عرض مشاركة واحدة
قديم 23-06-2008, 03:09 AM   #2
ابو نضال الدوسي
الإشراف العام
 







 
ابو نضال الدوسي is on a distinguished road
افتراضي رد : علامة الجنوب العملاق صالح السلوك الزهراني شافاه الله

السلوك
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي






** عرفناه مع رواد المعجم الجغرافي ؛ فاصطفّ - في أذهاننا - إلى جانب: حمد الجاسر، وعبد الله بن خميس، وسعد الجنيدل، ومحمد العبودي، وذكرناه - مع هؤلاء الكبار - حين تصدى للتأليف الموثّق المنطلق إلى المكان بوصفه علامة تميّز تستوعبُ الإنسان الذي سار والذي أشار والذي بنى والذي غنّى ..!
** تابعنا سيرته في (سراة غامد وزهران) ثم انزوى عنا أو انزوينا عنه، وعلمنا بوضعه الصحيّ الحرج، وأسفنا أن تأخرْنا في تلويحة وفاء لدأبه وجدّيته وإنجازاته ..!

** (علي بن صالح السلوك)، لم نجهلك وحدك، فلا عذر لنا، ولك أن تطمئن إلى أن محبيك ومتابعيك لم ينسوك ؛ فما قدمته باقٍ، وما نالك من نصب ووصب أجر وخير، وهذا الملف رسالة محبة وتقدير..!

أبا زهران.. والعلياء شمس
شعر: حسن محمد الزهراني







أُلاقِي مِن غرامِك ما أُلاقي

وما تدرين عن سِرّ احتراقي!!

وأُنشِدُ أعذبَ الأبياتِ عِشقاً

جَنُوبياً كأنغام السَّواقي

وأَعْصِرُ قلبَ (قيسِ) لكفِّ (ليلى)

أُخَضِّبها ويزجرني رِفاقي

وأسأل عنك أشجان الثّواني

وقلبُكِ ما توجّعَ من فِراقي

وأصمتُ بعد يأسي في خشوعٍ

فأسمعُ هَمْسَ ناصيتي لساقي

فأرفع هامتي - فإذا بطودٍ

من الأخلاق. مرفوع الرّواق

(أبا زهران)؟ وانتفضت حروفي

وابياتي - وأعتقني وثاقي

أبا زهران - والعلياء شمسٌ

كسَاكَ شعاعُها بِيض الرِّقاق

أبا زهران والأمجاد شهْدٌ

وطعم طريقها مُرّ المَذَاقِ

شربتَ الصِّبرَ في صبرٍ لِتحظى

بتاج النّورِ من كَبِد المحاق

حفظت (تراثنا) وكسبت فخراً

هَوَتْ من دونه ريحُ السِّباق

(ومعجمك) المُعلّى سِفر علمٍ

سقاهُ من البيان العذب ساقِ

تَكَاثَرَ حاسِدوك وأنتَ نجمٌ

إلى أعلى ذُرا العلياء راق

كلام الحاقدين دُخَانُ بغْضٍ

يمزّقه الهواء وأنت باق

فدعهم يا (عليّ) وكُن علياً

كما سُمّيت تسمو في ائتلاق

أراك سبقتهم ونأيت عنهم

وقد عجز الحُفاةُ عن اللّحاق

بعثتُ إليك أبياتي وحُبّي

وتقديري لِشخصك واشتياقي

كسوتَ الشعر ثوباً (بابلياً)

سكبتَ العطر من مُزن الخِلاق

وزدتَ بياننا حُسناً جليّاً

وروحك والنّقاء على اتفاق

أبا زهران جاء الشعر يرجو

رِضا فوْديك عن طيب العِناق

فقد أنبتَّ في لغتي شعاعاً

تجاوز بُعد خارطة النّطاق

عسى شعري يُبلّغ بعض شكري

إليك وأنت موفور الخَلاقِ

التذكير بالتكريم..!!
سعيد الدحية الزهراني







وعرّاب الباحة.. علي بن صالح السلوك الزهراني.. وعيٌ وعى أن التوثيق ضرورة.. فغدا ينقب عن قشوره مثلما جذوره.. فحل صنيعاً نبيلاً على كل شبر في تهامة الباحة وسراتها.. مدوناً الأسماء.. وموثقاً المسافات.. ومؤصلاً المواقع والوقائع!!

