رد : معركة اليرموك من أعظم المعارك الإسلامية
: التتار
هم شعب بدوي يعيش على أطراف صحراء غوبي (على أطراف بلاد الصين) وهم سكان براري مشهورين بالشر والغدر، يطيعون رؤساءهم طاعة كبيرة ويحبون الحرب والسلب ويعبدون الكواكب ويسجدون للشمس.
والتتار هم أصل القبائل المتفرعة عنهم جميعاً من مغول وترك وسلاجقة وغيرهم. والتتار والمغول إخوان فعندما سيطر المغول على التتار كانوا بقيادة جينكز خان فعمّ اسمهم على باقي القبائل. والتتار هم الذين سيطروا أيام تيمورلنك فشمل اسمهم القبائل كلها. ولما جمع جينكزخان قبائل التتار حوله وانطلق نحو الشمال الشرقي في بلاد الصين يضم إليه البلاد بدأ الصليبيون بتحريضهم على المسلمين. فاتجه جينكزخان نحو الغرب، وظهرت جماعة من التتار عام 606 هـ في بلاد فرغانة فخرب خوارزمشاه محمد تكش صاحب دولة خوارزم فرغانة والشاش وكاسان خوفاً من أن يستولي عليها التتار، فبدأ التتار يتمركزون في تلك الجهات واستمرت الحالة حتى 615هـ.
ثم أرسل جينكز خان رسلاً للمهادنة بينه وبين خوارزماشه محمد تكش وليسير التجار بين المملكتين فأجابه إلى ذلك، فجاء بعض التجار التتار إلى بلاد ما وراء النهر ليشتروا ثياباً لجينكزخان الذي انطلق إلى بعض نواحي تركستان فلما وصلوا إلى بلاد خوارزمشاه وعلم بهم أمر نائبه بقتل التجار وأخذ ما معهم وأرسل عيوناً له إلى تركستان ليعرف أخبار التتار وعددهم فلما رجعت إليه الأخبار بكثرة التتار وقدرتهم القتالية وصنعهم بأنفسهم للسلاح الذي يقاتلون به ندم على ما فعل فأرسل له جينكزخان يهدده ويتوعده فقام خوارزماشاه بقتل رسوله وسار هو أيضاً إلى بلاد التتار ووقعت بين الطرفين معركة كبيرة جداً أنهك فيها الطرفان، ثم رجع خوارزمشاه إلى بخارى وبدأ يستعد للقتال فحصن بخارى وسمرقند وراح يجمع الجُند من خوارزم وخراسان.
وجاء التتار وخوارزم غائب يجمع الجيوش فدخلوا بخارى وسمرقند وفعلوا فيهما الموبقات وقتلوا من أهلهما الكثير ثم ساروا إلى مازندران فالري وهمدان وأذربيجان وأخذوها كلها. وانتصروا على الأكراد والتركمان والكرج وانطلقوا عام 620 هـ إلى روسيا فدخلوها ونهبوها. أما جينكزخان فقد بقي في سمرقند وأرسل قسماً من جيشه إلى فرغانة ثم عاد الجيش إليه وعندما اجتمعت الجيوش عنده ثانية أرسل جيشاً عظيماً إلى خوارزم وجيشاً آخر إلى خراسان وقد دخل الجيش خوارزم ودمرها ولحق قسم من الجيش في إثر خوارزمشاه الذي هرب إلى مازندران ثم انتقل إلى جزيرة في بحر الخزر ومات هناك عام 620 هـ .
وعندما اجتمعت الجيوش عند جينكزخان من جديد جهز جيشاً قوياً وسيّره إلى غزنة وكان عليها جلال الدين بن خوارزمشاه فانتصر المسلمون وهرب التتار إلى الطالقان، ثم التقى المسلمون ثانية مع التتار في كابل وانتصر المسلمون من جديد. ثم اختلفوا فيما بعد وتركهم سيف الدين الخلجي واتجه إلى الهند وملكها، وقد حاول جلال الدين إعادته لكنه لم ينجح في ذلك. وشعر جلال الدين بالضعف فسار إلى بلاد السند وشعر بذلك جينكزخان ولاحقه فنشب قتال بين الطرفين وهزم المسلمون ثم تمكنوا من اجتياز السند، ورجع التتار إلى غزنة وضربوها وارتكبوا فيها المنكرات. وكان التتار يخرجون بالأسرى ويطلبون منهم القتال معهم وإلا قتلوهم لذا كانوا يضحون بأعداد كبيرة ويوهمون الأعداء بكثرتهم.
وقد صمد غياث الدين بن خوارزمشاه في أصفهان وامتنع عن التتار الذين عجزوا عن دخول مدينته فلما انصرفوا عنها توسع وملك أجزاء من فارس، وفي عام 622 هـ وصل إليه أخوه جلال الدين عائداً من الهند. سار جلال الدين إلى التتار بالقرب من الري وقد وصل إليهم خبر مسيرهم نحو بلاد المسلمين فالتقى بهم وهزمهم. مات جينكزخان عام 624 هـ وخلفه ابنه الثالث أوجتاي الذي قضى على إمبراطورية شمالي الصين ثم التفت إلى الغرب وأرسل جيشاً قوامه مائة وخمسين ألف مقاتل وأمره بالتحرك نحو مملكة خوارزم وكان جلال الدين قد اختلف مع أخيه غياث الدين الذي لجأ إلى الإسماعيلية فحموه.
