عرض مشاركة واحدة
قديم 23-06-2008, 03:13 AM   #5
ابو نضال الدوسي
الإشراف العام
 







 
ابو نضال الدوسي is on a distinguished road
افتراضي رد : علامة الجنوب العملاق صالح السلوك الزهراني شافاه الله

علي السلوك الإنسان
أحمد علي الشدوي

ش





لم أكن أعرف أنه اللقاء الذي سأندم كثيرا على عدم حدوثه في عصر ذلك اليوم قبل بضع سنوات خلت. كنت في قريتي بمنطقة الباحة (وادي الصدر) عندما جاءني أحد الصبية يقول إن والدي قد ضافه هذه الساعة رجل يرغب في لقائك ويريد حضورك لمنزلنا وكانت كثرة المواعيد في الصيف تضغط على المصطاف من أهالي الباحة. لكنني أبداً لم أتوقع أن ضيفه في حجم الأستاذ علي السلوك إلا بعد أيام. كان الرجل المفكر والباحث علي السلوك في جولة لقرى الباحة لجمع وثائق حول رجال في غامد وزهران.

ولأن توثيقاً كهذا تشح فيه المصادر والمراجع قام بنفسه يجمع ويدقق ما يجده لوضع دراساته وتراجمه. وهو الباحث الخبير في شؤون غامد وزهران منذ نعومة أظفاره.

لا أعرف على وجه الدقة متى كان لقائي الأول معه، فأنا أعرفه منذ أن بدأ التأليف، أعرفه باحثاً في خيالي، أعرفه في غامد وزهران الإنسان، وفي المعجم الجغرافي لمنطقة الباحة، ومجلدات موروثات غامد وزهران، وفي وثائق من التاريخ. ثم عرفته في لقاء جمعني به في النادي الأدبي عام 1417هـ وقد أذهلني حماسه في تشجيع أية كتابة جادة عن المنطقة، كان يرى أنها جميعا مشاعل أمام المعرفة فتجسد لمن سمعه علي السلوك الإنسان وأرجو أن تكون دعوة لمن عرفه كثيراً عن قرب أن يكتب عن علي السلوك الإنسان.

تحدث عن اشتراكه في أول لجنة تبحث عن حدود القبائل في المنطقة وتداخلاتها عام 1384هـ.

تحدث عن مؤلفات أبناء المنطقة التاريخية والأدبية عن الأسر والديار يأخذ مني المحكي في قصص المنطقة شواهد للدخول في أبحاث التراجم، لا يتوقف كثيراً حول السرد في الرواية.

ينتمي لمدرسة الرواد مع الحاسر والعقيلي والبلادي. وهي مدرسة لا تعنيها الدعايات والتهويل، بل تغوص في المعرفة وتلبي حاجة طالبها ولا أعتقد ان باحثاً يستطيع تجاوز هؤلاء الرواد عند إجراء بحث أو دراسة في مواضيعهم.

قبل لقائي معه في النادي بسنوات طويلة أي عام 1406هـ كنت قد رأته للوهلة الأولى وحظيت لمجالسته في دعوى للغداء بمنزل مدير تعليم البنات الشيخ عبدالهادي العمري وفي اللقاء كان الشيخ سعد المليص حاضراً.

في هذا اللقاء سمعت منه هجوماً على أولئك الذين سيتصدون للبحث في تاريخ وجغرافية المنطقة دون التمحيص والتدقيق وقد سمى بعضهم، ومن المعروف عنه عدم تسامحه في خلل المنهج. وعندما حاول الشيخ سعد المليص التخفيف من هجومه لم يرض بأقل من الطلب منهم الإقلاع عن الاستخفاف بالأبحاث التوثيقية.

كان لقاء عام 1406هـ هو أول لقاء مع هذا الباحث العملاق فدارت في ذهني كثير من الصور التي في مخيلتي عنه، كيف بنى نفسه بنفسه في عالم البحث والمعرفة، وهو العصامي في هذا الشأن. وكيف تشرب عشق البحث في المنطقة حتى كانت أهم من أي شأن آخر في حياته. عندما تقرأ دراساته تشعر به في كل منعرج في منطقة الباحة، تراه في كل ما يحكى من سرد لرجال غامد وزهران ينظف نظارة بحثه ليرى ما يمكن الاطمئنان إليه من رصد وتحري. تكاد تلمس يديه في كل وثيقة هناك، ليس من السهل لعبقري آخر أن يكتب بما يوازي كتابته عن موروثات غامد وزهران.

