وكان بلال مولى أمية بن خلف الجمحي ، فكان أمية يضع في عنقه حبلاً ، ثم يسلمه إلى الصبيان ، يطوفون به في جبال مكة ، حتى كان يظهر أثر الحبل في عنقه ، وكان أمية يشده شداً ثم يضربه بالعصا ، وكان يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس ، كما كان يكرهه على الجوع ، وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه في بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول : لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد ، وتعبد اللات والعزى . فيقول - وهو في ذلك - أحد ، أحد ، حتى مر به أبو بكر يوماً وهم يصنعون ذلك به ، فاشتراه بغلام أسود ، وقيل بسبع أواق أو بخمس من الفضة وأعتقه . وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم ، أسلم هو وأبوه وأمه ، فكان المشركون - وعلى رأسهم أبو جهل - يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها . ومر بهم النبي وهم يعذبون فقال : صبراً آل ياسر ! فإن موعدكم الجنة ، فمات ياسر في العذاب ، وطعن أبو جهل سمية _ أم عمار _ في قلبها بحربة فماتت ، وهي أول شهيدة في الإسلام ، وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة ، وبوضع الصخر أحمر على صدره أخرى ، وبالتغريق أخرى . وقالوا : لانتركك حتى تسب محمداً ، أو تقول : في اللات والعزى خيراً ، فوافقهم على ذلك مكرهاً ، وجاء باكياً معتذراً إلى النبي ، فأنزل الله من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان
وكان أبو فكيهة _ واسمه أفلح _ مولى لبني عبد الدار ، فكانوا يشدون برجله الحبل ، ثم يجرونه على الأرض .
وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سباع الخزاعية ، فكان المشركون يذيقونه أنواعاً من التنكيل ، يأخذون بشعر رأسه فيجذبونه جذباً ، ويلوون عنقه تلوية عنيفة وأضجعوه مرات عديدة على فهام ملتهبة ، ثم وضعوا عليه حجراً ، حتى لا يستطيع أن يقوم .

وكانت زنيرة والنهدية وابنتها وأم عيسى إماء أسلمن وكان المشركون يسومونهن من العذاب أمثال ما ذكرنا . واسلمت جارية لبني مؤمل _ وهم حي من بني عدي _ فكان عمر بن الخطاب _ وهو يومئذ مشرك _ يضربها حتى إذا مل قال : إني لم اترك إلا ملالة .

وابتاع أبو بكر هذه الجواري فأعتقهن كما أعتق بلالاً وعامر بن فهيرة وكان المشركون يلفون بعض الصحابة في إهاب الإبل والبقر ثم يلقونه في حر الرمضاء ويلبسون بعضاً أخر درعاً من الحديد ثم يلقونه على صخرة ملتهبه .. وقائمة المعذبين في الله طويلة جداً فما من أحد علموا بإسلامه إلا تصدوا له وآذوه .


دار الأرقم

كان من الحكمة تلقاء هذه الاضطهادات أن يمنع رسول الله المسلمين عن إعلان إسلامهم قولاً أو فعلاً وأن يجتمع بهم إلا سراً لأنه إذا اجتمع بهم علناً فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين بل وقع ذلك فعلاً في السنة الرابعة من النبوة ، وذلك أن ا صحاب رسول الله كانوا يجتمعون في الشعاب فيصلون فيهم سراً فرآهم نفر من كفار قريش فسبوهم وقاتلوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلاً فسال دمه وكان أول دم أهريق في الإسلام.

ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم فكان من الحكمة الاختفاء فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، أما رسول الله فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين ، لا يصرفه عن ذلك شئ ولكن كان يجتمع مع المسلمين سراً نظراً لصالحهم وصالح الإسلام وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا . وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فكان أن اتخذها مركزاً لدعوته ، ولا جتماعه بالمسلمين من السنة الخامسة من النبوة .
قلم صريح غير متواجد حالياً