((((أبو وجهيييييييييين ))))
أبو وجهين ........
الوجه مرآة القلب والقلب ميزان الشخصية، فالحكماء والشعراء أفاضوا وأجادوا في هذا المعنى، فهذا زهير بن أبي سلمى يقول: «متى تك في صديق أو عدو... تخبرك الوجوه عن القلوب»، وقال علي الدرويش « إن الوجوه على القلوب دلائل... وبها يشاهد حال من لم يشهد»، وهذا قول ابن نباتة السعدي: «ألا إن عين المرء عنوان قلبه... تخبر عن أسراره شاء أم أبى»، فهناك وجوه سمحة تشرح الصدر وتُبشر بالخير، وأخرى مكشرة مُصعرة، فعندما تتزن الشخصية وتستمد مقومات ثقتها بنفسها ـ لا بمنصبها ولا بمالها ولا بنسبها ولا بحسبها ـ ينبض القلب باتزان وتتدفق الحيوية بالإنسان وتشع من وجهه الراحة والاطمئنان، أما ذلك الذي يلاقيك بوجه عبوس قمطرير، فهو لا يبادر بالسلام، وإن سلمت عليه رد بفتور، وكأنه يتصدق عليك، يرتسم على وجهه التعس وتتجه ملامح وخطوط وجهه إلى الأرض، أما أنفه وثغرة فمتباعدان وكأنما رائحة كريهة تنبعث من فمه فر على أثرها أنفه.
هذا الشخص «أبو وجه ودّر» تتغير ملامحه وتنقلب حاله وتتشكل سلوكياته حسب الموقف الذي هو فيه… فعندما يكون مع النافذين أو مع من يرتجي منهم مصلحة ترتسم على وجهه ابتسامة صفراء، وتنطلق كلمات النفاق من فيهه نفسه المكشرة قبل لحظات!!! ويبذل جهداً كبيراً في محاولة منه لإخفاء انعكاسات روحه المتكبرة وشخصيته غير المستقرة على وجهه وسلوكه وطبائعه وسبحان مغير الأحوال. وبكل أسف هناك من يجامل هؤلاء الحمقى المتلونين ولا يواجههم برفض سلوكهم غير السوي، بل إن هناك من يستقطب ذوي «الوجوه الودّرة» لاستعمالهم وتسليطهم على عباد الله، لأن هؤلاء أمام الرئيس كالدجاج أو «أبو دلامة»، وعلى المرؤوسين كالأسود، يتمترسون بتعليمات «طويل العمر المسؤول...» ولا يرفعون له صعاب ومعاناة العمل ولا المراجعين، وهم يتصفون بصعوبة الوصول أو الاتصال بهم، والعذر دائماً الانشغال بالاجتماعات، وإذا تركت هاتفك فلا تتوقع معاودة الاتصال، وهو قاس حتى على نفسه إذ يحملها ما لا يطيق البشر من الذل والخنوع والخضوع في سبيل المحافظة على كرسيه، وشرس على مرؤوسيه وتعساء الحظ مراجعيه بسبب غرابة وشذوذ سلوكه.
هذه الأمراض النفسية والاجتماعية ـ وإن كانت موجودة من القدم ـ فهي بدأت تنتشر وتكثُر في مجتمعنا من دون مبرر، ويجب اجتثاثها من عرقها بتفعيل الوعي الاجتماعي وتبني النظام الإداري الفعال، الذي يمنع تكوين بيئة ملوثة يستطيع فيها ذوو الوجوه «الودّرة» المتسلطة من النمو والتكاثر. أما على الجانب الاجتماعي فمعالجة مثل هذه التصرفات الممجوجة فيكون بتبني سلوك صارم تجاهها وحثها على التواضع وتذكُر قوله تعالى: «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاس وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْض مَرَحًا إنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَال فَخُور»، وقول سيدنا رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْه وَسَلَّمَ «تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ».
يُحكى في الأثر «أن قائد جيش كبير كان يختال في المدينة فيبادر الكثير ـ طبعاً من فئة المتملقين والعجافة ـ في المبالغة بتحيته، إلا واحد لم يبادره السلام، بل لم يكترث حتى بمروره، فتوقف هذا القائد الكبير ونزل من راحلته ـ طبعاً في أيامنا هذه من سيارته الفارهة ـ ناهراً هذا الذي لم يبادر بتحيته: ويحك يا هذا... ألم تعلم من أنا؟! فرد عليه بل أعرفك جيداً… فقال له القائد، وهو يستشيط غضباً، فمن أكون؟ فأجابه هذا الرجل ـ السبع ـ الواثق بنفسه قائلاً: «أنت أولك نطفة وآخرك جيفة»، وهنا وقعت كلمة الحق هذه موقعها في نفس القائد فأصابت كل سلوكياته الشاذة بمقتل ليقف إجلالاً وتقديراً لهذا الرجل البسيط بصفته... الكبير بموقفه قائلاً له: لقد صدقت...».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|