الله أسأل أن يمن عليه بالصحة والعافية.

جدة

كلمة وفاء
اللواء د.صالح فارس الزهراني*







تكريم الأدباء والمثقفين نهج نبيل ولفتة حضارية بالغة القيمة. ومثل هذا التكريم نهج تسير عليه الأمم الراقية، بل احسب انه أحد مقاييس رقيها وتحضرها. والشيخ الأديب علي بن صالح السلوك الزهراني، الذي يرقد بأحد مستشفياتنا منذ عدة سنوات واحد من أكثر المستحقين للتكريم في المملكة؛ لقاء ما قدم لوطنه وأمته من خدمات ومن فكر وثقافة.

ولد الشيخ علي عام 1360هـ بقرية قرن ظبي التابعة لإمارة منطقة الباحة، ودرس في (الكتّاب) ثم أكمل دراسته في المدارس النظامية منتسبا، وواصل مشواره حتى أصبح مثلا يحتذى في عصاميته ودأبه على تحصيل العلم. واشتغل بعد ذلك موظفا حكوميا حوالي اثنتين وأربعين سنة، بدأها في إمارة (الكامل) عام 1377هـ ثم تدرج في السلم الوظيفي حتى تقاعد عام 1419هـ، وهو بمرتبة مدير عام بامارة منطقة الباحة، وظل يعمل عضوا في مجلس المنطقة حتى مرضه.

والشيخ علي مؤرخ محقق وأديب كبير ملأ الساحة الأدبية بإنتاجه الذي كرس جله لتاريخ منطقة الباحة وآدابها وموروثاتها، فسد بذلك فراغا كبيرا في المكتبة السعودية والعربية، أبرز مؤلفاته: 1- المعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران الذي طبع ضمن المعجم الجغرافي للبلاد السعودية الذي أشرف عليه الشيخ حمد الجاسر. 2- وثائق من التاريخ. 3- غامد وزهران السكان والمكان. 4- كتاب الموروثات الشعبية لغامد وزهران، المكون من خمسة أجزاء. وتعد مؤلفاته عن منطقة الباحة دائرة معارف متكاملة ومرجعا موثقا لتاريخ المنطقة وآدابها وفنونها وعاداتها وتقاليدها، لا غنى لأي باحث في شؤون تلك المنطقة عن الرجوع إليها. ولم ينسه تركيزه على منطقة الباحة الانشغال بهموم الوطن وقضايا الأمتين العربية والإسلامية، حيث حظيت جميعها بالكثير من جهوده في مؤلفاته ومحاضراته ولقاءاته العلمية.

كان الشيخ علي رئيساً أو عضوا في أربع عشرة جمعية تعاونية وخيرية وثقافية وتاريخية في منطقة الباحة وخارجها، وهو من أول المهتمين بتأسيس الجمعيات الخيرية بمنطقة الباحة إن لم يكن الأول في ذلك على الإطلاق؛ وذلك لما جبل عليه من حب للخير وحرصه على مساعدة المحتاجين. كما كان نائبا لرئيس النادي الأدبي بمنطقة الباحة حتى ساعة مرضه، وهو موقع اسهم من خلاله في تنشيط الحركة الفكرية والأدبية في المنطقة.

كما عرف بالكرم والشهامة وبشخصيته الودودة البشوشة وبأدبه الجم وحسن خلقه وبأحاديثه الممتعة حتى انه لا يسع من يجالسه إلا ان يحبه، ويتوق الى لقائه مرات ومرات، والناس شهود الله في الأرض. كتب الله لابي زهران الشفاء الدائم والعاجل ليعود لمواصلة مشواره واستكمال عطائه لوطنه ولأمته.. إنه سميع مجيب.

