عرض مشاركة واحدة
قديم 29-02-2008, 03:13 PM   #20
قلم صريح
 
الصورة الرمزية قلم صريح
 







 
قلم صريح is on a distinguished road
افتراضي رد : كل ما تريده عن محمد صلى الله عليه وسلم

يتبــــــــــــع







الهجرة الأولى إلى الحبشة

كانت بداية الاضطهادات في أواسط أو أواخر السنة الرابعة من النبوة ، بدأت ضعيفة ثم لم تزل يوماً فيوماً وشهراً فشهراً حتى اشتدت وتفاقمت في أواسط السنة الخامسة ، حتى نبا بهم المقام في مكة ، و أوعزتهم أن يفكروا في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم وفي هذه الساعة الضنكة الحالكة نزلت سورة الكهف ، ردوداً على أسئلة أدلى بها المشركون إلى النبي ولكنها اشتملت على ثلاث قصص ، فيها إشارات بليغة من الله تعالى إلى عباده المؤمنين ، فقصة أصحاب الكهف ترشد إلى الهجرة من مراكز الكفر والعدوان حين مخالفة الفتنة على الدين ، متوكـــلاً على الله وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً .

وقصة الخضر وموسى تفيد أن الظروف لا تجري ولا تنتج حسب الظاهر دائماً ، بل ربما يكون الأمر على عكس كامل بالنسبة إلى الظاهر . ففيها إشارة لطيفة إلى أن الحرب القائمة ضد المسلمين ستنعكس تماماً وسيصادر هؤلاء الطغاة المشركون _ إن لم يؤمنوا _ أمام هؤلاء الضعفاء المدحورين من المسلمين .

وقصة ذي القرنين تفيد أن الأرض لله يورثها من عباده من يشاء وأن الفلاح إنما هو في سبيل الإيمان دون الكفر وأن الله لا يزال يبعث من عباده _ بين آونة وأخرى _ من يقوم بإنجاء الضعفـــــاء من يأجوج ذلك الزمان ومأجوجه وأن الأحق بإرث الأرض إنما هم عباد الله الصالحون . ثم نزلت سورة الزمر تشير إلى الهجرة وتعلن بأن أرض الله ليست بضيقة للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ، وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب

وكان رسول الله قد علم أن أصحمة النجاشي ملك الحبشة ملك عادل لا يظلــــم عنده أحد فأمر المسلمين أن يهاجروا إلى الحبشة فراراً بدينهم من الفتن .

وفي رجب سنة خمس من النبوة هاجر أول فوج من الصحابة إلى الحبشة كان مكوناً من اثني عشـــر رجلاً وأربع نسوة ، رئيسهم عثمان بن عفان ومعه السيدة رقية بنت رسول الله وقد قال النبي فيهما : إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام .

كان رحيل هؤلاء تسللاً في ظلمة الليل _ حتى لا تفطن لهم قريش _ خرجوا إلى البحر ، ويمموا ميناء شعيبة وقيضت لهم الأقدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة وفطنت لهم قريش فخرجت في آثارهم ، لكن لما بلغت إلى الشاطئ كانوا قد انطلقوا آمنين وأقام المسلمين في الحبشة في أحسن جوار .

وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي إلى الحرم ، وهناك جمع كبير من قريش كان فيه ساداتها وكبراؤها فقام فيهم وأخذ يتلوا سورة النجم بغتة ، إن إولئك الكفار لم يكونوا سمعوا كلام الله قبل ذلك ، لأن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضاً ، من قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن وألغوا فيه لعلكم تغلبون فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة ، وقرع آذانهم كلام إلهي رائع خلاب _ لا يحيط بروعته وجلالته البيان _ تفانوا عما هم فيه وبقي كل واحد مصغياً إليه ، لا يخطر بباله شئ سواه حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب ثم قرأ : فاسجدوا لله واعبدوا ثم سجد لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجداً وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت العناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين فما تمالكوا أن يخروا لله ساجدين .

وسقط في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لوى زمامهم فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين ، وعند ذلك كذبوا على رسول الله وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير وأنه قال عنها (( تلك الغرانقة العلى وإن شفاعتهن لترتجى )) جاءوا بهذا الإفك المبين ليعتذروا عن سجودهم مع النبي وليس يستغرب هذا من قوم كانوا يؤلفون الكذب ، ويطيلون الدس والافتراء .

بلغ هذا الخبر إلى مهاجري الحبشة ولكن في صورة تختلف تماماً عن صورته الحقيقية ، بلغهم أن قريشاً أسلمت ، فرجعوا إلى مكة في شوال من نفس السنة ، فلما كانوا دون مكة ساعة نهار وعرفوا جلية الأمر ، رجع منهم من رجع إلى الحبشة ، ولم يدخل في مكة من سائرهم أحد إلا مستخفياً ، أو في جوار رجل من قريش .