التفت أبو زهران.. إلى موروث غامد وزهران.. فرأى الثراء الملقى على الثرى.. فتيقن أنه سيكون تحته ما لم يُؤصل و يُحفظ.. فجمعه ليس في جزء؛ بل في أجزاء!

استلهم أستاذنا السلوك.. عذوبة أشكال الفلكلور الجنوبي لدى غامد وزهران وجماله.. فراح يؤرخ لرموزه وأعلامه.. مثلما أصل وفصل لأنماطه وفنونه؛ كالعرضة واللعب وغيرهما..

لم يغب الأدب بمعناه السائد عن الأستاذ السلوك.. فقبل أن يكون نائباً لرئيس النادي الأدبي بالباحة.. كانت جهوده التي لا تخفى على منصف في تأسيس ذلك النادي والمطالبة بإيجاده.. ويأتي الجانب الإنساني في شخصية الإنسان علي السلوك.. وشواهده جمعيات أهلية خيرية أسسها في مسقط رأسه (قرن ضبي) وفي الباحة عموماً.. لا تزال أروقتها وأوراقها رطبة بالذكر والدعاء له.. وربما أعمال خير أخرى.. مدتها يمينه ولم تعلم بها يساره.

اليوم.. والثقافية تقدم هذا الملف.. التكريمي- التذكيري.. سائرة في طريقها الذي اختطته لنفسها.. وفاء وعطاء لأستاذنا الشيخ علي السلوك.. عرّاب الباحة.. الذي يرقد على السرير الأبيض- رفع الله ما به وأحسن له الختام- منذ سنوات تناهز الست.. في إغماءة كأني بها تصارعه لتغييبه.. وأنّا لها ذلك..؛ فكيف يغيب من دون أجيالاً لأجيال.. وعصوراً لعصور.. وموروث سلف لحاضر خلف يتجدد..!!

كم هي مدينة لك غامد وزهران أبا زهران.. وكم هي المسافة التي علينا أن نقطعها لنصل إلى تكريم يليق بك وبمنجزك- صنيعك..؟!!

أمنية: ليت أدبي الباحة.. يفاجئنا بندوة تمتد لأيام تكريماً لأستاذنا/علي السلوك.. تناقش إنتاجه ومنهجه.. وتفتح آفاق أبناء المنطقة لمزيد من البحث والاستكمال والتأصيل..

أبا زهران.. تأخرنا..!!

يوم أن غنّيت معك (باللبيني) يا أبا زهران
علي الدميني







(أبا زهران)، رغم كل الحجب التي تفصلنا، إلا أنني أعتقد بأنه يمكن لك أن تصغي، برهافتك المعروفة عنك إلى نبض مشاعر من عرفك فأحبك، أو قرأ لك فأعجب بك، أو تعرف عليك عن قرب فاستمتع بصحبتك.

أذكر يا صاحبي، أنك دخلت في عتمة صحية حجبتك عن تواصلنا معك، بينما ذهبت أنا بعدك إلى عتمة أخرى.. صحيح أن محبيك كانوا يزورونك، وصحيح أيضاً أن الحميمين من أصدقائي، كانوا يجدون الفرصة لزيارتي.. ولكن المصادفة والزمن والملابسات، لم تسعفني في تلك العتمة بتتبع أخبارك.. ولذا ظللت في قلبي بين حبلَي الرجاء والخوف.. معلقاً بين إمكانيتين، لا نعلم إلى أيهما سيهيئك القدر لتختار طريقك.

(أبا زهران)، ما زلنا في حالة وجود، فلنأمل بأن تشعّ روحك السمحة، وصدرك الرحب، للتواصل مع صدق ما نكتبه إليك، وأن نقصدك بهذه الكتابة، حيث تكون أنت بوصلة توجهها ومركز استقطابها.