* عضو مجلس الشورى

الأب .. والإنسان
د. زهران بن علي السلوك







في الحقيقة إن اللسان ليعجز عن الكلام ولا يستطيع البيان ويبقى المرء حيران من أين يبدأ؟ هل يوصف الحب والحنان أم عن العلاقة بالجيران أم بتربيته للإخوان أم عن حبه للعلم والتعليم أم بصلته بالأصدقاء والخلان أم بزياراته للمرضى ومشاركتهم في الأفراح والأتراح أم بره بوالديه أم بتفقده للمحتاجين أم بإخلاصه في عمله وتفانيه في خدمة دينه ثم مليكه ووطنه وحرصه على أوقات الدوام أم بسعيه للإصلاح بين الناس أم بمشاركته في المناشط الاجتماعية كالجمعيات الخيرية وجمعية أصدقاء المرضى والجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع والجمعية الخيرية السعودية للأطفال المعاقين أم بسعيه لإصلاح ذات البين وحل الخلافات العائلية والقبلية أم عن كرمه أم عن حسن خلقه في استماعه وإنصاته للصغير والكبير، أم عن تمسكه وتطبيقه للوائح والأنظمة، وقد أكتفي وأترك للقراء الكرام معرفة ما يحويه هذا النبع الذي لا ينضب. هذا قبل مرضه -شفاه الله وعافاه وجعل الجنة مثواه وجزاه عما قدم خير الجزاء- ولا يزال هذا النبع الصافي يتدفق عطاء حتى لحظة كتابة هذه الأسطر؛ فما زرعه خلال ما يزيد على الستين عاماً من خلال ما ذكر أعلاه ما زال هو وما زلنا نحن أبناؤه نجنيه من حب الأصدقاء والزملاء من الزيارات اليومية للمستشفى، وما نسمعه ونتعلمه يومياً من المواقف التي يحكيها لنا أصدقاء الوالد، لم نكن نعلمها من قبل، وقد لا يتسع المجال لذكرها جميعاً؛ لأنها قد تحتاج إلى مقالات ومقالات، ولكن قد يسمح لي القارئ الكريم ليرى بعضها مما سمعته أنا شخصياً ولأول مرة وفيها:

* ذكر لي أحد أبناء قريتنا (قرن ظبي) وهذا قريب جداً، حيث كنا في مناسبة عامة وسألني عن صحة والدي فذكرت له أنه في صحة جيدة -ولله الحمد والمنة- فقال لي عندما تخرجت من المتوسطة وهذا قبل حوالي الثلاثين سنة، سافرت مع والدك إلى الطائف وسألني ماذا تود أن تدرس وما هو طموحك العلمي. وكان السائد في تلك الفترة التوجه مباشرة للغالبية من الطلاب إلى معهد المعلمين والإحجام عن الدراسة الثانوية العامة، فقلت له لا أعلم وأنا في قرارة نفسي قد قررت أن أتجه لمعهد المعلمين، فبدأ يشجعني على أهمية العلم والتعلم، ولكني لم أستفد من تلك النصيحة التي لم أسمعها من أحد غيره.

* ذكر لنا أحد أصدقاء الوالد أنه أصيب بمرض في الكبد وذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية لزراعة كبد، وهناك حس بالغربة والوحدة ومرارة الألم، ومن خفف عليه بعد الاتكال على الله إنه والدي (علي بن صالح السلوك) كان على اتصال به شبه يومي؛ حيث كان يتصل عليه بعد صلاة الفجر، وقد ذكر أنه أصبح موعد هذا الاتصال ثابت لديه؛ حيث كان يسأل عن صحته ويرفع من معنوياته حتى عودته من الرحلة العلاجية، يذكر أن هذا الموقف لم يحصل من أقرب أقربائه ولن ينساه.

* ذكر لنا أحد أبناء القرية الذين كانوا في الخارج لإتمام تعليمهم أنه أحس بالغربة والبعد عن الأهل والحنين للوطن، فيقول ذات ليلة وأنا في غرفتي بالولايات المتحدة الامريكية في ليلة باردة وماطرة فإذا بالتليفون يرن ونظرت للهاتف فلم أجد رقماً، وهذا يعني أن الاتصال خارجي وليس من داخل أمريكا، فرفعت السماعة، فإذا بصوت يسلم علي.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرددت عليه السلام فعرفني بنفسه (علي بن صالح السلوك)، وهذه ميزة كان يطبقها شفاه الله وعافاه عند الاتصال بأي أحد، وسألني عن أحوالي الدراسية، فذكرت له أن الأحوال على خير ما يرام، فشجعني وحرصني على التعلم وسألني هل أنت بحاجة شيء، هل ينقصك شيء فشكرته وسلم علي وأغلق السماعة ولم أعتد على اتصالات من أحد حتى من أهلى إلا نادراً، فلم أستوعب ذلك الموقف وكأنه حلم وليس حقيقة وبقية فترة من الوقت أسترجع ما حصل ومن هو المتصل ولماذا يتصل وليس هناك قرابة ولا علاقة مباشرة فهو في سن والدي وأدركت حينها مقام هذا الرجل (علي بن صالح السلوك) وحبه للعلم وعدم تفرقته بين قريب وبعيد؛ فالكل سواء ولن أنسى هذا الموقف ما حييت.

