عرض مشاركة واحدة
قديم 23-06-2008, 03:10 AM   #3
ابو نضال الدوسي
الإشراف العام
 







 
ابو نضال الدوسي is on a distinguished road
افتراضي رد : علامة الجنوب العملاق صالح السلوك الزهراني شافاه الله

ذلكم
الرجل العظيم
أحمد حامد المساعد*






في عام 1384هـ لمحت صورة الصديق الكبير الأستاذ علي بن صالح السلوك عافاه الله على إحدى صفحات جريدة الندوة وكنت آنذاك عاملاً بها في قسم الصف، وكان المنشور بجانب الصورة كلام عن منطقة الباحة، وكان محل إعجابي، لأنه حديث إخباري يقدم الباحة المنطقة للرأي العام لكني لم أتواصل مع أبي زهران إذ لم يكن ذلك متاحاً كما هي الحال عليه اليوم ثم قدر لي أن أعود إلى القرية عام 1396هـ، فرأيت الرجل عياناً في قريتي برفقة الأمير إبراهيم آل إبراهيم - يرحمه الله - عندما كان أميراً للمنطقة، وكان الأستاذ السلوك يحمل أداة تصوير ويقوم بتوثيق المناسبة، فقدمت نفسي إليه ووجدت أنه لا يجهلني إذ كنت أمارس الكتابة في صحيفة البلاد بين الفينة والفينة، ثم ما لبثت أن أنشأت أول مكتب صحافي بمنطقة الباحة لحساب صحيفة المدينة في عهد رئيس تحريرها الألمعي الأستاذ أحمد محمد محمود، فتوطدت العلاقة بيننا، وقد تبين لي أنني على صلة برجل عظيم فكراً وخلقاً وأريحية، وقد قدر له أن يمضي شطراً من حياته في مكة المكرمة حيث تشرب التحضر منذ الصغر، وهذا في حد ذاته سبب لتميز فكره وسلوكه ورؤاه عن الذين لم يغادروا القرى، فقد نشأت بينه وبين الكتاب علاقة أنعم بها من علاقة، حيث تحول إلى موسوعة تاريخية وجغرافية ولغوية، وقد كان قريباً من الأمير سعود السديري أمير منطقة الباحة السابق الذي كان يوالي كتابة مقال منظم في مجلة المنهل يومذاك فأعد كتابه الأول (المعجم الجغرافي لغامد وزهران) أحصى فيه قرى وأودية منطقة الباحة في تهامة والسراة والبادية إذ لم يكن ممكناً له القيام بذلك لولا العزيمة المتكئة على العمق الثقافي في شخصية الأستاذ علي السلوك. وعلى الرغم من ضخامة المنجز، وعمق الجهد المبذول من أجله فقد انتقص من جهده الغمازون اللمازون الذين لا يحسنون غير هذه النقيصة التي هي من صفات الرعاع وهو الذي أمضى عشرات السنين بلا كلل أو ملل في جمع مواد المعجم، ومواد موسوعة الموروث الشعبي (خمسة أجزاء) وكتاب (غامد وزهران السكان والمكان) وأخيراً كتابه (وثائق من التاريخ) الذي يتحدث عن التاريخ الموثق للمنطقة وقد ضمن عدداً من الوثائق النادرة التي يصعب الحصول عليها حيث لم يقدر له أن يراه فقد أصيب بصدمة عصبية بسبب الدخول مع الحمقى في جدل لم يكن يتوقع عمق حقدهم عليه وضغينتهم ضده ولا يزال يعاني من غيبوبة على مدى خمسة أعوام مضت، ولا يعلم إلا الله بحين خروجه منها.