(أبا زهران) عرفتُ (زهران) المكان والإنسان الذي ترعرعت أنت في أفيائه، قبل أن أشرف بمعرفتك، ولم تكن حميمية انفعالاتي بذلك الفضاء المكاني الواسع - مكاناً وإنساناً - وليدة سماع أو مجاورة، كما يحدث للكثيرين في الأزمنة البعيدة، حين كانت تفصل (زهران) عن (غامد) مسافات هائلة، وكأنهما بلدان أو كوكبان متجاوران، ولكن ما تسلل إلى أعماقي كان وليد معايشة، لما عرفته من أقربائي، أو فلنقل بشكل أكثر تحديداً، من أفراد عائلتي، الذين عاشوا في (زهران) سنين طويلة.

عرفت (زهران) من جدتي وأبي، وخالتي وعمتي، وابن عمي، الذين جعلوني أمتزج بالحياة مع ذكرياتهم، حين غادر جدي (أحمد الدميني) مسقط رأسه في (محضرة) غامد، ليستقر في (زهران) وأن يصبح واحداً من أفراد عدة قرى، أبرزها كان (الأطاولة) وأكثرها حميمية كان مقامه في قرية مجاورة لها اسمها (الريعة)، حيث صار فقيهاً للقرية، وإماماً لمسجدها، وقد أخذتني ذكريات العائلة عن (زهران)، لكي أحس بانتمائي الوجداني إلى ذلك المكان الذي عاشوا فيه،واستمتعوا بحياته الأكثر تسامحاً وتواداً، ومحبة، وامتزج كل ذلك بمصاهرات عائلية.

(أبا زهران) أعلم أنك قد خلعت على ابنك الأكبر اسم (زهران) اعتزازا بالمكان والإنسان، والأريحية، والكرم والشجاعة، وهو مثار تساؤل حول تكريس دلالة (المكان) واختلافه، ولكنني حين تعرفت عليك من خلال ما قرأته لك من كتب، وعبر ما لمسته بعد التعرف إليك، من سماحتك ونبلك، أنك لم تبسط على ابنك مسمى (زهران) كعلامة على التقوقع حول المكان والتسمية، وإنما ذهبت إلى ذلك منطلقاً من معانٍ أوسع، تتوسم فيها العلو عن النقائص، والاحتفاظ بصفات (الزهور) وروائحها العذبة، التي كنت أنت شبهاً بها، وراعياً لتفتحها، وساعياً في نشر عبيرها، في محيطك الخاص والعام.

ولذلك يا (أبا زهران)، كنت مثالاً للوفاء في سيرتك وكتاباتك، لمعاني المكان والإنسان في تلك المنطقة تحت خيمة الوطن، فحضر إنسان (منطقة الباحة) الإدارية، التي عايشتها، وأفنيت عمرك في رصد تفاصيلها، وإبداعاتها، وجمع وثائقها، والاحتفاء بشخصياتها المتميزة؛ من أجل تعزيز مساهمة ثقافة المكان في تغذية نسيج ثقافة الوطن المتنوعة والمتعددة ضمن نسق الوحدة الوطنية الشاملة، دون أن تغلب على أعمالك أية شبهة إقليمية، أو تعصبية، أو نعرة قبلية، أو ميول فردانية.

يا (أبا زهران)، لا يمكن لمن أكرمته الظروف، وهيأت له دوائر التماس اليومي معك، أن ينسى تلك الابتسامة الودودة، وذلك المناخ الدافئ الذي يشيعه صوتك الدافئ دائماً في من حوله، إلا أن يحتفظ لك بتميزك بأجمل الصفات الإنسانية، وأكرمها.

يا أبا زهران، بتواضع قلَّ مثيله، وبدأب هادئ ووقور، وبنكران ذات لا يكنى إلا بتواضع الباحثين، أنجزت أعمالك بدون ادعاء، أو ضجيج، وسجّلت في تلك الكتب تاريخاً اجتماعياً وجغرافياً (غامد وزهران السكان والمكان) وسياسياً (وثائق من التاريخ)، وموروثاً شعرياً (الموروثات الشعبية لغامد وزهران) وسواها، منتبهاً في وقت مبكر إلى ضرورة بدء مرحلة تدوين لما كاد أن يندثر من تاريخ وتراث منطقة (الباحة)، تذكرنا بجهود الباحثين الأوائل، في مرحلة التدوين المعروفة في بداية العصر العباسي، لمختلف العلوم والفنون، ومن أهمها تدوين الشعر.