- الباحة

قامة سامقة
جمعان الكرت







ثمة غشاوة تضرب بقتامتها على أعيننا فلا نستطيع رؤية من حولنا رؤية دقيقة ومنصفة، حيث يعيش بين ظهرانينا أشخاص ضحوا بأوقاتهم وصحتهم من أجل خدمة وطنهم.

هؤلاء الأشخاص أنقياء... رائعون ومبدعون... ومع الأسف تظل أعيننا غير قادرة على تفحص الجهود العظيمة التي قدموها... بل أحياناً، ومع الأسف الشديد، ننقص من شأنهم ومن جهودهم، وفي الوقت نفسه لم نقدم شيئاً يذكر... وهكذا تستمر عجلة الحياة.. ما أسوأ هذا التناسي!... وما أتعسه!..

أيها الأحبة حينما كان الكثيرون لا يعرفون محيط منطقتهم برز أحد أبنائها ليقدم عطاءً جغرافياً وتراثياً يستحق الشكر والثناء... هو علي بن صالح السلوك الذي نبتت في ذهنه أزاهير عشق المنطقة.. واشتعلت جذوة الحماس في شرايينه ليدفع إلينا سفراً جغرافياً لبلاد غامد وزهران، وهذا العمل الجغرافي يعطي دلالات عديدة.

أولاً: الوعي المبكر لعلامة منطقة الباحة (علي بن صالح السلوك) شفاه الله وعافاه. إذ إن عملاً كهذا يحتاج إلى تجشم المصاعب وتكبد المشاق وصولاً إلى الأودية والجبال والقرى والهجر، والالتقاء بالناس ليدون ويحقق ويصحح.

ثانياً: المواطنة الحقة هي التي دفعت بالمؤلف لينهض بهذا العمل الذي يحتاج إلى فريق من المتخصصين.

ثالثاً: رفضه للدعة والخمول.. فعمل جغرافي لا ينحصر داخل جدران مكتبه بل يحتاج إلى سلسلة من الأعمال البحثية المضنية والحركة الدؤوبة.

رابعاً: فطنته المبكرة إلى احتياج المكتبات إلى معلومات سواء كانت جغرافية أو تاريخية لجزء هام ومنطقة حيوية من مناطق المملكة... وبالفعل أصدر كتابه عام 1391هـ ليفوز بقصب السبق في التوثيق لمنطقة الباحة... وفوزه أيضا بعبارات التقريظ من رموز أدبية عالية المستوى أمثال ضياء الدين رجب، محمد حسن عواد، أحمد عبد الغفور عطار، علي حافظ، عبد العزيز الرفاعي، عثمان الصالح، د. محمد خفاجي، علوي طه الصافي.

هؤلاء النخبة أجمعوا على أن المعجم الجغرافي لبلاد غامد وزهران إضافة جديدة لتاريخ وجغرافية بلادنا، وأن هذا الجهد يدل على الإحساس المضيء في نفس المؤلف صوب بلاده، الإحساس الذي يمثل حبه العميق لبلاده وافتخاره بأمجادها وتراثها وحرصه على متابعة واستقراء كل أثر من آثارها وضبطه وتدوينه وإلقاء الضوء عليها وقالوا لابد لأي باحث أو مؤرخ أو جغرافي يود دراسة منطقة الباحة أن يعود لهذا المرجع. فيما أشار علامة الجزيرة (حمد الجاسر) إلى بعض مميزات المعجم لمقدرة المؤلف على حصر الأمكنة في المنطقة ليسهل للباحث معرفة المواقع معرفة تامة، وضبط الأسماء ضبطاً صحيحاً، وتحديد المسافات، ولما كانت إحدى مزايا المؤلف التجديد والتحسين رأى من الضرورة إعادة طباعته مرة ثانية بما يتناسب مع روح العصر، ولكي يظهر في حلة قشيبة فعلاً أعاد إصداره مرة ثانية وكسب شيئين:

أولاً: الأبواب والأسماء التي ضمها الكتاب في طبعته الثانية ذات قيمة لدى الدارسين والمهتمين بالنواحي الجغرافية والتاريخية.

ثانياً: توق الكثير من أبناء المنطقة وخارجها الحصول على الطبعة الجديدة بشكلها الأنيق وصورها الملونة خصوصاً الصور التي التقطت من الفضاء.

