بــحــــــــر الـــــحــــــــب
بسم الله الرحمن الرحيم
بــحــــــــر الـــــحــــــــب
إبراهيم الدويش
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور وسعي مشكور، اللهم ارحمنا برحمتك وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم ارحم ضعفنا واجبر كسرنا وتوفنا مسلمين، واختم لنا بلا إله إلا الله برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتي في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
نلتقي وإياكم في موضوع بعنوان بحر الحب أو بحر المودة.
أولاً: المودة: هي الحب والمحبة، وإن كانت المودة أعم وأوسع فالحب قد يختص عند البعض بمرحلة الشباب وثورته، وقلت بحر الحب تفاؤلاً باستمرار المودة والمحبة بين الزوجين ، وأن المودة بحر لا ينضب ، ولا تختص بسن أو زمن معين وإن كان البعض يعتقد أن المشاعر تشيخ ، وأن الحب عمره قصير كالزهور ، لا بد أن ينتهي مع مرور الزمن ، ولا يبقى منه إلا المجاملة وهذا فيه نظر ، وعلى كلٍّ فالحب الذي أعنيه هو المودة بين الزوجين الذي أخبر الله عنها فقال: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21). قال جمعُُ من المفسرين أن المودة هي المحبة، وري عن ابن عباس أنه قال : المودة حب الرجل امرأته والرحمة رحمته إياها أي-يصيبها بسوء- وقال ابن كثير : وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة.
وسر السعادة الزوجية-وهذا عنصر ثاني- أن يقوم البيت على محبة الله وطاعته وليتنبه الزوجان لهذا فسر السعادة الزوجية أن يقوم البيت على محبة الله وطاعته الذي بيده وحده أن يوفق ويبارك ويجمع بين هذين القلبين، فطاعة الله لها أثر كبير في الألفة والمحبة بين الزوجين والمعصية لها أثر عجيب في كثرة المشاكل والخلاف وعدم الوفاق بين الزوجين ، ويكفي في هذا قول الحق عز وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30).قال ابن القيم –رحمه الله-في الداء والدواء.
أما محبة الزوجات فلا لوم على المحب فيها بل هي من كماله ، أي من كمال محبة الله، وقد أمتن سبحان بها على عباده فقال : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21). فجعل المرأة سكناً للرجل يسكن قلبه إليها وجعل بينهما حب وهو المودة المقرونة بالرحمة وقسم ابن القيم-رحمه الله-المحبة إلى قسمين: محبة نافعة وضارة وقال فمن المحبة النافعة محبة الزوجة وما ملكت يمين الرجل فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين من إعفاف الرجل نفسه وأهله فلا تطمع نفسه إلى سواها من الحرام ويعفها فلا تطمع نفسها إلى غيره، وكما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل، وفي الصحيح عنه-- أنه سئل من أحب الناس اليك؟ فقال: عائشة، ولهذا كان مسروق رحمه الله-يقول إذا حدَّث عنها حدثتني الصديقة بنت الصديق-حبيبة رسول الله - المبرأة من فوق سبع سموات وصح عنه--أنه قال:" حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة" فلا عيب على الرجل في محبته لأهله وعشقه لها إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له من محبة الله ورسوله وزاحم حبه وحب رسوله، فإنَّ كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها أو تنقصها فهي مذمومة، وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهي محمودة، إلى أن قال رحمه الله-فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع: محبة الله ومحبة في الله ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى، والمحبة الضارة ثلاثة أنواع: المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله تعالى ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله أو تنقصها، فهذه ستة أنواع عليها مدار محاب الخلق، فمحبة الله عز وجل أصل المحاب المحمودة وأصل الإيمان والتوحيد والنوعان الآخريان تبعاً لها. انتهى كلامه رحمه الله .
وقبل البداية تنبيه أرجو من الأخوة الذين يخشون من دوران البحر أن يتحصنوا بالأوراد الشرعية ويأخذوا بأسباب السلامة فإني لست مسئولاً عما يجري لهم وخاصة العزاب فهذا الخطاب لا يصلح لهم فإن كانوا حضروا لتكثير السواد فعليهم أن يضعوا أصابعهم في آذانهم حذر الفتنة إلا أن كان دافعاً لهم على الزواج فلا بأس فإن النبي يقول " يا معشر الشباب عليكم بالزواج" وعلى كل ما سنذكره فيه خير للجميع ولن تتعد الأدب الشرعي في الألفاظ وإن كان مجرد الحديث عما يتعلق بالزواج فيه إنس للنفوس وطرافة وظرافة فما أن يذكر الزواج وأحكامه وآدابه إلا وتشرأب الأعناق وتمتد الرقاب وتميل إليه القلوب والأستماع وكم عاهدت انفس أصحابها إلا تفرط في الحديث عن الزواج.
أما واعدتني يا قلبي أني إذا تبت عن ليلى تتوب
فها أنا تائب عن حب ليلى فما لك كلما ذُكرت تذوب
ولكنها فطرة الله ألم يقل في القرآن: ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ )
(آل عمران: من الآية14). والنبي يقول :" حبب إلي من دنياكم النساء والطيب" إذاً فالحديث عند الزواج ذو شجون عند الجميع العاقل والمجنون ولا حياء في الدين ولكن المستقرئ لألفاظ القرآن الكريم وتعبيراته حول اللقاء بين الزوجين يجدها تتسم بالإشارة، بالإشارة والتلميح، كقوله" أو لامستم النساء" أو مصبوبة في قالب كنائي جميل كقوله " فلما تغشاها" أو تشبيهات أخاذة كتشبيه النساء بالحرث ويؤخذ من ذلك درس حيث التأدب
|