يا (أبا زهران) حينما كنت مرغماً على البقاء في العتمة، حضرت بيننا في الحديث مع صديق (الضوء والعتمة) الدكتور عبدالله الحامد، فحدثني عن افتتانه بقريتكم (قرن ظبي)، إذ قادته الصدف لقضاء الصيف مع عائلته فيها، فأصبحَت بعد ذلك مستقراً صيفياً لهم، وقلت له: تلك من القرى المتميزة في منطقة الباحة؛ لأن جمال موقعها، وممكناتها الزراعية ساهمت في تبلور حياة أكثر رقياً وتحضراً، واشتهر أهلها بالتجارة، والتميز في حرفة جماليات (الخياطة)، وقلت لأبي بلال: هل تعلم أن جُلّ ملابس (عرائس) المنطقة، كانت تتم حياكتها يدوياً ثم (بمكنة الخياطة) فيما بعد، على أيدي متخصصين في هذا العمل من أهالي قرية (قرن ظبي)؟

أنس صديقي (الحامد) بهذه المعلومة، ولكنه استرسل في الحديث قائلاً: لقد تعرفت قبل السكن في تلك القرية على رجل فاضل، شديد الرقي والتهذيب، أسكنني مع عائلتي في بيت قريب إلى بيته، وحينما تعمقت معرفتي به فيما بعد، عرفت أنه الأستاذ (علي صالح السلوك) الباحث والناشط الاجتماعيّ.

قلت له (وصلت خير).. ذلك هو (أبو زهران)، الذي يشع ضوؤه في كل الأمكنة، ويتنسم عبيره كل من زار المنطقة أو اقترب من حالة التعرف على تاريخها وتراثها وشعرها الشعبي القديم..

مثلك كنت في عتمة أخرى يا (أبا زهران)، ولكنك لم تكن غائباً عن موقعك في قلبي، فكنت أبحث عنك في تذكر متعتي بلقائك، وتحفيزي لك بالإسراع في إصدار ما تجمّع لديك من وثائق اجتماعية وسياسية تركز على علاقة المنطقة بمن جاورها أو تعالقت معه من مناطق أو إمارات، من حكام وقادة وأمراء، وبما حدثتني عنه من مدونات تاريخ شعري طويل توافر لك.

كنت من جانبي أخشى عليه من الضياع حين وافت رواته المنية، وقلّ من يهتم بإنجاز مهمات جمعه، وإخراجه في كتاب. ولا يمكن أن أنسى دهشتي حين أبلغتني بأنه قد تجمّعت لديك - وفي غمار بحثك الطويل عن الموروث الشعري الشعبي للمنطقة - نصوص شعرية، مما كنا نسمع به ولا نجده مما يسمى بشعر (اللبيني).

وقد أشعلتني البهجة بذلك التوثيق لأن أسرّ لك، بأنه لو لم يتجمع لديك إلا بعض هذه النصوص لشعر (اللبيني) لكانت كافية لدفعك إلى طباعتها في كتاب منفرد؛ لأنك تعلم يا صاحبي، أننا كنا نصف حالة الشخص الذي أكرمته الظروف الزراعية بمحصول جيد من الحنطة، أو تزوج بامرأة جميلة، أو عاد بمبلغ مالي مناسب من خلال عمله في موسم الحج، بأنه (يغني باللبيني).. أي أنه يحلّق وحده في دائرة من السعادة والابتهاج، تقع فوق كل ما يمكن تخيله من نشوة وانشراح؛ لذا فقد رسخت في الذاكرة الجمعية حقيقة مفادها أنه لا يوجد شعر بهذا المسمى، وأنه مجرد حالات تخييلية تشبه، ما خلقته الأسطورة من وجود العنقاء أو الخِل الوفي.