والأستاذ علي السلوك رجل متحضر في سلوكه الخاص والعام وقد تميز بحرصه على استخدام حزام الأمان عندما يجلس في سيارته من قبل أن يعتمد المرور تطبيقه بسنوات ولو كنت مسؤولاً في المرور لمنحته جائزة تقديراً لوعيه وتفهمه لهذا الاختراع، ويعتبر الأستاذ السلوك مضيافاً إذ ما أكثر ما تتابع المدعوون إلى داره، حيث إذا كانت لديه مناسبة يحس أن كل الناس يعلمون عنها فيدعو الجميع إليها، وما أكثر الشخصيات البارزة على مستوى الوطن التي استضافها وأكرمها وبخاصة التي تصل للقيام بمهام عمل تخدم المنطقة وهو رجل أنيق في ملبسه وفي تعامله مع الآخرين، ومن فرط وعيه لا يستكنف أن يسأل عما لا يعلم، وفي ذات الوقت لا يبخل على سائليه بما يعلم، ولقد جمع بيني وبينه الترحال في داخل الوطن، وخارجه، فوجدت الوفاء والإيثار والموافقة عماد المرافقة عنده حد أنه يخجلني كثيراً بتلطفه معي، أما خدماته الوطنية فقد تمثلت إلى جانب خدمة الفكر والأدب في الاضطلاع بإنشاء جمعية تعاونية في بلدة قرن ظبي التي تعد من أكبر قرى المنطقة للقيام بالخدمات الاجتماعية ومنها شبكة الكهرباء وتوسعة طرق وممرات البلدة ذاتها، وكذلك اضطلاعه أيضاً بإنشاء أول جمعية خيرية تعنى بتحسين أوضاع الفقراء في داخل قريته وخارجها، وقد تمخض عنها قيام روضة أطفال، ومكتبة عامة، وكل معارفه يعلمون دوره الريادي في منطقة الباحة، وفي هذه الحالة أيضاً لم يسلم من ألسنة الأشرار، فقد رفعوا فيه الشكاوى، وآذوا مشاعره ولم يرعوا جميله، وما ذاك إلا لأنه رجل بارز قدم الكثير من المنجزات الحضارية التي تنم عن وعي، ووطنية، وطموح، ولا يتصدى لها إلا أصحاب الأهداف النبيلة، والحق أن الأديب علي بن صالح السلوك أولى من غيره بالتكريم الذي افتقده عندما كان يتوالى الركض في كفاحه المشروع من أجل خير المجموع فالعقوق حل محل الوفاء في وجدان من يكرهون النور ويفضلون الظلام وإنني أبتهل إلى الملك الحق المبين أن يمن عليه بعاجل الشفاء فهو ولي ذلك والقادر عليه.

*رئيس النادي الأدبي بالباحة

الحضور في الغياب)
أحمد قران الزهراني







أكتب.. لغة تتقاطع مع العجز

حروفاً تتبعثر بين الكلمات

كلمات تختزل التاريخ في رجل

أتوه بين حروفه..

لغته..

كتبه..

أتطلع إلى صبره على عناء البحث

قدرته على التنقيب في الوثائق المهترئة

استنطاقه للأوراق الرسمية الصامتة

رسم صورة (الباحة) المدينة والتاريخ والإنسان

كما لم يرسمها بهكذا جلاء أحد من قبل

كتبها لأنها سكنت دواخله

كتبها بلغة العاشق

وحكمة الشيوخ

وحصافة المؤرخ

وذكاء المثقف

كتب إنسانها

أوديتها

جبالها

أشجارها

استنطق الوثائق الجافة حد التصحر

الجامدة حد التحجر

فكانت (بلاد غامد وزهران) محوراً تاريخياً حافلاً بمنجز الماضي وعطاء الحاضر

استحضر صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم

قادة الجيوش

علماء الحديث

علماء الفقه

علماء اللغة

والشعراء

فكان (الطفيل بن عمرو الدوسي)

و(أبو هريرة)

و(أبو ضبيان الأعرج)

و(جندب بن كعب الغامدي)

و(الشنفري)

و(الخليل بن أحمد الفراهيدي)

و(يحيى بن مخنف)

وغيرهم ما لا يعرفهم إلا من كان بقامة (علي السلوك)

الذي انسالت من بين حروفه موسيقى في صورة أرقام

وأرقام في هيئة نص شعري..

كان وحيداً يزرع المقفر والمتصحر (العثري) و(المسقوي)

أينع الزرع وحان القطاف..

فكانت (المأثورات الشعبية للمنطقة الجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية)

وكان (المعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران)

وكان (غامد وزهران السكان والمكان)

وكانت (وثائق من التاريخ)

وكان هو بقامته الإنسانية والفكرية.. علامة فارقة بين رجالات المنطقة

وكان بقامته الثقافية كمؤرخ ومرجع تاريخي علامة فارقة بين رجالات الوطن

كان باراً بوطنه وأهله وثقافته

قدم جل خبرته حينما كان مديرعام الشؤون المالية والإدارية بإمارة المنطقة

ونائباً لرئيس النادي الأدبي

ورئيساً لجمعية قرن ظبي الخيرية

وكان فوق كل ذلك..