لقد اعتاد المؤلف شفاه الله أن يغمس قلمه في محبرة الجد، ولم يتوقف نشاطه عند هذ الحد، بل رأى أن هناك موضوعات تحتاج إلى توثيق خصوصاً أن السنين كفيلة بنسيانها أو على الأقل صعوبة الحصول عليها لكونها ثقافة مرتبطة بالأشخاص.

فبدأ بمشروعه الضخم الذي ما أن فرغ منه حتى سمّاه (الموروثات الشعبية لغامد وزهران) وجاء في خمسة أجزاء منها: قصائد الجبل واللبيني، العرضة واللعب والمسحباني، الهرموج، العزاوي، الهزل، والفكاهة، شعر القاف، وكذلك الأمثال الشعبية والحكم.

هذا الإرث الشعبي الجميل يحتاج إلى توثيق وتصنيف وترتيب وتبويب، فانبرى لهذا العمل علي بن صالح السلوك ليخفف عن الكثيرين عناء وتعب التقصي والبحث والجمع، ويقدم هذه الموسوعة الرائعة في أجزائها الخمسة، والحق هذا العمل بكتابين آخرين أحدهما سماه: غامد وزهران السكان والمكان وقسمه إلى أربعة مباحث استعرض فيها فروع غامد وزهران في الماضي والحاضر ومواطنهم في الحاضر إذ انتشر السكان بفضل الأمن والاستقرار الذي تعيشه بلادنا في هذا العصر الزاهر مع تراجم مختصرة لبعض مشاهيرها واعتمد في إيراد عدد السكان على إحصاء أجرته إمارة الباحة عام 1398هـ، وكذلك على الدراسة التخطيطية التي قامت بها إحدى الشركات المتخصصة وأشارت إلى أن نسبة النمو السكاني في المنطقة 3% سنوياً فضلاً عن الوحدات السكنية إذ وصل نموها إلى 200% وأعطى ملخصاً تاريخياً عن المنطقة في عصر توحيد المملكة العربية السعودية. واختتم الكتاب بملاحق عبارة عن وثائق اعتبرها الباحث أهم مصادر الكتاب ونشرت لأول مرة... والكتاب الآخر بعنوان: وثائق من التاريخ... ويهدف المؤلف إلى إعطاء فكرة عن فترة تاريخية طواها النسيان فضلاً عن إبراز دور تلك الوثائق في عملية تنظيم الحياة الاجتماعية سابقاً، وكذلك في المحافظة على الأمن والاستقرار وحل النزاعات ومنع الاعتداءات. وشمل الكتاب العديد من وثائق المعاهدات والاتفاقيات والأخلاق بين القبائل، ونماذج من وثائق الأحكام والصلح لحل المنازعات القبلية والفردية، ونماذج من المبايعات والمراسلات من الحكام إلى المشايخ والأعيان تعكس روح القيادة وعمق الترابط بين مؤسس هذه البلاد وإنسان هذه المنطقة. بقي علينا شيء واحد وهو الاعتراف بأننا نعاني من جور النسيان... نسيان المبدعين والمبرزين الذين سكبت أقلامهم حروفاً كالعصافير الخضراء تدل على حسهم الوطني العميق!!


حبة اللوز!
أحمد الدويحي







مرت أربعة أو خمسة أشهر، وأنا قريب من تحضيرات هذا الملف الثقافي، لرجلٍ أعطى وطنه الكثير، تعمدت خلال هذه الفترة الطويلة، أمتحن ذاكرة المشهد الثقافي (الدفانة) في حزمة لقاءات ثقافية، وأطلب من الذين أتوسم منهم الوفاء، الكتابة حول شخصية الملف الثقافية، فيأتي الرد بالاعتذار، مصحوباً بمفردة وكلمات ثناء متواطئة في حق الرجل (كفؤ)، يقولها مثقفون كتّاب في أجناس أدبية متنوعة، وأداري حرج اللحظة والسؤال، وأقول إن بعض الكتّاب كحبات اللوز، يحتاج لتقشيره لتفهمه، ولكن - آه- من لكن هذه! حتى وجدت نفسي محاصرا، ومجبرا في اللحظة الأخيرة كالآخرين، للإجابة على ذات السؤال، وباتت أسئلة الأستاذ سعيد الدحية، ورسائله تطاردني..

الأستاذ علي بن صالح السلوك قامة شامخة اجتماعيا وثقافيا، يعد من أبرز وجوه المجتمع في الباحة، ورمز ثقافي من جيل عاصر مرحلة التكوين، الجيل الذي حفر في الصخر دون هوادة، ليبقي للأجيال التالية ما يغني عن السؤال..