يا صديقي، لا أكتمك بعض ما خالجني من تشكّك في مصداقية ما جمعته من تراث شعري، جراء ما اتصفت به من التأني والتمحيص، ونتيجة لما انطوت عليه شخصيتي من رغبة في رؤية الولادات المختلفة وهي تسير على أقدامها، ولكنني حين استلمت منك ذلك السفر الضخم الذي يقع في خمسة مجلدات، والموسوم ب(الموروثات الشعبية لغامد وزهران)، صرخت بكل ما أملكه من عاطفة: إنني أشاركك الغناء (باللبيني) يا أبا زهران!!

لم يكن ما أنجزته كتاباً، ولكنه سفر، حمل عبق الحياة البسيطة للناس، وتجليات التعبير الوجداني عن صبوات الشعراء، وانغماسهم في التفاعل الأكثر حرية مع تفاصيل العشق اليومي البسيط، بأسلوب جمالي متألق، لا يعرف قيمته إلا أمثالي من المسنين الذين عايشوا متعة التفاعل مع ذلك الإبداع الشعري الجميل، بما أشعرني دائماً بمسؤولية جمعه ونشره، رغم عدم قدرتي على ذلك، ولذا فقد احتفيت بمنجزك هذا، ولم أجد أبلغ تعبيراً من عنونة مقالتي عنه لجريدة (عكاظ) ب(بيّض الله وجهك يا أبا زهران).

يا (أبا زهران) لا أملك ما يسعفني في مناسبة كهذه للاستعانة بعدة الكتابة البحثية المناسبة لمقاربة إنجازاتك، التي لا يمكن لدارس تاريخ المكان والإنسان في (منطقة الباحة) إلا أن يتوقف أمامها، والاحتفاء بها، واعتمادها كمرجع لا يمكن تجاوزه، ولكنني اليوم في مناسبة احتفائنا بك وبإنجازاتك، ذهبت إلى ما يليق بتقدير جامعها أو مؤلفها، صديقاً وإنساناً وحضوراً قلَّ مثيله، راجياً من المولى عز وجلَّ أن يخرجك من عتمة غيابك، وأن يعيدك إلى بياض حضورك البهي والدائم، بين أهلك ومحبيك وقرائك.



السلوك وإنماء الباحة
د. جمعان رشيد بن رقوش*







عرفت الأستاذ علي بن صالح السلوك مواطناً باراً بوطنه، يسعى لتطوير مسقط رأسه كان من الداعمين للمؤسسة الخيرية ولكل أعمال البر في منطقة الباحة عرفته رجلاً لحوحاً إزاء إصلاح ذات البين فكان له إسهامات جليلة في هذا الإطار نرجو الله سبحانه وتعالى أن يثيبه على ما قدم من أعمال بر وتقوى.. عرفته أباً استطاع تربية أبنائه التربية السليمة حتى أضحوا مواطنين صالحين من بناة المستقبل وتسلموا مسؤولياتهم الطبية والإدارية فكانوا نعم الشباب الصالح المؤمن بربه والبارين بوالديهم ووطنهم.

عرفته أديباً يسعى لمجالسة الأدباء يتفاعل معهم ويحرص دائماً على توفير المناخ الاجتماعي والأدبي لرواد الثقافة والأدب في منطقة الباحة فأصبح يمتلك علاقات أدبية وثقافية يعتد بها ويشار إليها في المحافل الأدبية على مستوى منطقة الباحة وخارجها.

عرفته مؤرخاً استطاع الحفاظ على تاريخ منطقة الباحة وكذلك موثقاً لموروثها ومعالمها الجغرافية والاجتماعية والتاريخية فكان له الإصدارات التاريخية التي أثرت دون شك المكتبة التاريخية العربية فكان الرجل الذي استطاع أن يملك ناحية المقيم العلمي في دراسة تاريخ منطقة الباحة وجغرافيتها الاجتماعية.

عرفته مسؤولاً في إمارة منطقة الباحة استطاع بخبرته الإدارية أن يتسلم مسؤولياته في خدمة وطنه عاملاً بما تمليه عليه الأمانة والمسؤولية والثقة التي أولاه إياها ولاة الأمر والمسؤولين فكان نعم المؤتمن حتى بلغ سن التقاعد وهو يحتفظ بسيرة عطرة بين زملائه في عمله ولدى مجتمعه.