إنساناً يحمل هم الآخرين أكثر مما يحمل همومه

له حضوره الفاره في حالة الحضور

وله حضوره الفاره في حالة الغياب

ولا غياب له في حالة الحضور

رجل في التاريخ

وتاريخ في رجل

حينما ينزع المرض سفراً من أسفار التاريخ..

يكون ذلك (علي السلوك الزهراني)

جهود ابن المنطقة البار .. (أبو زهران)
سعد المليص







(الشيخ أبو محمد المكنى بابن زهران) نسبة وتيمناً بقبائل عمنا زهران الذين هم أعلام في الشيم والقيم والشمم والكرم).

أ- ألفيته: طالباً نجيباً بالمرحلة الثانوية الريحانية - يتكبد المشوار للتحصيل الدراسي مساء كل يوم من بلدته (قرن ظبي إلى مقر المدارس الريحانية - الريحان بني ظبيان وفروعها بمدينة الباحة - حي الزرقاء) حتى تخرج بالشهادة الثانوية من القسم الأدبي في وقت كان يتزاحم مع من فاته التعليم الثانوي في سن الصغر من أقرانه على المؤسسات الريحانية التعليمية والثقافية للتحصيل الدراسي الإعدادي والثانوي العام ونظام دار التوحيد - والأكاديمي انتساباً إلى جامعات مملكتنا الفتية - فكان عصامياً ورعاً صابراً شغوفاً بالتحصيل الدراسي.

ب - ألفيته: وطنياً ذا خلق كريم سمحاً في العطاء الوطني تتجلى فيه هذه الشمائل كما لمستها فيه إبان مزاملتي له في الخدمة الاجتماعية الوطنية عندما أسندت إلينا أمانة وإدارة جمعية البر الخيرية بمنطقة الباحة عام 1402هـ برئاسة أهل الوفاء والعطاء معالي الأمير الصالح الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز بن إبراهيم رحمه الله أمير منطقة الباحة سابقاً وفضيلة رجل الفقه والوفاء الشيخ عبد الله بن محمد بن عبيد رئيس محاكم منطقة الباحة سابقاً والإخوة الزملاء أعضاء الجمعية المحتسبين رؤساء الدوائر الحكومية ومشايخ القبائل

كان الشيخ السلوك نعم الرفيق لنا في معية رجلي الفكر والأدب والوطنية والاجتماعية صاحبي السمو الملكي الأمير محمد بن سعود بن عبد العزيز والأمير الدكتور فيصل بن محمد بن سعود اللذين أثريا قمم جبال الثروات وسهول تهامة وبطاح القطاع الشرقي من المنطقة بالتنمية الشاملة والتمدين والحضارة العربية والإسلامية في تعاون ونكران ذات من قبل أبناء المنطقة وفي مقدمتهم موظفهم الشيخ السلوك ورؤساء الدوائر الحكومية ومشايخ القبائل. هكذا كانت مسيرة الخدمة الاجتماعية بالمنطقة بجهود المخلصين من أبنائها كالشيخ علي السلوك الذي كان علماً على هرمها.

ج- ألفيته: في دنيا الثقافة والأدب في بناء التنمية الفكرية بالمنطقة؛ إذ اشتركنا وإياه والزملاء رجال الفكر والأدب بالمنطقة في معية أصحاب السمو الملكي أمرائنا بالمنطقة وبالرئاسة العامة لرعاية الشباب منذ تأسس النادي بالمنطقة عام 1415هـ في إثراء الساحة الأدبية بكل جديد ومأثور؛ لصقل طموح الناشئة وتوسيع مدارك الشباب من الجنسين بما يفيد الصرح الأدبي خلقاً ومسلكاً وسلوكاً في طاعة لله ولرسوله ولقيادتنا الرشيدة التي رعت تنمية المواهب بروح إسلامية وثقة في رجال الفكر والأدب والتربية، فتألقت العملية الثقافية والأدبية بالمملكة على رغم أن أنديتنا الأدبية على حدّ سواء كانت تمخر في بحر لجي من القيل والقال، إلا أن هذه الأندية اعتنقت في مسيرتها توحيد الله في الأقوال والأعمال، فوصلت رسالتها إلى ما تصبو إليه الأمة وقيادتها تحت مظلة (آية محكمة، وسنة متبعة، وفريضة عادلة)، فكان للإخوة الزملاء اليد الطولى في العطاء الثقافي في إنكار للذات صبراً وبعيداً عن الحوار الجدلي، (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) (المزمل: 10). وكانوا في هذا الصرح الثقافي أنواراً على قمم جبال الثروات وسهولها وبطاحها شرقاً وغرباً، والشيخ السلوك حامل صارية هذا الوفاء مع زملائه في مجلس الإدارة المكون من:

1- الشيخ علي صالح السلوك، نائب الرئيس السابق قبل انقطاعه عن رسالته الثقافية لمرضه.

