رد : عظماء من الصفر
الجنرال ماك ارثر
يعتبر دوجلاس ماك آرثر أشد الجنرالات إثارة للجدل في القرن العشرين إنه بطل وطني وضع العالم على شفير حرب نووية، كان ماك آرثر ابنًا لبطل في الحرب الأهلية وكان عليه تحقيق الكثير. اشتهر في كلية واستبوينت العسكرية بأدواره المأساوية. كان شابًا سريع الغضب، يميل إلى تغطية شعوره بعدم الأمان وهذا ما أظنه؛ لما عُرف فيه من أنانية وغرور ومأساوية كذلك. عُرفت أمه بقبضتها الحديدية، عندما كان في وستبوينت أقامت في غرفة تطل على غرفته للتحقق من أنه يعمل كما يجب، وقد أمضت أربع سنوات في غرفة الفندق لمراقبة ابنها. تفوق ماك آرثر في وستبوينت رغم مراقبة أمه له توجه لإثبات جدارته في ميادين الحرب العالمية الأولى فأصبح الضابط الأمريكي الأكثر تقلدًا للأوسمة، عين ماك آرثر في واشنطن في ثلاثينيات القرن العشرين مما جعله على اتصال بالصحافة. في عام 1942 أعلن ماك آرثر بطلاً وطنياً عندما كان قائدًا في الفلبين على جبهات الحرب على اليابان، كانت الأمور في حالة سيئة، كان على قصف مرفأ بيرل أن يشكل تحذيرًا له ولكن بعد تسع ساعات تحطمت وحداته الجوية تماماً وهي على المدارج، بعد ذلك غزا اليابانيون. أمرته واشنطن بالخروج من هناك لتفادي أسره فغادر المكان تاركًا جيشه وراءه مستحقاً بذلك لقب جبان من اليابانيين. شكلت عودة ماك آرثر إلى الفلبين من أكثر صور الحرب العالمية الثانية حدة، أصبح شخصية لا تكبح، فوقع عليه الاختيار لترؤس المراسيم الرمزية لنهاية الحرب واستسلام اليابان. لقد أصبح الجنرال ماك آرثر منذ تلك اللحظة الحاكمَ المطلقة لليابان وكأنه الامبراطور أوكلت إليه مهمة إعادة بناء البلد، تحولت عائلة ماك آرثر إلى عائلة ملكية في جميع المجالات باستثناء اللقب ولا يسائلها أحد ولم يتمتع أمريكي بمثل هذه السلطة من قبل. لقد تحول إلى حاكم إمبراطوري واسع الصلاحية في اليابان، فأخذ يدير البلاد، أحاط نفسه بحراس الشرف والشرطة العسكرية التي كانت تدفع الناس بعيدًا عند وصوله وهكذا أصبح مغمورًا بالسلطة وحبه لنفسه على ما أظن. وصل النداء إلى ماك آرثر في اليابان لوقف التقدم الشيوعي، دُعي إلى قيادة قوات الأمم المتحدة هناك وهو جنيرال في السبعين من عمره وعلى كتفيه خمس نجوم أي أنه كان متفوقًًا على قادته في واشنطن تحولت كوريا إلى امتحان لاختبار الإصرار الأمريكي على مواجهة الشيوعية ومعاقبتها وليس غريباً أن يعزز شهرته هناك كما فعل في الحرب العالمية الثانية. لكن سرعان ما أخذ ماك آرثر يكشف عن تحولات مزاجه العنيفة التي تميز بها طوال حياته. تحدث في إحدى المناسبات بطريقة متهورة قائلاً: " إنه يستطيع التغلب على كوريا الشمالية واضعا إحدى يديه خلف ظهره " وبعد يومين من ذلك وصف نفسه باليائس من انهيار جيش كوريا الجنوبية : كانت مخاوفه في محلها، ففي سبتمبر تمكن جيش كوريا الشمالية من الاستيلاء على غالبية أراضي كوريا الجنوبية لكن ماك آرثر وضع خطة جريئة وخيالية إذ عمل على إنزال قوة هائلة على مسافة مائتي ميل خلف خطوط كوريا الشمالية في مستنقع ناءٍ اسمه "إنشون شكلت إنشون منطقة إنزال خطرة لما فيها من مد وجزر وبحار عالية ومناطق موحلة، أي إنها غير صالحة للإنزال، وصلت إليها الوحدات الأمريكية دون أي إصابة مما أكد براعته الاستراتيجية للكثيرين ولنفسه، قال قائد الأركان حينئذ: " إنه بعد إنزال إنشون أصبح من المستحيل مسائلة ماك آرثر في أي شيء ". بدأت قوات كوريا الشمالية بالانسحاب فأصر ماك آرثر على مطاردهم أيًّا كان مصير هذه المطاردة وسرعان ما توجه الأمريكيون مباشرة إلى الحدود مع الصين، أخذ الصينيون يطلقون التهديدات التي زادت من حماسة ماك آرثر: قال لصديق له: لا أعر ف إن كان الصينيون سيتورطون في الحرب الكورية ولكنني أدعو الله كل ليلة أن يدخلوها لأتمكن من تحقيق النصر الذي تحتاج أمريكا إليه، وكانت كلمة أمريكا هنا تشكل مرادفًا لماك آرثر أيضاً. أراد ترومان التحقق من أن الحرب أوشكت أن تنتهي فأوضح له ماك آرثر أنه يستطيع التعامل مع التدخل الصيني بسهولة إذا حصل، وأنه لا داعي للقلق. أما على انفراد