عرفته على سرير المرض وحوله كل محبيه وأصدقائه وزملائه وهم كثر يسألون عنه دائماً ويستبشرون بكل تقدم في صحته ويدعون له بالصحة والعافية إن شاء الله وأن يكون بين أهله ومحبيه كما عهدوه، أسأل الله جلت قدرته أن يمده بالصحة والعافية وأن يتقبل دعوة كل من يدعو له إنه سميع مجيب.

* مساعد رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية




أبو غامد وزهران
الرجل الذي أرفع لإجلاله يدي!
د. صالح زيّاد






أتخيل الأستاذ علي بن صالح السلّوك جبلاً أشم من جبال الباحة، أو حصناً من الحصون التي تؤشر في المنطقة على التأريخ والإنسان. وأعتقد أن مؤلفات الرجل وأعماله الإنسانية وسيرته الذاتية والعملية وموقع الثناء والتقدير والإعجاب الذي احتله على المستويات الرسمية والأهلية في المنطقة هو ما يحيله من شخص إلى رمز، ومن مؤلِّف أو موظف حكومي كغيره من المؤلفين والموظفين إلى فكرة وقيمة، وإلى حس ومعنى. لكن لماذا يكون (جبلاً) أو (حصناً)؟!

هل للجبل والحصن أن يختصرا الإشارة إليه؟ وأي معنى هذا الذي لا تختصره إلا رمزية الجبل والحصن؟!

هناك وجهان للحديث عن السلّوك، أحدهما معرفي والآخر إنساني، تحيلهما هذه الرمزية إلى وجه واحد، بالمعنى الذي لا يتجاور فيه المعرفي والإنساني، أو العقل والقلب، فقط، وإنما يغدو أحدهما الآخر ويتماهى فيه، فتصير المعرفة بحثاً في جغرافيا يصنعها الإنسان ليكون بها تاريخاً ومأثورات شعبية ووثائق يفيض اكتشافها وجمعها وتركيبها بمعاني الوطنية والإنسانية المضفورة بدلالات الرسوخ والصمود الزمني تماماً كما هي جبال السروات التي روض السرويون صعبها ووعورتها لبساتين الكروم والرمان ومدرجات القمح والذرة منذ عهود سحيقة، وحموها بالحصون والمراقب وبالأحلاف والمعاهدات والقواعد ولأعراف القبلية التي لا تنفصل في معناها الثقافي الاجتماعي عن فنون الرقص والغناء والأمثال والأشعار والحكايا والأزياء... من حيث الانطواء على دلالة الرغبة في الحياة ومعاناتها وصناعة وعيها!

أن يكرس علي السلّوك جهده التأليفي في جغرافيا غامد وزهران وتاريخها ومأثوراتها يعني أنه يستبطن وعياً يجاوز المعرفة المجردة أو يجاوز المصادفة المجانية والتلقائية إلى الإرادة بما تعنيه من قصد وتصميم، وبما تؤشر عليه من فهم وفلسفة، وبما تترامى إليه من أهداف. فدراسة المكان، من الوجهة الإنسانية، أي دراسته جغرافياً وتاريخياً وثقافياً واجتماعياً، تحيل سكونه إلى حركة، وجموده إلى حياة، وفوضاه إلى نظام.