2- الشيخ عبد الرحمن الدهري، عضو النادي والمشرف على المكتبة ورئيس اللجنة الثقافية ثم اللجنة الإعلامية.

3- الشيخ عبد العزيز عبد الله الزهراني، عضو النادي ورئيس لجنة شراء الكتب سابقاً.

4- الشيخ بلغيث عبد الله العمري، عضو النادي رئيس لجنة التأليف والنشر سابقاً.

5- الدكتور سعيد عطية أبو عالي، نائب رئيس النادي - الخلف ورئيس اللجنة الثقافية الثاني.

6- د. ناصر علي بشية، عضو النادي وأمين سر النادي ورئيس لجنة المشتريات.

7- الدكتور هجاد عمر الغامدي، عضو النادي ورئيس الشؤون المالية ورئيس لجنة المشتريات بالاشتراك مع الأستاذ عبد الله أحمد السيد رفاعي رجل الهندسة الميكانيكية والحسابات والمستودعات.

8- الأستاذ الشاعر حسن محمد حسن الزهراني، عضو النادي ورئيس لجنة التأليف والنشر - الخلف صاحب الكلمة المقفاة الصادقة والروح الوطنية العالية.

9- الأستاذ عبد الله أحمد سعيد دحمان، أمين المكتبة أحد أبناء المنطقة، ويشترك معه في الترتيب صديق أحمد عبد القادر.

د- وكان الشيخ السلوك في حقل الإدارة والفكر علماً في العطاء الفكري مع زملائه في لجان التنمية الثقافية بالنادي.

والشيخ أبي زهران يضع يده في أيدي رجال الفكر والأدب بتطوير برامج النادي والتجديد في الأداء في حنكة ودراية وإنكار للذات إضافة إلى ما يقوم به من خدمات شخصية لكل من يقصده لقضاء حاجته بجاهه أو ماله فهو كريم بنفسه وماله وجاهه.

و- للشيخ السلوك باع طويل في التأليف والنشر فقد صدر عن مكتبته الخاصة بقلم بعض اهتماماته بتاريخ المنطقة منها:

1- المعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران عام 1391هـ ضمن المعجم الجغرافي العام للبلاد العربية السعودية وقد جدده مؤخراً قبل أن يلزم الفراش.

2- الموروثات الشعبية لغامد وزهران متنوعة المواضع في خمسة أجزاء.

3- وثائق من التاريخ تتحدث عن علاقات وطنية لمشايخ وأعيان قبائل المنطقة مع ملوكهم وأمرائهم آل سعود - رحم الله من أفي منهم وحفظ الله من بقي منهم على قيد الحياة.

4- له كتابات جغرافية وتاريخية في الصحف والمجلات كما جاء في سيرته الذاتية وسيتولى الابن الأكبر للشيخ السلوك الأستاذ الدكتور محمد علي السلوك وإخوانه نشر الكتابات القيمة لاحقاً - إن شاء الله - وللشيخ السلوك المكنى بأبي زهران - شفاه الله - الطول في الخدمة الاجتماعية والتنمية الفكرية والأدبية وقد أضفت إلى مسيرته الوطنية رموزاً من المشايخ والأساتذة الذين اشتركوا معه اجتماعياً وثقافياً وأدبياً وتاريخياً بالنفس والنفيس وإنكار للذات في هذا العهد السعودي المبارك الذي يتفيأ شعبه ظلال عدله ومساواته وأمنه واستقراره ورخائه وإخائه.