وصل التتار من جديد إلى جهات الري لقتال جلال الدين وقد آلمهم توسعه الجديد بعد رجوعه من الهند وسار إليهم جلال الدين وجرت بين الفريقين حروب كثيرة كان النصر في آخرها لجلال الدين ثم قاتل التتار من جديد وفارقه أخوه غياث الدين قبل المعركة مع فرقة من الجيش وظن التتار أنها خدعة فانهزموا، وكذلك كان ظنه هو أيضاً فانهزم، وشعر التتار بما كان فرجعوا يحاصرون أصفهان وجاء إليها جلال الدين وهزم التتار وتبعهم إلى الري، ثم عاد إلى أرمينيا ونهبها فجاءه جيش آخر من التتار فهرب من وجهه وقتله احد الفلاحين عام 629 هـ . وصل التتار إلى أذربيجان عام 628 هـ وملكوها واتجهوا إلى ديار بكر والجزيرة، ووصلت جماعة منهم إلى أربيل وحاصروها فأرسل الخليفة نجدة لأهلها فانسحب التتار راجعين عنها بعدما ارتكبوا المجازر والفظائع بحق الشعب الأعزل.
ثم أعاد أوجتاي بن جينكزخان عام 637 هـ تقسيم جيوشه إلى ثلاثة أقسام: أحدها إلى توريا والثاني إلى إمبراطورية سونغ الصينية والثالث إلى شرقي أوروبا وجعل قائد هذا الجيش باتو ابن أخيه جوجي فدخل بلاد البلغار وموسكو وكييف وأبادوهما وانقسم جيش باتوا بعدها إلى قسمين قسم بإمرته سار نحو بلاد المجر فانتصر عليه وذبح الجيش المجري كاملاً والآخر بإمرة «بيدار» اتجه نحو بولندا فأحرق ما استطاع من مدن بولندا. وفي عام 644 هـ مات «أوجتاي» فاستدعي ابن أخيه «باتو» للرجوع إلى بلاد المغول وخلف «أوجتاي» ابنه «كيوك» الذي مات بعد عامين 646 هـ فخلفه ابن عمه «مانجو» بن تولوي الذي وجه أخاه كوييلاي إلى الصين فاتخذ عاصمة له في بكين وسير أخاه الآخر «هولاكو» لغزو بلاد فارس والعراق والشام، ولما تم إعداد الحملة انطلق نحو بلاد ما وراء النهر فجاءه الأمراء يعلنون الطاعة له ثم سار إلى فارس وطلب من الأمراء مساعدته للقضاء على الإسماعيلية، وقد تمكن من هزيمتهم وأسر زعيمهم ركن الدين خورشاه وقتله.
وكتب إلى الخليفة المستعصم بالله يعاتبه على عدم مساعدته في قتال الإسماعيلية كما طلب منه أن يهدم الحصون ويردم الخنادق ويتنازل عن السلطة لابنه، ويهدده إن لم يقبل النصح فأرسل له الخليفة رسالة فيها شيء من إظهار القوة والاستعداد، فاستشار هولاكو من معه من المسلمين فأشار عليه حسام الدين الفلكي بعدم التعرض للخلافة في بغداد، في حين أن نصير الدين الطوسي قد شجعه على المضي إلى بغداد، فانطلق إلى بغداد يقود هو قسماً من الجيش لحصارها من جهة الشرق ويرافقه عدد من أمراء المسلمين أمثال نصير الدين الطوسي وأمير الموصل وأمير شيراز وأعطى إمارة القسم الثاني من الجيش إلى «باجو» وطلب منه حصار بغداد من جهة الغرب.
وكان باجو قد أسرع للهجوم على بغداد من جهة الغرب فقابلته جيوش الخليفة المستعصم في يوم عاشوراء عام 656 هـ فخلا الجو لهولاكو من ناحية الشرق فتقدم، وكان جيش التتار يقدر بمائتي ألف مقاتل وبذل السيف في بغداد واستمر القتال نحو أربعين يوماً فبلغ القتل فيها أكثر من مليون نسمة،ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أوقناة. وفي 4 صفر خرج الخليفة لمقابلة أولاده الثلاثة أحمد أبا العباس وعبد الرحمن أبا الفضائل ومبارك أبا المناقب وللاستسلام له. مع ثلاثة آلاف من القضاة والفقهاء وأعيان المدينة، فأنزل الخليفة في خيمة ثم دخل الوزير العلقمي الممالىء لهولاكو الطاغية فاستدعى الفقهاء وأمثالهم ليحضروا العقد فخرجوا فضربت أعناقهم، وصار كذلك تخرج طائفة بعد طائفة حتى قتل جميع من هناك من العلماء والأمراء والقادة. واندلع القتال من جديد وسيِّر الخليفة إلى بغداد ومعه نصير الدين الطوسي وابن العلقمي ليدل جند هولاكو على أماكن الذهب والنفائس والمجوهرات، ولما عاد إلى هولاكو قتل المستعصم بالله في 14 ـ صفر ـ 656 هـ وأصبحت بغداد بعد الأربعين يوماً خاوية على عروشها ثم أعطي الناس الأمان فخرج من خرج من الأقنية والآبار والمقابر كأنهم الموتى خرجوا من قبورهم ولكن انتشرت الأمراض والأوبئة فأتت على أعداد كبيرة منهم أيضاً. وهكذا قضى التتار بقيادة هولاكو على الدولة العباسية في بغداد وفوض أمرها إلى الأمير علي بهادور ومعه ابن العلقمي.
|