ثم اشتد عليهم وعلى المسلمين البلاء والعذاب من قريش وسطت بهم عشائرهم فقد كان صعب على قريش ما بلغها عن النجاشي من حسن الجوار ولم ير رسول الله بداً من أن يشير على أصحابه بالهجرة إلى الحبشة مرة أخرى وكانت هذه الهجرة الثانية أشق من سابقتها فقد تيقظت قريش وقررت إحباطها بيد أن المسلمين كانوا أسرع ويسر الله لهم السفر فانحازوا ألى نجاشي الحبشة قبل أن يدركوا.

وفي هذه المرة هاجر من الرجال ثلاثة وثمانون رجلاً إن كان فيهم عمار فإنه يشك فيه وثمان عشرة أو تسع عشرة امرأة وبالأول جزم العلامة محمد سليمان المنصور فوري


مكيدة قريش بمهاجري الحبشة

عز على المشركين أن يجد المهاجرون مأمناً لأنفسهم ودينهم ، فاختاروا رجلين جلديين لبيبين وهما : عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة _ قبل أن يسلما _ وأرسلوا معهما الهدايا المستطرفة للنجاشي ولبطارقته وبعد أن ساق الرجلا تلك الهدايا إلى البطارقة وزوداهم بالحجج التي يطرد بها أولئك المسلمون ، وبعد أن اتفقت البطارقة أن يشيروا على النجاشي بإقصائهم حضرا إلى النجاشي ، وقدما له الهدايا ثم كلماه فقالا له :

أيها الملك إنه قد ضوى إلى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم وعشائرهم ، لتردهم إليهم فهم أعلى بهم عيـــــناً وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه .

وقالت البطارقة : صدقاً أيها الملك فأسلمهم إليهما ، فليرداهم إلى قومهم وبلادهم . ولكن رأى النجاشي أنه لا بد من تمحيص القضية وسماع أطرافها جميعاً ، فأرسل إلى المسلمين ودعاهم فحضروا وكانوا قد أجمعوا على الصدق كائناً من كان . فقال لهم النجاشي : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا به في ديني ولا دين أحد من هذه الملل ؟

قال جعفر بن أبي طالب _ وكان هو المتكلم عن المسلمين _ أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ونسيء الجوار ويأكل منا القوي الضعيف فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانه ، وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ونهانا عن الفواحش وقول الزور ، وأكل مال اليتيم وقذف المحصنات وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام _ فعدد عليه أمور الأسلام _ فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ماجاءنا به من دين الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئاً وحرمنا ما حرم علينا وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ماكنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك .

فقال له النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شئ ؟ فقال له جعفر : نعم ! فقال له النجاشي : فاقرأه علي ، فقرأ عليه صدراً من كهيعص فبكى والله النجاشي حتى اخضلت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ، ثم قال لهم النجاشي : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا ، فلا والله أسلمهم إليكما ولا يكادون _ يخاطب عمرو بن العاص وصاحبه _ فخرجا ، وقال عمرو بن العاص لعبد الله بن ربيعة : والله لآتينهم غداً عنهم بما أستأصل به خضراءهم ، فقال له عبد الله بن ربيعة : لا تفعل ، فإن لهم ارحاماً وإن كانوا قد خالفونا ، ولكن أصر عمرو على رأيه .

فلما كان الغد قال للنجاشي : أيها الملك ! إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولاً عظيماً فأرسل إليهم النجاشي يسألهم عن قولهم في المسيح ، ففزعوا ، ولكن اجمعوا على الصدق كائناً من كان ، فلما دخلوا عليه ، وسألهم قال له جعفر : نقول فيه الذي جاءنا به نبينا : هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .

فأخذ النجاشي عوداً من الأرض ثم قال : والله ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود ، فتناخرت بطارقته ، فقال : وإن نخرتم والله .

ثم قال للمسلمين : اذهبوا فأنتم شيوم بأرضي _ والشيوم : الآمنون بلسان الحبشة _ من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، من سبكم غرم ، ما أحب أن لي دبراً من ذهب وأنى آذيت رجلاً منكم _ والدبر الجبل بلسان الحبشة .

ثم قال لحاشيته ردّوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فو الله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه .

قالت أم سلمة التي تروي هذه القصة : فخرجا من عنده مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءوا به وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار .

هذه رواية ابن إسحاق وذكر غيره أن وفادة عمرو بن العاص إلى النجاشي كانت بعد بدر ، وجمع بعضهم بأن الوفادة كانت مرتين لكن الأسئلة والأجوبة التي ذكروا أنها دارت بين النجاشي وجعفر في الوفادة الثانية هي نفس الأسئلة والأجوبة التي ذكرها إبن اسحاق تقريباً ، ثم إن الأسئلة تدل لفحواها أنها كانت في أول مرافعة قدمت إلى النجاشي .

أخفقت حيلة المشركين ، وفشلت مكيدتهم وعرفوا أنهم لا يشيعون ضغينتهم إلا في حدود سلطانهم ونشأت فيهم من أجل ذلك فكرة رهيبة . رأوا أن التفصي عن هذه (( الداهية )) لا يمكن إلا بكف رسول الله عن دعوته تماماً ، وإلا فبإعدامه ، ولكن كيف السبيل إلى ذلك وأبو طالب يحوطه ويحول بينه وبينهم ؟ رأوا أن يواجهوا أبا طالب في هذا الصدد.


