أيها القمر المنير :
أيها القمر المنير
إنكـ أنرت الأرض : وهادَها ونِجادَها ، وسهلها ووعرها ، وعامرها وغامرها ؛
فهل لكـ أن تشرق في نفسي فتنير ظلمتها ، وتبدد ما أظلمها من سُحُب الهموم والأحزان؟.
أيها القمر المنير:
إن بيني وبينكـ شبهاً واتصالاً ؛ أنت وحيد في سمائكـ ، وأنا وحيد في أرضي ،
كلانا يقطع شوطه صامتاً هادئاً منكسراً حزيناً ، لا يلوي على أحدٍ ولايلوي أحد عليه ،
وكلانا يبرز للآخر في ظلمة الليل فيسايره ويناجيه ،
يراني الرائي فيحسبني سعيداً ،لأنه يغتر بابتسامةٍ في ثغري ، وطلاقة في وجهي ،
ولو كُشف له عن نفسي ورأى ما تنطوي عليه من الهموم والأحزان لبكى لي بكاءَ الحزين إثر الحزين
ويراكـ الرائي فيحسبكـ مغتبطاً مسروراً ، لأنه يغتر بجمال وجهكـ ولمعان جبينكـ ، وصفاء أديمكـ ،
ولو كُشف له عن عالمكـ لرآه عالماً خراباً ، وكوناً يباباً ، لا تهب فيه ريح ولا يتحركـ شجر،
ولا ينطق إنسان ، ولا يَبْغم (أي يصوِّت) حيوان.
أيها القمر المنير :
كان لي حبيب يملأ نفسي نوراً ،وقلبي لذة وسروراً ، وطالما كنت أناجيه ويناجيني بين سمعكـ
وبصركـ ، وقد فرّق الدهر بيني وبينه ، فهل لكـ أن تحدثني عنه ، وتكشف لي عن مكان وجوده ؟
فربما كان ينظر إليكـ نظري ، ويناجيكـ مناجاتي ، ويرجوكـ رجائي .
وهأنذا يخيّل إلي أني أرى صورته في مرآتكـ ، وكأني أراه يبكي من أجلي كما أبكي من أجله ،
فأزداد شوقاً إليه ، وحزناً عليه .. فابق في مكانكـ طويلاً تَطُلْ وقفتنا ، ويدوم اجتماعنا.
أيها القمر المنير :
ما لي أراكـ تنحدر قليلاً قليلاً إلى مغربكـ كأنكـ تريد أن تفارقني ، ومالي أرى نوركـ الساطعَ قد
أخذ في الانقباض شيئاً فشيئاً ، وما هذا السيفُ المسلولُ الذي يلمع من جانب الأفق على رأسكـ ؟.
قف قليلاً ، لا تغب عني ، لا تفارقني ، لا تتركني وحيداً ، فإني لا أعرف غيركـ ،
ولا آنسُ بمخلوقٍ سواكـ .
آهـ لقد طلع الفجر ، ففارقني مؤنسي ، وارتحل عني حبيبي ، فمتى تنقضي وحشة النهار ،
ويُقبل إليّ أنسُ الظلام ؟!!
منقول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|