المكان بلا إنسان هو فضاء بلا زمن، وكينونة بلا وجود، وشكل بلا معنى. زمنية المكان ووجوديته ومعناه مرتبطة بالإنسان الذي ينبثق بتلاقيه مع المكان التاريخ والثقافة والمجتمع. ومن ثم يغدو التأليف في أي منها، باكتشافه وجمعه ودراسته، عملاً ثميناً من وجهة وطنية وإنسانية، ومن وجهة معرفية؛ فالمكان الموحش والغريب هو مكان مجهول ومظلم لا تضيئه الدراسة ولا يحيط به الوعي، والتأليف والتدوين والدراسة هي - دوماً - تزمين يخرج به الموضوع من لحظته العابرة!. لكن علي السلّوك - أيضاً - ليس مجرد مؤلف انقطع للقراءة والكتابة، وأكب على رؤية الحياة ووعيها من خلال الكتب. بل يمكن النظر إليه بوصفه قائداً اجتماعياً يجاوز، بإسهامه ودلالته على ما ينهض بالواقع من الإصلاح والبر والإحسان، الحدود الوظيفية الرسمية التي كانت هي الأخرى محل الثناء والمديح. فقد كان حفياً بالعمل التطوعي الذي يشارك التأليف والكتابة في الصدور والتدفق من حس الفردية من حيث هي أعمال اختيارية تمليها الحرية لا الضرورة، وهي من ثم ناتج فردية اجتماعية لا أنانية، وغيرية لا ذاتية. ويكفي أن نسجل، هنا، مبادرته المبكرة، بحسابات المنطقة، إلى تأسيس جمعية تعاونية في قريته (قرن ظبي) عام 1389هـ وإلى تأسيس الجمعية الخيرية بقرن ظبي عام 1398هـ ورئاسته لمجلس إدارتيهما، ومشاركته في تأسيس الجمعية الخيرية بالباحة، وقد استطاع بذلك أن يوجه العمل الاجتماعي بنزاهة وصدقية، وأن يسهم في إخراجه إلى صفة المؤسسة بما تعنيه من قواعد وحيادية ومحاسبة ما يزل العمل الخيري الشعبي يطمح بها إلى ما يوطد ثقته واطمئنانه في بلوغ إحسانه وصدقاته وجهده التطوعي وجوهه المستحقة. وأحسب أن دلالة العمل الخيري على المروءة والإنسانية هو الوجه الآخر من دلالته على صفة الحيوية التي تمتد ببيولوجيا الكائن إلى فكره وعمله، فيغدو الفكر والفعل لدى بعض الشخصيات أداة إنتاج وتوليد بالمعنى الذي يثمن الحياة وينفتح عليها. وليس علي السلّوك إلا أحد هؤلاء الذين امتلأوا بمعنى الحياة وحسها فغدا فكره وفعله توليداً مستمراً للحياة في أوصال الثقافة والمجتمع. وبعيداً عن دوره التأسيسي للفعل الثقافي المؤسسي في منطقة الباحة من خلال إمارة المنطقة والنادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون ونحوها، وهو دور في الصميم من معنى الإرادة لتوليد الحياة وإرعاش شريانها باحتضان المواهب وفتح نوافذ النور والوعي والحس، فإن مؤلفاته قمينة بأن تستعير لمدلول مادتها وموضوعاتها شكل الشجرة وبنيتها الحيوية بجذورها الدالة على الرسوخ والامتداد في الأعماق وجذعها الذي تتوحد فيه كينونتها لتذهب في الأعالي إلى فروع تتفرع وتتفرع وأوراق تحكي بخضرتها وطراوتها معنى الغنى بالحياة والبهجة بها. ففي كتابه (غامد وزهران: السكان والمكان) يبدو الالتفات إلى الماضي وجهاً للدلالة على الحاضر. فأول مباحث الكتاب مقسوم إلى فصلين، يتحدث في الأول عن نسب غامد كما جاء في كتب الأنساب، وفي الثاني عن نسب زهران. ثم ينتقل في المبحث الثاني ليعرض مواطن غامد وفروعها في الحاضر، ويصنع مثل ذلك عن زهران. ويبدو الاهتمام، بعدئذ، مركزاً على الشخصيات في دوائر فردية بالمعنى الذي يترامى إلى مدلول الفردية من حيث هي إرادة وموقف ومن حيث هي تصور وفهم أو موهبة وإنتاج. وهو المدار الذي يغني المجتمعات ويؤثثها بالحياة التي تتضاءل حين يفقد الفرد اسمه وامتيازه، فيتحدث في أربعة فصول عن مشاهير غامد وزهران في التاريخ بادئاً بمشاهير غامد في الجاهلية وصدر الإسلام، ثم مشاهير زهران في الفترة نفسها، ويعرض في الفصلين الباقيين مشاهير القبيلتين من القرن الثاني عشر إلى أواخر القرن الرابع عشر، ويختم الكتاب بمبحث من فصلين يخصصهما للتاريخ السياسي الحديث، وفي أولهما يلخص تاريخ المنطقة قبل توحيد المملكة، وفي الثاني تاريخها في عصر توحيد المملكة، لتغدو فرعاً من جذع الشجرة التي ترسل جذورها في الماضي التاريخي العربي والإسلامي مستمدة مقومات وحدتها ومستقبلها أي دلالة الحيوية التي تغدو بها كائناً حياً تسره الحياة وتعني له الوجود الذي به يعي ذاته وكينونته.