قريش يهددون أبا طالب

جاءت سادات قريش إلى أبي طالب فقالوا له : يا أبا طالب إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا . وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه ، وإنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله وإياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين .

عظم على أبي طالب هذا الوعيد والتهديد الشديد ، فبعث إلى رسول الله وقال له : يا ابن أخي إن قومك قد جاؤوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، فأبق عليّ وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق فظن رسول الله أن عمه خاذله وأنه ضعُف عن نصرته ، فقال : يا عم ! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر _ حتى يظهره الله أو أهلك فيه _ ما تركته ، ثم استعبر وبكى ، وقام فلما ولى ناداه أبو طالب فلما أقبل قاله له : اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشئ أبداً .. ثم أنشد :

والله لن يصلـوا إليك بجمعـهم
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
حتى أوسد في التراب دفينا
وأبشر وقر بذاك منك عيونا




فكرة الطغاة في إعدام النبي صلي الله عليه و سلم


وبعد فشل قريش وخيبتهم في الوفادتين عادوا إلى ضراوتهم وتنكيلهم بأشد مما كان قبل ذلك ، وخلال هذه الأيام نشأت في طغاتهم فكرة إعدامه بطريق أخرى وكانت هذه الفكرة وتلك الضراوة هي التي سببت في تقوية الإسلام ببطلين جليلين من أبطال مكة ، وهما حمزة بن عبدالمطلب ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

فمن تلك الضراوة أن عتيبة بن أبي لهب أتى يوماً إلى رسول الله فقال : أنا أكفر بـ النجم إذا هوى و بالذي دنا فتدلى ثم تسلط عليه بالأذى وشق قميصه وتفل في وجهه إلا أن البزاق لم يقع عليه وحينئذ دعا عليه النبي وقال . اللهم سلط عليه كلباً من كلابك ، وقد استجيب دعاؤه فقد خرج عتيبة مرة في نفر من قريش حتى نزلوا في مكان من الشام فغدا عليه الأسد من بين القوم وأخذ برأسه فذبحه .

ومنها ما ذكر أن عقبة بن أبي معيط وطئ على رقبته الشريفه وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان .

ومما يدل على أن طغاتهم كانوا يريدون قتله ما رواه ابن إسحاق في حديث طويل ، قال : قال أبو جهل :
يا معشر قريش إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو أمنعوني فليصنع بعد ذلك بنو بعد مناف ما بدا لهم ، قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبداً فامض لما تريد .

فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراُ كما وصف ، ثم جلس لرسول الله ينتظره وغدا رسول الله كما كان يغدو فقام يصلي ، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ، ينتظرون ما أبو جهل فاعل ـ فلما سجد رسول الله ، احتمل أبو جهل الحجر ، ثم أقبل نحوه ، حتى إذا دنا منه رجع منهزماً منتقعاً لونه ، مرعوباً قد يبست يداه على حجره ، حتى قذف الحجر من يده وقامت إليه رجال قريش فقالوا له : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت إليه لأفعل به ما قلت لكم البارحة ، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، لا والله ما رأيت مثل هامته ، ولا مثل قصرته ولا أنيابه لفحل قط ، فهمّ بي أن يأكلني .

قال ابن إسحاق : فذكر لي أن رسول الله قال : ذلك جبريل عليه السلام لو دنا لأخذه .

وبعد ذلك فعل أبو جهل برسول الله ما أدى إلى إسلام حمزة رضي الله عنه وسيأتي .

أما طغاة قريش فلم تزل فكرة إعدام تنضج في قلوبهم ، روى ابن إسحاق عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : حضرتهم وقد اجتمعوا في الحجر ، فذكروا رسول الله ، فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ، فبينا هم كذلك ، إذ طلع رسول الله فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفاً بالبيت ، فغمزوه ببعض القول ، فعرفت ذلك في وجه رسول الله ، فلما مرّ بهم الثانية غمزوه بمثلها فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مرّ بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ثم قال : أتسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته ، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد ، ويقول : انصرف يا أبا القاسم ، فو الله ما كنت جهولاً.

فلما كان الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره إذ طلع عليهم ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد وأحاطوا به ، فلقد رأيت رجلاً منهم أخذ بمجمع ردائه ، وقام أبو بكر دونه وهو يبكي ويقول : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه . قال ابن عمرو: فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشاً نالوا منه قط . انتهى ملخصاً .

وفي رواية البخاري عن عروة بن الزبير قال : سألت ابن عمرو بن العاص أخبرني بأشد شئ صنعه المشركون بالنبي قال : بينا النبي يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط ، فوضع ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً ، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن النبي وقال : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ؟

وفي حديث أسماء : فأتى الصريخ إلى أبي بكر ، فقال : أدرك صاحبك ، فخرج من عندنا ، وعليه غدائر أربع ، فخرج وهو يقول : أتقتلون رجلاً أن يقول : ربي الله ؟ فلهوا عنه ، وأقبلوا على أبي بكر ، فرجع إلينا لا نمس شيئاً من غدائره إلا رجع معنا.
قلم صريح غير متواجد حالياً