تحفظ ذاكرتي هذا الاسم البارع مذ كنت طفلاً، يناغي الحرف قراءة ومتعة، وبالذات حينما يتناول الكاتب في هذه المرحلة من الغمر، شاناً أدبياً وفكرياً قريباً من العقل والعاطفة، وهذا ما أظن أن الأستاذ السلوك قد فعله معي. ويؤلمني أنه على امتداد أربعين عاماً، هي عمر معرفتي الثقافية بهذا العلم الثقافي، لم يتيسر لي معرفته وجهاً لوجه أبداً، وكنت كلّما تهيأت لي زيارة الباحة في الاجازات الصيفية، أهيئ نفسي للقائه فتذهب الأيام، وأبقى على الوعد.. وفي أحدى تلك العطل الصيفية من خمس سنوات تقريباً، سمعت أن الأستاذ السلوك أصيب بجلطة، ونُقل في غيبوبة إلى الرياض، وهنا أجد ما يبرر سؤالي للمثقفين والطلب منهم الكتابة عنه، وكأني أكفر لنفسي ومبرراً لها بضعف، الغياب الذي أعيشه أنا لا علي بن صالح السلوك!!

الرموز الثقافية في بلادنا، قضية لن تنتهي أبداً، فإذا كنا ما زلنا نعاني في زمن التسطيح والتهريج والبهرجة، وثقافة الإقصاء والتهميش والجحود، وقد أقصت كثيرا من حالات التنوع، وأغفلت ثقافة الأطراف في سيادة ثقافة المحور، فإن منجز علي بن صالح السلوك الجاد، لن يغيب من ذاكرة الأجيال، ولو غاب سنوات طويلة في مرضه. جئت لزيارته في مستشفى التخصصي مرات برفقة الأستاذ محمد الكلي، وأخرى برفقة الأستاذ الروائي إبراهيم الناصر الحميدان، وكنت أجد أبناءه البررة ومحبيه يحيطون به، ويلتمسون الدعاء له بالشفاء، وأشعر بغصة في الحلق حينما أشاهد رجلاً، حمل وطنه وإنسانه في داخله، بأرضه، تاريخه وفولكلوره وفنونه وشقائه وتعبه..

انقطعت عن زيارته (ما هذا الجحود؟) وسجلت وجعي وأسئلتي في مقال بهذه الصحيفة قبل سنة تقريباً، وظننت أن إدارة نادي الباحة الأدبي وربما إمارة المنطقة، لابد أن تفعل شيئاً لتكريم هذا الرائد الكبير، خصوصاً أن الرجل كان نائباً لرئيس النادي الأدبي، والعافية من الله..

يحدثني الصديق الأستاذ محمد القشعمي، وكان من الذين عرفوا هذا العلم عن قرب، إبان تكريم عبدالعزيز مشري في الباحة-رحمه الله، وحينها كانت الحرب ضد الحداثة في أوجها، وحينما تسري الإشاعات والأفعال الكيدية في مجتمع محافظ، فلا بد أن تفعل فعلتها، وهذا ما كان سيحدث في حفل تكريم الراحل المشري، لولا وجود رجل مثقف حقيقي اسمه علي بن صالح السلوك، فما فعله كان فعلاً ثقافياً عكس للنخبة القادمة للباحة الأمل في حوار مجدٍ.

نتاج الأستاذ علي بن صالح السلوك المعجم الجغرافي للبلاد العربية السعودية (بلاد غامد وزهران) جزء من ثقافة الوطن وتاريخها، يأتي في ضمن المنظومة التاريخية التي كانت مشروعاً للرواد، وبالذات الأستاذ حمد الجاسر-رحمه الله، سأدع للباحثين والمتخصصين قراءته والكتابة عنه، فيكفي الرجل ما قدمه من جهد وعلى الجامعات والمختصين واجب دراسة هذا الأثر والإضافة منه، وأجزم ما من بيت ثقافي في الباحة، لا توجد فيه نسخ من نتاج الأستاذ السلوك، سواء التاريخية أو ما يتعلق بمنجزه عن التراث والشعر الشعبي وقراءته، وهذا في حد ذاته التكريم الحقيقي للكاتب. شكراً (للجزيرة)، شكراً لأهل الوفاء..

- الرياض

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
لنا الغرف العليا من المجد والعلى ... ظفرنا بها والناس بعد توابع

يشرف أقواما سوانا ثيابنا ... وتبقى لهم أن يلبسوها سمائع
أخر مواضيعي
ابو نضال الدوسي غير متواجد حالياً