فقد أعرب كل منهما عن ازدرائه بالآخر تحدث ترومان عن الجنيرال المفاخر الذي لم يلق عليه التحية كما يجب، كان يرتدي بذة متسخة وقبعة متجعدة فيما تحدث ماك آرثر عن جهل ترومان وعدم كفاءته رغم إعلانهما عن توافق في الأفكار: لم تقتصر عجرفة ماك آرثر على الطريقة التي عامل بها رئيسه، بل هزئ أيضاً بالصينيين وزعيمهم ماوسي تون، استخدم الصينيون ذلك في صالحه: كان ماك آرثر متعجرفًا وقد اعتبر ماو أن العجرفة مهمة لنحاح القائد العسكري، ولكن العجرفة من جهة أخرى يمكن أن تصيب القائد العسكري بالعمى، اعتبر ماو أن عداء ماك آرثر للصين يثير غضبه شخصيًا، وقد زاد من غضبه ازدراء ماك آرثر وجهله باحتمالات التدخل الصيني فقال: " نحن سنجبرك بالقوة على ذلك " : تجاهل ماك آرثر التهديد بتوجه مائتي ألف صيني نحو الحدود حيث نهر اليالو المتجمد خاصة أنه لم يرَ أثرًا لهم في أي مكان . : تعمدوا الانسحاب من هناك، وأخفوا القوات في المناطق الجبلية وأوحوا إلى العدو بالتقدم إلى الأمان وأعدوا شركًا له.: كانت خُدعة محكمة إذ تدفق فجأة أربعمائة ألف جندي من وراء التلال تعرض الجيش الثامن لأحد عشر ألف إصابة في الأيام القليلة الأولى وبعد هذه الهزيمة النكراء انسحب الأمريكيون ثلاثمائة ميل إلى الخلف وهذا أطول انسحاب في التاريخ الأمريكي. طالب ماك آرثر باستخدام الأسلحة النووية، كانت الحرب. قد استقرت بنسبة عالية ولكن ماك آرثر وضع لائحة بمواقع صينية يمكن قصفها بالقنابل الذرية. أراد قصف المدن الصنية والتخلص من العوائق البحرية أي أنه يريد تصعيد الحرب على نطاق واسع وتحويلها إلى حرب جديدة موجهة ضد الصين. لكن ترومان لم يشأ أن يكون الرجل الذي يطلق الحرب العالمية الثالثة، أخذ يرسل دعوات سلام إلى الصينيين عارضا عليهم الانسحاب إلى حدود كوريا الجنوبية، كان الوضع هناك في غاية الدقة ما أغضب الرئيس ترومان أنه في الرابع والعشرين من مارس أي قبل يومين من تقديم الخطة إلى الصينيين عقد ماك آرثر مؤتمراً صحفيًا أعلن فيه أن الجيش الصيني أثبت في كوريا أنه من وحوش الدرجة الثالثة، وأنه فشل في محاولته الاستيلاء على كوريا وأنه يمنحه فرصة أخيرة للاستسلام له شخصيًا، لكنه إذا رفض الاستسلام فسيضطر إلى إرسال الطائرات والبوارج البحرية الأمريكية لقصف الأراضي الصينية. منذ تلك اللحظة أخذ ترومان يكتب في مذكراته أن الوقت حان لنقل الجنيرال الكبير من الشرق الأقصى. أخيراً هبت الرياح التي كانت تعصف بين واشنطن وماك آرثر بعد صدور نبأ إقالة القائد الأعلى من قبل الرئيس ترومان. اذ قال الرئيس ترومان امام شعبه: أرى ضرورة لوضع حد للحرب الكورية ولتفادي وقوع حرب عالمية ثالثة وتبين من الأحداث أن ماك آرثر لا يوافق على هذه السياسة مطلقا ماك آرثر هو أول جنرال تتم إقالته من قبل رئيس أمريكي، النرجسية والغرور والعجرفة أقنعت الجنرال بأنه يستطيع حراسة الأمن القومي أكثر من الرئيس المنتخب علماً أن مواقفه كانت تختلف في ثلاثينيات القرن العشرين. وذكر الرئيس ترومان : أنبهكم إلى حقيقة واضحة وهي أن الجندي لا يعلن الحرب، الكونجرس فقط يملك هذه المسؤولية وهذه السلطة وليس لجيشنا أي دور إلا حماية السلام. في أبريل عام 1951 عاد ماك آرثر إلى الولايات المتحدة بعد غياب دام خمسة عشر عاماً وجرى للجنيرال العاصي أكبر استقبال عرفه التاريخ. لم يبقَ أحد في بيته احتشدت الشوارع حوالي سبعة ملايين ونصف مليون رجل وطفل وامرأة وما زال الرأي العام يعتبره بطلاً وطنيًا. الأبطال ضروريون بالمعنى العسكري لأن الجنود بحاجة إلى مثال يسيرون على خطاه ويعبر المخاطر بهم ويحقق النصر . تكمن المشكلة هنا في أن هذا الشخص أصبح محاطًا بضباط لا يجادلونه في شيء ومحاطًا بصحافة عمل على تجنيدها لمدحه، وأخذ يعتقد أنه لا يقهر وأنه دائماً على حق. لدى الرومان طريقة للتعامل مع هذ الحالة في أثناء الاحتفاء بنصر أي جنرال في روما وكانوا يضعون شخصًا في العربة خلف يهمس في أذنه قائلاً:
"تذكر أنك فانٍ" وفعلاً فُني ورحل ولم يبقى سوى سيرته بانه عظيم وجلاد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|