يقول الحق تبارك وتعالى {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا}(112)سورة طه. ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (خيركم أنفعكم لخلقه) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وإلى حديث آخر - إن شاء الله - لجانب آخر من أعمال الإخوة الزملاء والشيخ أبي زهران وصلى الله على خير البشر محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

* رئيس ومؤسس المؤسسات الريحانية التعليمية والثقافية بمنطقة الباحة



على ضفاف .. ثقافة السلوك
سعيد علي صالح العنقري







أكرم ما ينبغي علينا فعله تجاه رجل بقامته أن نعيد ولأكثر من مرة قراءة ما دوّنه يراع الأديب الأستاذ علي بن صالح السلوك عن ملهمته الباحة. حينها سنكتشف كم هي رائعة منظومة الأحلام الدفيئة في قلب هذا الإنسان النبيل الذي رتّب حياته بصرامة شديدة شاحذاً همّته وطاقته الذهنية لصياغة إرث فكري وتراثي وثقافي عن الباحة وأهلها وربوعها ولسانها ومأثوراتها وأسرارها.

وكل كتاب من هذه المنظومة يمثل بذاته حداً لا نهائياً من التضحية والترحال المتواصل على أجنحة المعاناة والحرمان من مباهج ومُتع الحياة ليغرس في النهاية نبتته الخضراء على سفوح ذاكرتنا.

تذكرت قولاً للأديب الطيّب صالح أن الكتابة عذاب في عذاب، فأيقنت أن تكون الكتابة هي التي التهمت عافيته وصحته وطرحته عنوة إلى سرير المرض لأكثر من عام مضى.. فهل كان يدرك هذا الكاتب النبيل أنه سيدفع ثمناً غالياً من أجلنا يتعدّى ما هو أقسى من العذاب وأقسى من معاناته الذهنية والفكرية والجسدية؟!

على الأرجح أن الباحة أدماها وأعياها كل هذا الفراق الطويل والقسري لابنها الذي حمل على عاتقه عبء جيل بأكمله ليتولى بالنيابة عنه سرد جغرافية بلاد غامد وزهران في معجم جغرافي وتاريخي قام بإعداده منفرداً وهو ما لا نصدّقه في الوهلة الأولى، وهلة الاندفاع إلى ثنايا الصفحات والسير خلف هذا الإبداع والتألق الذي يقف وراءه قلم واحد لا غير. فالمعجم جذوة من الحماس التي كان يمكن أن تنطفئ في لحظة ما لوعورة المسالك ومشقة التحقق والانتقال من مكان لآخر لرصد المعالم وتأريخ الدلالات والمقاصد، إلا أنه لم يؤثر السلامة ولم ينج بنفسه ومضى في مشواره الطويل ليأتي بهذا الينبوع الثقافي الرصين. وإن كان يكفيه هذا الكتاب وحده الذي فيه من الإبهار ما يجعله متجدداً بذات الإحساس الذي صدر عليه في عام 1391هـ، إلا أنه شعر وأحس بأن هناك أدواراً أدبية أخرى تنتظره لا ليقول قولته فحسب وإنما لمساعدة الموروث الثقافي والحضاري لأبناء غامد وزهران على الجلوس في مقعدها الشاغر. وهذا دلف السلوك مرة ثانية لمناطق أشد خطورة من التعب والمعاناة والحس المرهف بالموروث أينما كان خبيئاً في أعطاف الماضي والحاضر.

وعندها كانت تتأمله الباحة مزهوّة بابنها الذي يحمل ثقافته على كتفيه دون اهتمام بإبراز صورته الشخصية قدر اهتمامه بإبراز صورتها هي، فأتى عمله البديع من خمسة أجزاء بعنوان (الموروثات الشعبية لغامد وزهران) الذي يعد في ظني كنزاً إبداعياً بأكثر مما توقعه الكاتب نفسه.

إن إبداعات علي السلوك عافاه الله وشفاه وخفّف عنه وطأة المرض، هي قدرات خارقة للعادة في ممارسة فن الكتابة الرفيعة، الكتابة التي تريد أن تعكس فكراً وثقافة وتبقى رصيداً معرفياً للأجيال وتعكس في ذات الوقت حالة من المسؤولية والجدية والالتزام، وستظل الباحة بانتظار عودة هذا الفارس إلى ميدانه سالماً معافىً بإذن الله، وسيحفظ أحفاد ابن جبران والزرقوي وغيرهم من شعراء وأدباء المنطقة هذا الجميل الذي لن ينساه التاريخ.

- جدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
لنا الغرف العليا من المجد والعلى ... ظفرنا بها والناس بعد توابع

يشرف أقواما سوانا ثيابنا ... وتبقى لهم أن يلبسوها سمائع
أخر مواضيعي
ابو نضال الدوسي غير متواجد حالياً