ولأن التاريخ لا ينفصل عن الجغرافيا في المدلول الذي يستحيل به الزمن من التجريدي إلى الواقع الملموس في شواهد الحس وآثاره المادية، فإن التأريخ لغامد وزهران لا يكتمل معرفياً ووجدانياً - في نظره - إلا بالجغرافيا التي سكنوها لتنفعل بالتاريخ الإنساني، وتخرج بتسمية جبالها ووديانها وقراها وطرقها وآبارها ومزارعها ومراعيها... إلخ من مكان نكرة، أو بالأحرى لا مكان، إلى مكان مسمى بالأسماء التي تشهد على التاريخ بالقدر الذي يشهد عليها التاريخ. فيجيء، هنا، كتابه (المعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران) جامعاً أكثر من 800 تعريف جغرافي لأسماء المواضع المختلفة، مع حديث مستفيض عن المناخ، والحدود الإدارية، وأحوال التعليم والزراعة والمواصلات والصحة... إلخ.

وفي تحقيق وتدقيق وإحاطة وشمول بحيث لم يكد يغفل مكاناً يستحق الذكر في المنطقة، مع ضبطه لفظياً، وذكر ما يتصل به وما امتاز به عن غيره والمسافات التي تفصله عن غيره من المواضع، والإشارة إلى ما ورد عن المتقدمين في ذكره وتصحيح أوهامهم. وقد كان - هكذا - موضع ثناء الشيخ حمد الجاسر رحمه الله. ومن هذا المنظور التوثيقي الدقيق يأتي كتابه (وثائق من التاريخ) ليمثل مادة ثمينة للدراسات الثقافية والسسيوثقافية مثلما هو كنز مخبوء للمؤرخين والآثاريين. ويقع في أربعة أقسام، يضم أولها نماذج من الوثائق والمعاهدات والاتفاقيات والأحلاف بين القبائل والقرى، ويعرض الثاني وثائق الأحكام والصلح التي كان يتم فيها حل النزاعات القبلية والفردية ونماذج من المبايعات (الحجج)، ويشتمل الثالث على نماذج من وثائق المراسلات من الحكام إلى المشايخ والقضاة والأعيان، أما القسم الرابع فيخصصه لنماذج من وثائق الزكوات والجهاد قبل عام 1338هـ، وصور من وثائق تأسيس أول إمارة في العهد السعودي لغامد وزهران عام 1353هـ. وليس كتابه (الموروثات الشعبية لغامد وزهران) إلا الذروة التي تكتمل بها مؤلفاته عن غامد وزهران، من ذات المنظور التوثيقي الذي تستحيل فيه الفنون والمرويات الشفهية إلى وثيقة عن الإنسان والثقافة والتاريخ، تماماً كما هو المكان والزمان، أو الجغرافيا والتاريخ، وقد أضحت علامات شاهدة على إنسان فاعل يصطخب بالحياة ويندفع بها قدماً منذ زمن سحيق، وكأن تعب التضاريس ووعورة الزمن أحياناً لا تحجزه عن رعشة غناء تهدهد الإعياء، وأحلام حكاية بفارس يتخطى الحزن والوعورة والصمت. أبا زهران، آن لقامة (شدا) العتيدة أن تنحني لتحيتك!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
لنا الغرف العليا من المجد والعلى ... ظفرنا بها والناس بعد توابع

يشرف أقواما سوانا ثيابنا ... وتبقى لهم أن يلبسوها سمائع
أخر مواضيعي
ابو نضال الدوسي غير متواجد حالياً